الجوع حقيقة جاثمة على الفقراء في نيجيريا

لاغوس (نيجيريا) - تناولت بولا أديشيان الطعام آخر مرة قبل 16 ساعة. وهي جائعة. وتركت شقتها الصغيرة المكونة من غرفة نوم واحدة وقررت أن تتجول في الشوارع الصاخبة في حيها في لاغوس (العاصمة نيجيريا التجارية) حتى تنسى ألم معدتها.
وشربت المرأة البالغة من العمر 55 عاما القليل من الماء عند عودتها، في انتظار جمع بقايا الفاصوليا والخبز غير المباع من أحد الباعة بالدين في وقت لاحق من اليوم. وستشارك الوجبة مع أحفادها الثلاثة (دارا وأينكي وأوبا) الذين لم يأكلوا أيضا منذ أن تقاسموا خمسة قطع بسكويت في الصباح. وهم يعيشون مع أمهم إستير في شقة بغرفة نوم واحدة.
وتكسب أديشيان 10 آلاف نايرا (6.49 دولار) في الأسبوع من عملها طاهية. لكن هذا لا يكفي لتغطية بقالة عائلتها الأسبوعية. وقالت أديشيان “لا أتذكر آخر مرة تناولنا فيها العشاء في هذا المنزل هذا العام. نعتبر الأمر جيدا إذا كان بإمكاننا الحصول على وجبة الكسافا يوميا”.
وتبقى عائلة أديشيان من بين ملايين الأسر التي تنام جائعة في نيجيريا بينما تواجه البلاد أسوأ تضخم شهدته، نتيجة الإصلاحات الاقتصادية الشاملة التي تسببت في ارتفاع الأسعار في أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان. وألغى الرئيس بولا تينوبو دعم الوقود والكهرباء وخفض قيمة النايرا مقابل الدولار لجذب الاستثمارات وتوفير المال لمشاريع البنية التحتية بعد توليه منصبه في مايو 2023.
وتضاعفت أسعار البنزين ثلاث مرات، وانهارت النايرا مقابل الدولار، وارتفعت أسعار المواد الغذائية. وأجبر هذا تينوبو على اعتماد احتياطيات الحبوب الوطنية في محاولة منه للسيطرة على الوضع من خلال تقديم المواد الغذائية المجانية للأسر الجائعة.
وأصبحت المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والفاصوليا والخبز سلعا فاخرة اليوم. وأشعلت المصاعب الاقتصادية احتجاجات في جميع أنحاء البلاد هذا الشهر. وأكدت منظمة العفو الدولية مقتل ما لا يقل عن 22 شخصا في اشتباكات مع الشرطة.
وقالت إستر، إنها تنفق نصف الـ60 ألف نايرا التي تكسبها شهريا من تنظيف حمامات مدرسة بضاحية ليكي الغنية على تكاليف النقل التي تضاعفت ثلاث مرات منذ ارتفاع أسعار البنزين من 165 نايرا للتر إلى 600 نايرا بعد خفض الدعم. وتنفق الباقي على طعام أطفالها. لكن هذا لا يكفي.
كما لم تتمكن أديشيان من دفع فواتير الكهرباء حيث تضاعفت التعريفات ثلاث مرات. وقالت وهي تجلس في شقتها المظلمة "بعد شراء علبة أرز وعلبة فاصوليا وبعض الطماطم، يصبح علينا شراء الغاز لطهيها. إننا بحاجة إلى تناول الطعام أولا قبل أن نتمكن من دفع ثمن الكهرباء".
تفاقمت الأزمة الناتجة عن الإصلاحات الاقتصادية بسبب الهجمات المستمرة التي تشنها العصابات المسلحة على المزارع في الولايات الشمالية المنتجة للغذاء، بينما دمرت كوارث الفيضانات والجفاف المرتبطة بتغير المناخ المحاصيل في مناطق أخرى، مما رفع الأسعار وجوّع الملايين.
وقال ديفيد ستيفنسون، ممثل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في نيجيريا، إن “تأثير الإصلاحات الاقتصادية كان كبيرا على قدرة الأشخاص ذوي الدخل المنخفض على الحصول على الغذاء الكافي. ويواجه الناس أسعارا لم أشهدها من قبل في السوق”.
وأضاف ستيفنسون أن 55 مليون شخص يواجهون مستويات أزمة الأمن الغذائي في غرب إفريقيا هذا العام، ومنهم 32 مليون شخص في نيجيريا وحدها، بينما لم يكن عدد هؤلاء يتجاوز 25 مليونا سنة 2023.
وقال إن “التضخم الوطني في سلة الغذاء في نيجيريا يبلغ 40 في المئة سنويا. ويعد هذا الأعلى منذ 30 سنة على الأقل، وهو أعلى تضخم غذائي في أفريقيا اليوم”. ودعا المتظاهرون، خلال الاحتجاجات هذا الشهر، تينوبو إلى إعادة دعم البنزين والكهرباء. لكنه حث المحتجين على الصبر وانتظار ثمار إصلاحاته.
وقال في 4 أغسطس إن الحكومة تكثف الإنفاق على مشاريع البنية التحتية، وإنها أطلقت خطة قروض لطلاب الجامعات، وتبني آلاف الوحدات السكنية في 36 ولاية.
ولم تنضم أديشيان إلى الاحتجاجات في لاغوس لأنها كانت تخشى من العنف. لكن العديد من جيرانها شاركوا فيها. وقالت “يشكون مثلي من شح الطعام. ويمكنك أن تقول إننا فقدنا الأمل”. وأشارت إلى أكشاك الطعام الفارغة على جانبي شارعها.
ولا يتوقع أحفادها ثلاث وجبات في اليوم. ويبكي الأطفال مطالبين بتناول اللحم ويرفضون أكل جلد البقر المدخن الأرخص الذي تقدمه مع الأرز يوم الأحد. وتشعر أديشيان بأنها عاجزة عن التخفيف عنهم. وقالت "أقول لهم إن نيجيريا لم تعد كما كانت من قبل. وأخبرهم أنهم محظوظون بتناولهم وجبة واحدة".