الجيل الشاب في المغرب لا يهتم لقيمة "الذهب السائل"

يُعتبر زيت الأرغان الشهير ذهبا سائلا في المغرب لقيمته الغذائية والعلاجية وحتى التجميلية، ورغم إقبال العالم عليه إلا أن الجيل الشاب من المغاربة لا يقبل على العمل في صناعته، وبقيت أجيال مسنة من الحرفيات اللاتي يعملن في استخراج زيت شجرة الأرغان التي لا يوجد لها نظير في العالم ما يهدد هذه المهارة المتوارثة منذ زمن بالاندثار.
الصويرة (المغرب) – تجلس مجموعة نساء من جنوب غرب المغرب على الأرض لاستخراج اللب من ثمار بهدف تصنيع زيت الأرغان الشهير الذي يرتفع الطلب عليه بقوة حول العالم، غير أن هذه المهارة المتوارثة منذ زمن بعيد تواجه خطر الزوال بفعل تراجع الإقبال من الأجيال الشابة والجفاف.
في تعاونية مرجانة الواقعة على بعد حوالي خمسة عشر كيلومترا من مدينة الصويرة الساحلية تنكب تلك الحرفيات باهتمام على إنجاز هذه المهمة، على مرأى من السياح.
وشجرة الأرغان شجرة معمرة يمكن أن تعيش 200 عام ويصل ارتفاعها إلى عشرة أمتار أحيانا، وتتحمل درجات حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية.
ويقول خبراء إنه لا يوجد لها نظير في العالم سوى شجرة شبيهة في مناطق بالمكسيك لكنها لا تطرح ثمارا. وثمار شجرة الأرغان التي تنمو بكثرة في جنوب غرب المغرب بحجم ثمار الجوز وهي تتكون من قشرة ليفية خارجية تحيط بنواة صلبة.
ويُستخرج زيت الأرغان الذي يحظى بشهرة عالمية كبيرة من ثمار هذه الشجرة، وله استخدامات متعددة وخاصة في الطب التقليدي والتكميلي وفي صناعات الأغذية ومستحضرات التجميل.
بخطوات بطيئة، تعمد النساء، ومعظمهن في الستينات من العمر، إلى سحق الحبوب الصلبة بحصى اخترنه مسبقا، وأحيانا بمطرقة لاستخراج حبات اللوز قبل الفرز والتحميص والطحن ثم العصر.
تقول سميرة شاري البالغة 42 عاما، وهي أصغر النساء في هذه التعاونية التي تنتج ما يصل إلى ألف لتر من الزيت سنويا “هذا عمل شاق يتطلب الخبرة والكثير من الصبر”.
وتبدي آمال الهنتاتي، مؤسسة هذه التعاونية التي انطلقت سنة 2005 وتضم 80 موظفة، أسفها لأن الأجيال الشابة تُحجم عن ممارسة هذه المهنة، مبدية قلقها من أن “تزول هذه الحرفة يوما ما”، غير أن هذا النشاط يشكل، مع السياحة، مصدر الدخل الرئيسي للسكان البالغ عددهم 78 ألفا في الصويرة، المعروفة بحقولها الشاسعة من الأرغان، وهي من النباتات القليلة القادرة على تحمل المناخ شبه الصحراوي في المنطقة.
وتُنتج تعاونيات عدة تنتشر على مساحة تقرب من عشرين كيلومترا هذا الزيت الثمين الذي حصل سنة 2010 على حماية قانونية بموجب “علامة جغرافية محمية”.
وتنتشر أشجار الأرغان خاصة على الساحل الجنوبي للمغرب بين منطقتي الصويرة وأغادير على ساحل الأطلسي، وتغطي ما يزيد على 830 ألف هكتار.
وأدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عام 2014 على قائمة التراث الإنساني، كما خصصت في 2021 يوم العاشر من مايو من كل عام يوما عالميا للاحتفال بها.
مع ذلك، لا يبدو الجيل الشاب مهتما بالاستمرار في ممارسة هذا النشاط الحرفي.
تقول آسيا شاكر البالغة 25 عاما، وهي مستشارة مبيعات منذ ثلاث سنوات، “لقد حاولت العمل بضعة أيام مع الحرفيات لكنني لم أستطع الاستمرار. إنه مسار صعب ومضنٍ”.
وبعد سنوات من البطالة، اتجهت هذه الشابة الحاصلة على الإجازة من الجامعة، إلى هذا القطاع لكن “دون حماسة”، مضيفة “أفضل التواصل مع الناس والتحدث بلغات أخرى، بما أن متجرنا يستقبل يوميا سياحا، بدل تمضية اليوم بأكمله في طحن ثمار الأرغان”.
وتقول “على أي حال، لن يبقى يوما سوى الآلات لإنجاز هذا العمل”، غير أن مديرتها في العمل آمال الهنتاتي لا تشاطرها الرأي، إذ تؤكد أن “الزيت المصنوع بواسطة الآلات لن يكون له يوما المذاق الخاص الذي يتمتع به ذلك الذي تنتجه تلك الحرفيات، فهو يحمل هذه الشحنات الإيجابية وضحكاتهنّ وقصصهن التي يتشاركنها خلال العمل، وهي روحية تجعل هذا الزيت خاصا وفريدا”.
ويبدو ذلك واضحا حتى بالنسبة إلى الفارق بين سعر الزيت المعصور بالطرق الحديثة وذلك المعصور بالطرق التقليدية.
ووصل سعر زيت الأرغان الذي يشتهر به المغرب إلى 600 درهم للتر (نحو 55 دولارا)، وهو مستوى غير مسبوق لسعر هذا الزيت الذي يشتهر باسم “الذهب السائل”. ويتراوح سعر اللتر المعصور عن طريق الآلات بين 450 و550 درهما.
وتؤكد سميرة خلال طحنها حبات لوز الأرغان في وعاء فخاري “لم أعرف في حياتي سوى زيت الأرغان. هو أمر ضروري بالنسبة إلي مثل الأكسجين أو الماء”.
هذه الحرفية التي تعمل عشر ساعات يوميا لم ترتد يوما المدرسة. وتستعين هذه المرأة المطلقة منذ عشر سنوات بإيرادات عملها لإعالة أطفالها بمفردها.
وتتقن سميرة فن صنع زيت الأرغان منذ طفولتها، في مهارة متوارثة عبر الأجيال في عائلتها، غير أن أطفالها لن يكملوا المسيرة بعدها، إذ تشير سميرة إلى أن لديهم “طموحات أخرى”، مبدية تفهما لرغبتهم في إكمال دراستهم.
ويقول خبراء إن الجفاف الذي توالى على المغرب في السنوات الأخيرة، خاصة العامين الماضيين، أثر بشكل كبير على إنتاج زيت الأرغان لأن وفرة إنتاجه ترتبط بالسنوات المطيرة.
يقول يوسف، صاحب تعاونية لبيع زيت الأرغان في الصويرة، “القطاع يعاني صعوبات جمة، لقد بدأت مع والدي في الاشتغال في هذا القطاع منذ تسعينات القرن الماضي كانت الأمور أفضل، كانت الثمار موجودة ورخيصة، وكان الزيت بأسعار معقولة والإقبال كبير من المغاربة”.
ويضيف “لا نجد الثمار الكافية لعصرها وإن وجدت فقد ارتفع ثمنها بشكل كبير، ويجب عصر أكثر من كيلوغرامين للحصول على اللتر الواحد، وفي النهاية يجد الزبون السعر مرتفعا، فلا يشتري ولا نبيع الكثير”.
كما يعاني القطاع من الاحتكار والمضاربة، لاسيما بعد اهتمام شركات عالمية بهذا المنتج المغربي، واكتشاف خصائصه الغذائية والعلاجية والتجميلية.
وفي مواجهة المخاطر المرتبطة بالتغير المناخي حاولت السلطات زيادة الخطوات الداعمة للقطاع خلال العقد الأخير، خصوصا من خلال بناء 13 خزانا لجمع مياه الأمطار.
وبهدف تحويل هذه الزراعة التقليدية إلى قطاع عصري ومربح وذي قيمة مضافة عالية، أدرج المغرب الأرغان في إستراتيجيته الزراعية لسنة 2030.
وتلحظ الإستراتيجية مضاعفة الإنتاج مع التشجيع على ظهور جيل جديد من الطبقة الوسطى للمزارعين.
