الجمعيات الأهلية القبطية ترمم ما أفسده التطرف

الخميس 2017/09/21
الكنائس القبطية ما زالت تصر على وجودها ونشاطها رغم الإرهاب

القاهرة - الدور الأهلي للجمعيات الأهلية القبطية لا يعد أمرا غريبا على المجتمع المصري، فالتواجد بين الفئات المختلفة، بغض النظر عن الدين أو اللون أو الانتماء السياسي، كان حاضرا منذ القرن التاسع عشر، بعد أن تم تأسيس أول جمعية خيرية قبطية في العام 1881 تحت مسمى “جمعية المساعي الخيرية القبطية” التي وضع لبنتها بطرس غالي رئيس وزراء مصر الأسبق.

غير أن التغييرات المتلاحقة على المجتمع المصري واستغلال الدين لخدمة أغراض سياسية في العديد من العهود السياسية الماضية أحدثا شرخا في العلاقة بين المسلمين والأقباط بشكل عام، وانعكست آثاره على الأدوار المجتمعية لتلك الهيئات وعلى تعامل المواطنين معها، وأضحى تواجدها في بعض الأحيان غير مرغوب فيه من التنظيمات الإسلامية التي تغلغلت بكثافة داخل المجتمع المصري منذ سبعينات القرن الماضي.

الواضح أن تلك الجمعيات تقوم بأدوار تتخطى الدور المجتمعي الذي تأسست من أجله، فهي تحاول ترميم جدار المواطنة الذي تعرض لشروخ كبيرة على مدار السنوات الماضية، مستغلة الحالة السياسية القائمة والتي قلصت من تواجد الجماعات الإسلامية في القرى والنجوع، وتسعى إلى تكريس الدور المجتمعي للمزيد من انخراط الأقباط على مستوى الدولة، وعزل الهواجس التي تتردد بأنهم منغلقون على أنفسهم، فالانفتاح يمكن أن تترتب عليه ثمار متباينة، أهمها كسر حاجز العزلة.

كما أن تصفية الجمعيات الخيرية التابعة لجماعة الإخوان التي بدأت مع ترك الجماعة الحكم في عام 2013، سمحت للجمعيات القبطية بالتواجد بشكل أكبر، وامتد تأثير ذلك ليشمل جميع الجمعيات الخيرية الأخرى البعيدة عن استغلال خدماتها في المصالح السياسية وأفسحت الحكومة المصرية المجال أمام توغلها بشكل أكبر داخل المجتمع، للمزيد من الانخراط القبطي وعدم احتكار الجمعيات الإسلامية للعمل الأهلي.

على مدار السنوات الماضية لم تحظ الأدوار المجتمعية للهيئات القبطية بالتركيز الإعلامي عليها، إلا أن الرغبة الرسمية في التأكيد على احترامها لقيم المواطنة ومواجهة التنظيمات الإرهابية، أدت في النهاية إلى تسليط الأضواء عليها كعنصر فاعل في المجتمع.

الهيئات القبطية تسعى لإذابة الفوارق بين أصحاب الديانات داخل المناطق الشعبية التي سيطرت عليها التنظيمات الإسلامية

الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية التابعة للكنيسة الإنجيلية بمصر أطلقت مبادرة مجتمعية مؤخرا لتشجيع الشباب على إقامة المشروعات الصغيرة، ونجحت في الوصول إلى قرابة المليون شاب وفتاة من خلال تواصلهم مع الهيئة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي للتعرف على شروط المبادرة.

وتقدم الهيئة الإنجيلية بمفردها خدمات مجتمعية وإنسانية إلى قرابة ثلاثة ملايين مصـري سنـويا، عبـر وصولهـا إلى الفقـراء في مناطـق وقـرى فقيـرة في محافظـات مصرية مختلفة، دون النظر إلى الدين أو العقيدة.

القس نادي لبيب، راعي الكنيسة الإنجيلية بالمقطم في القاهرة، وعضو الهيئة القبطية الإنجيلية، قال لـ“العرب” إن المشروعات الخدمية للهيئة تسعى لإذابة الفوارق بين أصحاب الديانات المختلفة تحديدا داخل المناطق الشعبية التي سيطرت عليها التنظيمات الإسلامية المتشددة منذ فترات طويلة، وأدت أيضا إلى وجود عناصر مسيحية متطرفة ترفض الآخر.

وأوضح أن الهيئة تواجه رفضا من قبل بعض المتعصبين من الجانبين، وتعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تروج لها المجموعات المسيطرة على عقول المواطنين في تلك الأماكن.

ولفت لبيب إلى وجود تنسيق متزايد بين الهيئة، باعتبارها ممثلة عن إحدى الطوائف المسيحية المصرية، والدولة بصفتها الرسمية، وهذا يعود إلى احتياج الدولة المصرية للقضاء على المشكلات المجتمعية والاقتصادية، بالإضافة إلى اعتبار هذا الدور إحدى دروع مجابهة الإرهاب.

منذ تأسيس الهيئة في العام 1950 قدمت قروضا لأكثر من 320 ألف شاب وفتاة، بقيمة تتجاوز المليار ونصف المليار جنيه (83 مليون دولار تقريبا)، وركزت أغلب مشروعاتها في البداية على محو أمية الكبار، قبل أن تتوسع في ميادين التنمية الاقتصادية، والزراعية، والبيئية، وفي العناية الصحية والتعليم.

تنتشر في مصر العديد من الجمعيات الأهلية القبطية المشهرة، منها ما تهتم بتقديم خدمات للمسحيين فقط، والبعض الآخر يقدم خدماته لكل المصريين، وتعتمد تلك الجمعيات والمؤسسات الخيرية على التبرعات من الأقباط والتمويلات التي تتلقاها من الجمعيات والمؤسسات الكنسية الدولية، ويتم ذلك عبر وزارة التضامن الاجتماعي المختصة بالرقابة على أنشطتها.

لدى الكنيسة الأرثوذكسية (الأكبر في مصر) الكثير من الجمعيات الخيرية التابعة لها منها: الجمعية الخيرية القبطية، وجمعية التوفيق القبطية، وجمعية النشأة القبطية، وجامعة المحبة، وجمعية ملجأ الأيتام.

كما أن الكنيسة الكاثوليكية لديها بعض الجمعيات الأهلية التابعة لها، مثل: جمعية الصعيد للتربية والتنمية، وجمعية السنابل، وجمعية “كاريتاس- مصر” المنتسبة لكاريتاس الدولية التي تضم 162 فرعا منتشرة في العالم أجمع منها 16 في الدول العربية ومقرها الرئيسي في روما. وترى قيادات كنسية أن غالبية الأنشطة التي تقوم بها تلك الجمعيات ترتبط بإنشاء المدارس والمستشفيات، فضلا عن إقامة بيوت المغتربين والمغتربات، والمشروعات الصغيرة وخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة.

التوسع في الجمعيات الأهلية والتي تتبع مؤسسات دينية رسمية سواء إسلامية أو مسيحية يعد أمرا ملحا لتعويض الفراغ الذي تركته نظيراتها التابعة لجماعة الإخوان والتي تم حلها، غير أن ذلك مرتبط بعدم استغلال الدين لخدمة مشروعات سياسية، لأن العديد من التمويلات التي تأتي من الخارج لتلك الجمعيات يجري استغلالها في بعض الأحيان بشكل سياسي.

ويرى باحثون في الوسط القبطي أن الفيصل في ذلك الأمر يكون من خلال رقابة الحكومة المصرية على تلك الجمعيات، سواء التابعة للأزهر أو الكنيسة، بجانب تقديم الدولة بعض المنح للجمعيات الصغيرة التي تخشى تطويع أهدافها لخدمة الجهات المناحة لها، وتضعها تحت رقابة قوية ما ينتج عنه رفض العديد من الجمعيات الحصول على هذا الدعم.

غالبية الجمعيات القبطية تقدم تقارير تفصيلية لوزارة التضامن الاجتماعي توضح أبواب الدعم المقدم لها، غير أن عددا قليلا منها مازال بعيدا عن أعين الحكومة وتسعى للسيطرة عليه من خلال قانون الجمعيات الأهلية الذي تم إقراره قبل ثلاثة أشهر.

13