الجهاديون والسلطة يضيقون الخناق على الصحافيين في الساحل الأفريقي

الصحافيون في منطقة الساحل يواجهون صعوبات متزايدة في تغطية الأزمات في المنطقة بحرية ولاسيما بعد سيطرة عسكريين على السلطة في بعض دولها.
الثلاثاء 2023/04/04
الصحافيون ضحايا الاعتقال والتهجير

دكار - لا يسير الإعلام في منطقة الساحل الأفريقي بعيدا عن الأوضاع العامة والتغيرات الحاصلة في المنطقة وإنما هو في قلب الصراع مشتتا بين التهديدات الجهادية وضغوط السلطة ونفوذ الجماعات الموالية للأطراف الخارجية.

وأفادت منظمة مراسلون بلا حدود في تقرير الاثنين أن الصحافيين في منطقة الساحل يواجهون صعوبات متزايدة في تغطية الأزمات في المنطقة بحرية ولاسيما بعد سيطرة عسكريين على السلطة في بعض دولها.

وحذرت المنظمة في تقريرها من أن شريط الساحل الذي يعبر القارة من غربها إلى شرقها قد يتحول إلى “أكبر منطقة خالية من الإعلام في قارة أفريقيا”.

وفي آخر مؤشر على تدهور هذا الوضع، طردت المجموعة العسكرية الحاكمة في بوركينا فاسو السبت مراسلتي صحيفتي “لوموند” و”ليبيراسيون” الفرنسيتين الكبريين، في خطوة جاءت بعد وضع مراسلون بلا حدود لتقريرها.

وقالت صحيفة “لوموند” على موقعها الإلكتروني إن “مراسلتنا في بوركينا فاسو صوفي دوس طُردت من البلاد في الوقت نفسه مع زميلتها من ليبراسيون أنييس فيفر”.

شريط الساحل الذي يعبر القارة من غربها إلى شرقها قد يتحول إلى أكبر منطقة خالية من الإعلام في قارة أفريقيا

فيما اعتبرت “ليبراسيون” أن “العقوبة جاءت وجلبت معها التأكيد بأن حرية الصحافة في بوركينا فاسو مهددة بشكل كبير”.

وأورد التقرير الذي يغطي بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد وكذلك شمال بنين حيث تخيم تحديات أمنية مماثلة، أن الصحافة المحلية والدولية تعاني من “تدهور متواصل” في ظروف عملها منذ عشر سنوات.

ويواجه الصحافيون أعمال العنف الذي يرتكبها الجهاديون والمجموعات المسلحة من جهة، ومن جهة أخرى القيود والضغوط وتدابير تتخذها السلطات في حقهم مثل تعليق تراخيص وسائل الإعلام وطرد مراسلين أجانب.

وأشارت المنظمة إلى الوطأة السلبية لنشاط مجموعة فاغنر الأمنية الروسية في مالي.

وذكر التقرير أن “خمسة صحافيين قتلوا وستة آخرين فقدوا بين 2013 و2023″، مشيرا إلى توقيف أو اعتقال نحو 120 صحافيا خلال الفترة ذاتها، بينهم 72 في تشاد وحدها.

كذلك أفاد عن هجمات شنها الجهاديون، وإغلاق الإذاعات المحلية التي تلقى متابعة كبيرة، لأنها لم تكن تتبنى فكرهم.

وشدد على أنه لم يعد بإمكان الصحافيين الوصول إلى مساحات واسعة من الأراضي بسبب الوضع الخطر فيها، كما أن احتمال التعرض لعمليات انتقامية سواء من المجموعات المسلحة أو من السلطات “يرهب” المصادر.

الصحافيون يواجه أعمال العنف الذي يرتكبها الجهاديون والمجموعات المسلحة من جهة، ومن جهة أخرى القيود والضغوط وتدابير تتخذها السلطات في حقهم

وفي مالي وبوركينا فاسو وتشاد، سعى العسكريون فور إمساكهم بالسلطة “للسيطرة على وسائل الإعلام من خلال الحظر أو القيود وصولا إلى هجمات واعتقالات تعسفية”.

وتعكس سياسة التصعيد من دول أفريقيا وخاصة بوركينا فاسو ضد الإعلام الفرنسي حالة التوتر في العلاقات بين البلدين.

ففي يناير الماضي أعلنت بوركينا فاسو فسخ اتفاق أُبرم في 2018 مرتبط بوضع القوات الفرنسية الموجودة على أراضيها، وطالبت باريس بسحب قواتها، وهو ما وافق عليه الجانب الفرنسي ليعلن سحب قواته خلال شهر، وهو ما تم بالفعل.

وذكرت منظمة مراسلون بلا حدود تعليق شبكة فرانس 24 التلفزيونية وإذاعة فرنسا الدولية (آر.إف.إي) في مالي وبوركينا فاسو. ومع طرد المراسلين الأجانب أو رحيلهم القسري لعدم حصولهم على التراخيص، أفسح المجال لـ”وسائل الإعلام المراعية للخطاب المؤيد لروسيا الذي يدافع عن وجود مرتزقة فاغنر في المنطقة”، ما ساهم في “فورة التضليل الإعلامي”.

وأورد التقرير أن الضغوط التي تمارس على الصحافة تحت شعار “معالجة وطنية” للأخبار تشجع “صحافة تمتثل للأوامر” والرقابة الذاتية حول مواضيع حساسة مثل وجود مجموعة فاغنر والخسائر الناتجة عن هجمات الجهاديين، كما أنها تؤجج المضايقات على الإنترنت بحق الأصوات المغايرة.

وكان فيدانت بانتيل النائب الأول للمتحدث باسم الخارجية الأميركية حذر في أكتوبر العام الماضي من “التأثير المزعزع للاستقرار للمعلومات المضللة الروسية”، مذكرا بأن الولايات المتحدة تحدثت أيضًا عن أنشطة مجموعة فاغنر على مستوى العالم.

Thumbnail

ويعمل نظام المعلومات المضللة والدعاية في الكرملين على تضخيم الروايات الموالية لروسيا لكسب ود الجماهير الأفريقية وحشد الدعم لخدمات مجموعة فاغنر في جميع أنحاء أفريقيا. وغالبا ما تُلاحظ هذه التكتيكات والأساليب في المناطق التي تشهد توترات سياسية وأمنية.

على سبيل المثال، تدعو العديد من الأصوات الأفريقية المرتبطة بشبكة رجل الأعمال صاحب النفوذ القوي يفغيني بريغوجين الخاضعة للعقوبات في أفريقيا إلى نفوذ روسي أكبر في منطقة الساحل.

وتزعم جهود بريغوجين في جميع أنحاء منطقة الساحل أنها تدعم المثل العليا لعموم أفريقيا، مثل المزيد من الأخوة والتعاون بين الشعوب المنحدرة من أصل أفريقي، ولكن في الواقع فإن هذا الجهد يدعم استغلال فاغنر بلا قيود للموارد الأفريقية، ولاسيما الذهب والماس والخشب.

ولفتت مراسلون بلا حدود من جهة أخرى إلى تدهور الوضع المالي لوسائل الإعلام بسبب الأزمة وقطع المساعدات الحكومية عنها.

غير أن التقرير أشار إلى بصيص أمل في هذه الصورة القاتمة، مع إقامة المنظمة نسختين مرآة عن موقعي فرانس 24 وإذاعة فرنسا الدولية حتى يبقى بإمكان المواطنين التقاطهما، وقيام وسائل مختلفة لجمع المعلومات وشراكات بين وسائل الإعلام وتطوير خدمة التثبت من صحة الأخبار.

7