الحدائق سجاد أخضر لمدينة مراكش الحمراء

مدينة تجذب زائريها بمنتزهات مؤثثة بالأشجار والنخيل والورود تملأ الصدور بالهواء النقي.
الجمعة 2019/05/03
رئة المدينة وزينتها

تعتبر الحدائق المتنفس الصحي لسكان المدن المكتظة، لما فيها من مرافق لقضاء نزهة خاصة أو يوم إجازة أو ممارسة رياضة المشي والهرولة، وفضاء للأطفال يمرحون فيه دون خوف عليهم، لكن فقدت أغلب المدن اليوم هذه الفضاءات الخضراء وحلت محلها عمارات ومبان إسمنتية جعلت السكان يختنقون، مدينة مراكش ما زالت تحتفظ بحدائقها التاريخية والعصرية أيضا وأولتها اهتماما خاصا، ليستمتع سكانها وزوارها بالأجواء النقية المشبعة بالأكسجين.

 الرباط - تختنق المدن العربية المكتظة بدخان السيارات والمصانع، فتصبح كمدن الضباب قاتمة لا ترى زرقة الشمس، لكن مراكش لا تشبهها، فهي تتنفس من حدائقها الكثيرة وأشهرها أكدال التي تجمع المراكشيين في العطلات الأسبوعية للقيام بنزهة بين أشجار الزيتون، وحديقة المنارة التي تم إنشاؤها في القرن الثاني عشر على يد الحاكم الموحدي عبدالمؤمن، وحديقة مولاي عبدالسلام التي تبعد خطوات على ساحة جامع الفنا وحديقة ماجوريل التي تجتمع فيها نباتات العالم، والحديقة السرية وهي معلم تاريخي يعكس روعة الفن المعماري المغربي، منتزهات تمتاز بنمط تهيئتها التي تجعل السماء صافية والهواء نقيا، فيكون ليل سكانها هادئا ويومهم مشرقا.

وإذا كانت مراكش تحمل لقب المدينة الحمراء، نظرا لتربتها الطينية ذات اللون البني، فإنها أيضا مراكش الخضراء، باعتبارها مدينة بيئية بمناخها القاري، البارد شتاء والحار صيفا.

هذا المناخ جعلها خضراء بنباتها على مدار العام، وجعل المراكشيين المولعين بالعمارة الإسلامية والأندلسية التي تولي اهتماما خاصا للحدائق يهتمون بالمنتزهات الشاسعة، فجعلوها مدينة الحدائق اليانعة المؤثثة بالنخيل والأشجار والورود العطرة، ساعدتهم في ذلك وفرة المياه التي تصل إلى بساتينها بعد ذوبان ثلوج جبل توبقال الشامخ في شرق المدينة، فتنزل مياها صافية عبر وادي تانسيفت الذي يمر بمحاذاة المدينة التاريخية.

تاريخ جمال البيئة المراكشية يحاكي نظيره الأندلسي الذي كان يوما بغرناطة وإشبيلية وقرطبة، يقول الحاج عمر الزواق، أحد أعلام مراكش وشعرائها الزجالين لـ”العرب”، إن العلاقة بين المغرب والأندلس منذ عهد الموحدين، كانت علاقة تأثير وتأثر في أغلب أنماط العيش والصناعة والزراعة.

وعرفت الزراعة في مراكش نجاحا مزدهرا منقطع النظير في العهد المغربي الأندلسي الزاهر امتدت آثاره الإيجابية حتى اليوم، فالأفلاج والجداول المائية شقت طريقها بين دروب المدينة وأزقتها لتروي عطش السكان والأشجار والأزهار.

ويقول الحاج الزواق المراكشي الميلاد والمنشأ “يجلب وادي تانسيفت الماء إلى المدينة، فيبدو حول مراكش كحزام ينتهي إلى المحيط الأطلسي، مخترقا قبائل الشياظمة جنوبا والرحامنة والشاوية شمالا وعبدة ودكالة غربا، وكلها مناطق مغربية لها حظها الوافر من زراعة البساتين والمنتزهات”.

جمال البيئة المراكشية يحاكي نظيره الأندلسي الذي كان يوما بغرناطة وإشبيلية وقرطبة
جمال البيئة المراكشية يحاكي نظيره الأندلسي الذي كان يوما بغرناطة وإشبيلية وقرطبة

ويؤكد عمدة المدينة السابق عمر الجزولي لـ”العرب” أن المسؤولين في مراكش حرصوا على تدبير شؤونها الحضرية والاهتمام بحدائقها ومنتزهاتها، لتكون ملاذا للسكان والسياح والعابرين، الذين يجدون في أجوائها الأكسجين، فيجلسون على أرائكها الخشبية المبثوثة في حدائقها آمنين يتحدثون ويقرأون الجرائد ويطالعون الكتب، أو يتأملون دون إزعاج.

ومن بين هذه المنتزهات التي لا يصعب على الزائر معرفتها منتزه لالة حسناء الذي دشنته الأميرة بنفسها في شهر يونيو 2002 ليظل منذ ذلك التاريخ مفتوحة أبوابه مباشرة من أمام فندق المامونية الراقي الذي سار بذكره كبار الشخصيات العالمية.

ويقول كمال بن الحاج، صاحب مؤسسة سياحية قريبة، إن “المنتزه الأميري يضم أحسن أشجار النخيل والتين والزيتون، وأن أرضه تبدو كالبساط الذي نسجته الطبيعة بأناملها السحرية فغدا مزركشا بالورود والزهور المختلفة أشكالها وألوانها، زاده الماء المنهمر انتعاشا وهو يعبر المنتزه من وسطه ليرتفع متراقصا بخراطيم نافورة عالية، وكأني به يُشكل رقصة أحواش الأمازيغية، تلك التي ترتعش لها أجساد الراقصين رقصا بالأكتاف”.

ومراكش تتوفر على67 فضاء أخضر يغطي مساحة إجمالية تقدر بـ284 هكتارا، وبجهاتها الأربع تنتشر المناطق الخضراء التي تشهد على ارتباط المدينة الحمراء بفن الحدائق والمنتزهات، حتى أن بعضها استعار من المنتزهات التاريخية أسماءها، ومنها “عرصة سيدي ميمون”، “عرصة شباني” و”عرصة البردي”، كما تحتوي المدينة على محمية للنخيل بالآلاف من الهكتارات، وأشجار الفواكه المختلفة والمتنوعة، ونمت حول مدارات طرقها وجوانب أرصفتها خواتم من ورود وزهور، وتشكلت حولها سلسلة من الحقول والبساتين المزروعة، التي نمت وأينعت حتى أصبحت على مقربة من ضفة وادي “نفيس” توأم وادي تانسيفت من جهة منطقة “أسني” بإقليم الحوز.

وكما يؤكد كمال بن الحاج، تستطيع مدينة مراكش الآن التأكيد على أنها المدينة الجامعة لجميع أنماط الحدائق المعروفة في المملكة منذ القرن الـ12، وخير مثال على ذلك حدائق أكدال والمنارة، وتذكر المصادر التاريخية أن الحدائق في مدينة جامع الفنا تم تطويرها بشكل كبير بعدما كان الإهمال قد طالها ردحا من الزمن، لكن عمدة المدينة ومصالحها البلدية عملا على إعادة الاهتمام بها والعناية بأشجارها ونخيلها وورودها وأزهارها، وخصصا لها طاقما من المهندسين البستانيين وأعوانهم المساعدين، يعملون صباحا مساء على العناية بتلك الحدائق والمنتزهات.

كل المساحات تجعل من مدينة مراكش الحمراء مساحة بيئية خضراء، تمنح لسكانها البشوشين الكرماء أجواء نقية ونظيفة حددت نسبتها بـ11 متر مربع مساحة خضراء لكل نسمة، في حين تؤكد المصادر أن نسبة المساحات الخضراء المعترف بها عالميا هي 10 أمتار مربعة لكل نسمة، ولذلك تميزت مراكش برحابة مجالها البيئي وتنوع مرافقها الطبيعية وسط مدينتين تربطهما المساحات الخضراء، فهناك المدينة القديمة المحاطة بالأسوار وهناك المدينة الجديدة.

وتشكل هذه المنتزهات والحدائق مجالا ملائما لرياضة المشي وركوب الدراجات الهوائية وعربات الكوتشي التي تجرها الخيول وفق التقاليد المراكشية التي تغري زائريها بالاستقرار الدائم في مدينة أيكولوجية يحلو فيها العيش.

20