"الحاج قاسم" زائر محبوب في تونس بموسم الربيع

السلطات قامت بوضع أعشاش اصطناعية لطيور اللقلق فوق أعمدة الكهرباء لحماية الطيور من الصعقات الكهربائية.
الجمعة 2024/04/12
الفأل الحسن
 

ارتبط طائر اللقلق الذي يطلق عليه التونسيون اسم "الحاج قاسم" و"بلارج" بالتراث الثقافي والقصص الشعبية، ويرمز إلى حلول فصل الربيع والفأل الحسن والخير الوفير.

تونس – يقف زوجان من طيور اللقلق بسيقانهما الطويلة ومنقاريهما البارزين، وسط عش على قمة عمود كهربائي، في مشهد يكرر نفسه كل عام بحلول فصل الربيع على طول الطريق المؤدي الى بلدات الشمال الغربي في تونس.

تحط الطيور الكبيرة فوق أعشاشها بعد أن كانت قطعت آلاف الكيلومترات قادمة من المناطق الدافئة بأفريقيا جنوب الصحراء. وتعود أولا الذكور البالغة في الربيع قبل المبيت الشتوي وتستخدم الأعشاش نفسها كل عام.

يقول خبراء الطبيعة إن الذكر يأتي أولا لتجديد العش وتهذيبه وإعداده لفترة حضانة البيض، ثم تلحق الإناث بعد أسبوعين. ولا يغير الذكر شريكته إلا في حالة موتها. وتبيض الأنثى بين 2 و4 بيضات عادة، ويعيش منها طائران إثنان غالبا.

ارتبط الطائر بالتراث الثقافي والقصص الشعبية إذ ينظر له في اليونان القديمة كرمز لبر الوالدين ويعتقد الألمان والهولنديون أنه جالب للحظ ويجلبه الألمان لحديثي الولادة فيما يعتقد الأورانيون (سكان هولندا) والبولنديون أنه جالب للسعادة والوئام للعائلات.

وفي المناطق الريفية بتونس يستبشر السكان والمزارعون بعودة اللقالق في الربيع ويتبركون بها كعلامة دالة على وفرة المحاصيل في موسم الحصاد، لذلك يحافظون على أعشاشها من الإتلاف ويحرصون على حمايتها. كما تحظر السلطات صيدها.

ويطلق السكان المحليون على طائر اللقلق الأبيض تسمية “الحاج قاسم” أو “البلارج” ويعد رمزا لفصل الربيع وجالبا للحظ.

yy

وتقول امرأة مسنة لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) بينما تطبخ الرغيف وتبيعه على قارعة طريق يشق مزارع مترامية في باجة “نفرح لعودته (اللقلق). فقدومه يمثل فأل خير لنا. نتطلع هذا العام لمكاسب وافرة. فالأمطار تهاطلت بغزارة في فصل الشتاء عكس الأعوام الماضية والمزارع خضراء”.

وتتخذ السلطات المحلية في باجة شمال غرب تونس اللقلق شعارا للمدينة. ويوجد في مدخل المدينة مجسم تذكاري له كما تنتشر أعشاشه فوق البنايات وعلى المآذن وأعمدة شبكات التيار الكهربائي وفوق أشهر كنيسة في المدينة.

واللقلق الأبيض طائر ضخم أغلب ريشه أبيض اللون مع بعض السواد في الجناحين وله ساقين طويلتين حمراوين ومنقار أحمر اللون، طويل ومستقيم. وهو مهاجر معشش في تونس ويتكاثر خاصة في شمال البلاد لكن هناك بعض الأزواج المعششة في مناطق بسوسة شرق تونس والقيروان في الوسط.

وفي العادة تقضي اللقالق المعششة في تونس فصل الشتاء في أفريقيا جنوب الصحراء لكن هناك بعض المجموعات القادمة من أوروبا تقضي أحيانا فصل الشتاء في تونس أو تعبر البلاد خلال هجرتها السنوية بين أوروبا وأفريقيا.

تعمل “جمعية أحباء الطيور” على حفظ اللقلق الأبيض يمتابعة وضعيته في تونس وجمع البيانات حول هجرة اللقالق التي تحمل أجهزة تعقب، إضافة إلى التدخل لإنقاذ الطيور المهددة والتي تحتاج إلى المساعدة.

تفضل طيور اللقلق بشكل خاص بناء أعشاشها فوق أعمدة الكهرباء لتفادي الاحتكاك مع البشر. غير أن شبكات التيار الكهرباء أصبحت تشكل خطرا مميتا لها ولفراخها. وتسببت صدمات كهربائية متكررة في نفوق الكثير من الطيور.

ee

وقال عبداللطيف حاج علي مسؤول السلامة والبيئة بشركة الكهرباء والغاز لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) إنه” أثناء موسم الهجرة غالبا ما تصطدم الطيور بشبكات الكهرباء. لأن الطيور لا ترى التفاصيل بشكل كامل”.

وتقول الشركة إن خمسة بالمئة من انقطاعات الكهرباء تنجم عن حوادث اصطدام الطيور بالأعمدة. ووفق بيانات لجميعة “أحباء الطيور” الناشطة في مجال حماية البيئة، فإن كل كيلومتر واحد من خطوط الكهرباء تتسبب في نفوق ثلاثة طيور سنويا.

وقال هشام الزفزاف المنسق العلمي في الجمعية “علينا أن نعمل على الحد من هذا الإشكال باعتبار أن وجود الطيور وتنوعها مهم للتوازن البيئي وحياة الانسان”.

وقامت السلطات بوضع اعشاش اصطناعية فوق الأعمدة دون أن تكون ملاصقة لكابلات الشبكة لحماية الطيور من الصعقات الكهربائية. وتقوم شركة الكهرباء بتوضيبها أثناء أعمال الصيانة قبيل موسم عودة اللقالق.

وفرت هذه الأعشاش الاصطناعية أماكن تعشيش لطيور اللقلق بعدة مناطق. وحتى 2022 قدر أعداد اللقالق المعششة بأكثر من ألف زوج في تونس.

وقال حاج علي “إذا لم نضع أعشاشا اصطناعية فإن الطيور ستبني أعشاشا عشوائية وهذا سيعرضها لخطر النفوق والتسبب في انقطاعات للكهرباء”.

لكن بخلاف خطر شبكة الكهرباء تواجه الطيور مخاطر أخرى مثل الصيد غير المرخص وتلوث البيئة والتغير المناخي.

وخلال القرن الماضي تضاءلت أعداد اللقلق الأبيض بشكل كبير في تونس بسبب فقدان عدة مناطق رطبة وأماكن تعشيش هذا الطائر مثل الأشجار الكبيرة الميتة والأسطح المكسوة بالقرميد. وتم تصنيفها من الأنواع المهددة بالانقراض من قبل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة عام 1988.

ee

وضاعف التغير المناخي ومواسم الجفاف في تونس في العقد الثاني من الألفية من تدهور البيئة المهيأة لحياة اللقالق.

وأحصت منظمة “أحباء الطيور” 74 نوعا من الطيور المعششة في تونس على القائمة الحمراء، من بين قرابة 191 صنفا من الطيور المتواجدة في البلاد.

وبحسب دراسة لوزارة البيئة فإن هناك 10 أصناف لم تعد بالفعل موجودة في تونس بينما يتهدد خطر الانقراض 22 صنفا آخر من الطيور.

وقالت راضية الوحيشي الناشطة البيئية في “شبكة أطفال الأرض”، “تملك الطيور ساعة طبيعية وهي تدرك توقيت ارتفاع درجات الحرارة فتهاجر من مكان إلى مكان آخر وعند انخفاض درجات الحرارة تفعل نفس الشيء”. وتضيف الوحيشي “ينظر العلماء اليوم بقلق كبير إلى اضطراب هجرة الطيور لارتباطها بالمناخ والغذاء والتوازن البيولوجي للطبيعة”.

ويقول خبراء إن أعدادا كبيرة من طائر اللقلق توقفت عن الهجرة بسبب ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض.

18