الجيل الأدبي الجديد أكثر انفتاحا وجرأة ممن سبقوه

الروائية البحرينية غدير تصدر رواية الجديدة تحمل عنوان "ضجيج اقتطاف وردة" اقتنصت صورها من واقع الحياة الشبيه بالخيال.
الأربعاء 2018/05/23
الرومانسية ليست حكرا على النساء

صدرت مؤخرا عن دار فراديس البحرينية رواية “ضجيج اقتطاف وردة” للروائية البحرينية غدير محمد (مواليد البحرين 1991)، وتأتي هذه الرواية بعد روايتي “أنوار الهداية” 2012، و”قدري الرحيل” 2016. وهي تعمل حاليا على نص روائي جديد.

تدور أحداث رواية “ضجيج اقتطاف وردة” في زمننا الحالي، مقتنصة صورها من واقع الحياة الشبيه بالخيال. حيث يتشكل الفضاء السردي القصير حول عالم العلاقات الإنسانية المختلفة، وانسجامها وتنافرها، ومشاعر الحب والبغض، والصداقة والانفصال. ففي الرواية نعيش مع الشخوص مراحل تطورها، من المراهقة إلى النضج، مع ما فيها من صور من الواقع هي أقرب إلى المتخيل السردي لحياة فتاة مراهقة تواجه نكستها الشخصية حين يغدر بها حبيبها.

 

لكل جيل أدبي ما يؤرقه ويشغله ويدفعه للكتابة، محاولا تقديم نفسه لقرائه بصورة تناسب وعيه وأسئلته الثقافية والأدبية التي تتراوح بين البساطة والعمق. لهذا نواجه طيفا من الروائيين الجدد مهمومين بما يدور حولهم من حيوات يرغبون في اقتناصها وإعادة سردها للقرّاء مهتمين بالقضايا التي تعنيهم على اختلاف وعيهم بها. “العرب” توقفت مع الروائية البحرينية الشابة غدير محمد للحديث معها عن روايتها الجديدة وعن قضايا ثقافية أخرى.

شخصيات من الحياة

تقول غدير محمد متحدثة عن الرواية “في هذه الرواية شخصيات من وحي الحياة، فيها الصالح والفاسد، الطيب والخبيث، وكل المشاعر التي تصحب هذه الشخوص، ببعدها الإنساني الذي يخطئ ويصيب. هي محاولة لمحاكاة الواقع بشكل مشوق وممتع”.

تأخذ رواية “ضجيج اقتطاف وردة” معالم القصة القصيرة أكثر من ملامح الرواية، حيث المرور العابر على أبعاد الشخصيات دون التعمق في البعد النفسي والوجودي لكل واحدة منها. وتوضح ضيفتنا أنها تعمّدت ذلك حيث أرادت لشخصياتها أن تكون بسيطة وغير معقدة، وتعلل ذلك بكونها تشبه إلى حد التطابق شخصيات حياتنا التي نمر بها كل يوم.

تقول “لعل القارئ يسقط من شخوص الرواية على من يراهم حوله هنا وهناك، ويحتك بهم في مسيرة حياته المتشعبة والمتسارعة، وبخاصة في زماننا الحاضر، الذي يفرض علينا الخطوة السريعة والجري في الكثير من الأحيان، من أجل اللحاق به، ونيل ما نطلبه ونتمناه فيه. من جانب آخر فإنني أريد أن أترك للقارئ هامشا من الحرية للتفكير في الشخصيات ومكنوناتها الأصيلة وبواعثها، وليكون شريكا فاعلا في النص، وحتى لا يفقد المتعة والتشويق أثناء الغوص مع الشخصيات في الأحداث”.

تتفق ضيفتنا إلى حد كبير مع الرأي القائل بأن معظم الروائيات العربيات تجنح للسرد الرومانسي، حيث تتشابه من خلاله أدواتهن السردية. وتقول موضحة “نظرا إلى ما تتمتع به المرأة/ الأنثى من عاطفة جياشة ومشاعر رومانسية تتفوق بها على رفيقها في هذه الحياة؛ الرجل. كما أن المرأة/ الأنثى تحاول الحديث باسم بنات جنسها، والدفاع عنهن، وتأكيد دورهن في الحياة، في ظل هيمنة ذكورية على الساحة الثقافية، من وجهة نظر إحصائية، لا أكثر ولا أقل، وليس نزعة تعصب ضد الجنس الآخر. لذلك يكون السرد لدى الكاتبات عاطفيا رومانسيا بصورة مضاعفة”.

وتستدرك الكاتبة “لكن، في المقابل، نجد الرومانسية العاطفية في الكتابة الذكورية أيضا، ولعل بعضها يجنح إلى العاطفة بصورة أكبر بكثير من الكتابة النسائية – إن صح التعبير– لأنني أرى أن العاطفة هي ما يجعل للأحداث الروائية مذاقا مستساغا مقبولا، وليس أكثر دلالة على ذلك من الروايات ذات الطابع التاريخي، والتي لا تجد طريقها إلى التذوق الأدبي دون التحليق في فضاء المشاعر والعواطف بين شخوصها”.

تهتم كاتبتنا بقضايا حقوق المرأة في الكثير من كتاباتها لكنها لا تتعمّد الكتابة في هذه القضايا بشكل يفقد النص الأدبي جانبه الفني المطلوب. فهي لا تتقصّد الخوض مباشرة في قضايا حقوق المرأة، وفي قضايا الظلم الذي يمارسه البعض عليها ظنا منهم -حسب تعبيرها- أنه إتباع لدين أو أيديولوجيا أو عادات أو تقاليد.

في البحرين حركة أدبية نشطة بشكل عام وسردية بشكل خاص، يشارك فيها الجيل الجديد بكل قوة ونشاط

وترى أن كثيرا من الممارسات تتعارض مع الغايات الكبرى لهذه الأصول. تقول “أنا أطرح في النصوص التي أكتبها رؤيتي للبعد الإنساني، وأترك لكل مطلع على النص أن يؤوله كيفما يشاء، وفي الغالب تصل الأفكار التي أضمنها نصوصي إلى العقول والأذهان بصورة سلسلة”.

التجارب الجديدة

في سؤال عن القضايا الثقافية والفكرية والحياتية التي تشغل جيلها الأدبي. تجيب محمد “لجيلنا الكثير من الأفكار والتطلعات والآمال التي تملأ عليه عقله وتشغل قلبه. فإلى جانب مواضيع العاطفة والحب التي تشغل جميع الأجيال، بكل امتداداتها، يتحدث جيلي بلسان عصره المتسارع، بين التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي، والعالم الذي قيل إنه صار قرية واحدة، بكل مشاكله وآلامه وصراعاته ومرارته، والتي يراها في كثير من الأحيان غير مبررة ولا مفهومة. لكن ما يميز جيلي أنه صار أكثر انفتاحا على العالم من حوله، يشعر بما حوله بنفسه، ويفكر باستقلالية، ويطلق أحكامه بكثير من التجرد، وكذلك بكثير من الجرأة، على عكس أجيال سابقة ارتبطت بأفكار تتعصب لها وإن خالفتها في دواخل نفسها”.

وترى غدير محمد أن “الكثير من الكتّاب الجدد من الجيل الشاب يكتبون في القضايا التي يشعرون بها، كقضايا الوطن والأمة والحرية والعدالة والإنسانية. وتكفي مطالعة الأعمال الأدبية التي تترشح للجوائز المختلفة محليا وإقليميا وعالميا للانبهار بكم الحس الإنساني العالي الذي يتميز به الجيل الجديد من الأدباء. قد يرى البعض أن الكتابات تمتاز بالتجارب البسيطة لكاتبها، لكنها لا تخلو من إسقاطات على واقع أكثر اتساعا، ولنا في تجارب الكتاب الكبار الذين كتبوا عن همومهم اليومية والحياتية البسيطة أبرز مثال على أهمية ذلك، ولكن كتاباتهم كانت جزءا من الدفاع عن قضايا كبرى لا يشكك أحد في قيمتها على مستوى الوطن والأمة”.

وعن قراءتها الشخصية للمشهد السردي الشبابي المعاصر في البحرين تختتم الكاتبة حديثها بالقول “في البحرين حركة أدبية نشطة بشكل عام، وسردية بشكل خاص، يشارك فيها الجيل الجديد بكل قوة ونشاط. كما أن عددا من التجارب تنطلق في المسار الصحيح نحو النضج الأدبي”.

وتضيف “هناك الكثير من التجارب التي بلغت مستوى متقدما واحترافيا، وهناك تجارب تصل إلى المنافسة مع التجارب المشابهة في الخليج والعالم العربي، لعل آخرها فوز الكاتبة شيماء الوطني هذا العام بجائزة الشارقة الثقافية للمرأة الخليجية، وقبلها منيرة سوار قبل عدة أعوام بجائزة خليجية أخرى”.

15