الجفاف يهدد تونس بالعطش ويفاقم تحديات الأمن الغذائي

سدود تنضب ومحاصيل تتقلص ومزارعون عاجزون عن الاستمرار في الإنتاج.
الخميس 2023/01/12
مياه السدود تراجعت إلى أدنى مستوياتها

دخلت تونس مرحلة حرجة على مستوى الموارد المائية لطالما حذر منها مسؤولون وخبراء، فبفعل الجفاف وقلة الأمطار يوشك البلد على استنزاف كامل المياه المخزنة في السدود، بينما يواجه المزارعون مخاطر أكبر حيث تتراجع المحاصيل ويضطر بعضهم لبيع أبقاره وهجرة العمل في القطاع الزراعي.

سليانة (تونس) - أدى غياب سياسات وإستراتيجيات واضحة للترشيد في استهلاك الماء إلى أزمة حقيقية في المياه في تونس بدأ المسؤولون في البلاد التحذير من خطورتها، حيث يؤكد الفاعلون في المجال البيئي والغذائي أن الجفاف يهدد تونس بالعطش ويمثل خطرا كبيرا على الأمن الغذائي.

وتشهد الموارد المائية منذ سنوات استنزافا كبيرا بسبب قلة التساقطات وأيضا الإفراط في استغلال المياه، لهذا السبب يؤكد المسؤولون أنه أصبح من الضروري اليوم وقف النزيف في الموارد المائية عبر إعلان حالة الطوارئ المائية التي ستسمح باعتماد وتنفيذ تدابير استثنائية من بينها تحلية مياه البحر.

حمادي الحبيب: إذا تأخرت الإجراءات فلن نجد مياها للشرب في أغسطس
حمادي الحبيب: إذا تأخرت الإجراءات فلن نجد مياها للشرب في أغسطس

وفي سد سيدي البراق بنفزة الواقعة على بعد 140 كيلومترا شمالي العاصمة تونس يبدو المشهد صادما.. يكاد السد ينضب من الماء والأرض متشققة والأشجار المحاذية تموت ببطء نتيجة موسم جفاف ثالث على التوالي يضرب تونس.

وتعاني تونس نقصا كبيرا في الأمطار منذ سبعة مواسم وجفافا مستمرا للعام الثالث على التوالي مما زاد المخاطر التي تحدق بالأمن الغذائي في بلد يعاني أصلا ويلات اقتصادية. كما يهدد الجفاف العديد من المناطق في البلاد من بينها العاصمة بالعطش نتيجة تراجع مخزون السدود إلى مستوى غير مسبوق.

وقال المسؤول بوزارة الفلاحة حمادي الحبيب “الوضع خطير للغاية بسبب سنوات الجفاف المستمرة.. الآن يبلغ منسوب السدود في تونس 25 في المئة من سعتها بينما وصل في بعضها

إلى 10 في المئة فقط”. ويضيف “فقط 660 مليون متر مكعب هي كميات المياه في 37 سدا في البلاد”.

ومنذ سبتمبر الماضي، سقطت 110 ملايين متر مكعب فقط من الأمطار في تونس، أي حوالي خمس المعدل الطبيعي إذ أن المعدل الاعتيادي لا يقل عن 520 مليون متر مكعب.

العطش والجوع

تونس تعاني نقصا كبيرا في الأمطار وجفافا مستمرا للعام الثالث مما زاد  من المخاطر التي تحدق بالأمن الغذائي
تونس تعاني نقصا كبيرا في الأمطار وجفافا مستمرا للعام الثالث مما زاد من المخاطر التي تحدق بالأمن الغذائي

في مدينة سليانة، لا تتجاوز الكميات الحالية أربعة ملايين متر مكعب في سد سليانة الذي يتسع لحوالي 27 مليون متر مكعب، وسط حيرة الفلاحين الذي ينتظرون موسما زراعيا صعبا للغاية.

ويتوقع المزارعون واتحاد الزراعة حصادا هزيلا للحبوب هذا العام بسبب الشح الكبير في الأمطار.

كما تواجه بقية الزراعات، مثل الزيتون الذي يمثل أهم صادرات تونس، بدورها خطر التراجع الكبير وبالتالي زيادة عجز الميزان التجاري الغذائي للبلد الذي توشك ماليته العامة على الانهيار.

وبينما كان الفلاح حاتم النفرودي يملأ الماء في شاحنة من سد سليانة، لم تفارق علامات الحيرة والوجوم وجهه وهو يقول “الكارثة تتعاظم.. الجفاف مخيف”.

ويضيف وهو يتجه لسقي أشجاره “لم أتعود على سقي أشجار اللوز والزيتون خلال فترة الشتاء.. لكن بسبب الجفاف ها أنا أفعل.. منذ 1990 لم أر جفافا مثل هذا العام.. لم تعد الفلاحة مصدر ربح”.

وبسبب الجفاف وندرة الأعشاب وغلاء الأعلاف، اضطر الكثير من المزارعين للتخلي عن الآلاف من الأبقار مما خلف تراجعا كبيرا في إنتاج الحليب الذي اختفى من رفوف أغلب المتاجر. وفاقم ذلك غضب السكان الذين يعانون الويلات للحصول على سلع أخرى من السكر والزيت والزبدة والأرز.

راضية سمين: حان الوقت اللازم لإعلان حالة الطوارئ المائية
راضية سمين: حان الوقت اللازم لإعلان حالة الطوارئ المائية

ونشرت مراكز تنمية فلاحية في البلاد بيانات محلية تدعو الفلاحين لوقف استعمال مياه الري في الزراعات السقوية (القائمة على السقي إما بواسطة الأنهار أو العيون أو المياه الجوفية) للخضراوات قائلة إن الأولوية للحبوب والزيتون ثم بعد ذلك لأشجار الفواكه.

وكإجراء عاجل، بدأت السلطات بمنح الأولوية لمياه الشرب عبر الحد من الحصص المائية الموجهة للقطاع الزراعي، لكن ذلك أدى إلى ندرة بعض المنتجات الزراعية وارتفاع أسعار الخضر.

وبينما قفز المعدل العام للتضخم إلى 10.1 في المئة في نهاية شهر ديسمبر الماضي، ارتفع تضخم السلع الغذائية لما يقارب 15 في المئة.

وتستغل تونس 5 مليارات متر مكعب من الموارد المائية للزراعة ولاستهلاك مياه الشرب، وهي مياه سطحية تبلغ كميتها 2575 مليون متر مكعب، ومياه جوفية تبلغ كميتها 2197 مليون متر مكعب، فيما يتبخر أكثر من النصف أو يتدفق إلى الأراضي الرطبة والبحر.

وتفيد مؤشرات بأن الإجهاد المائي ارتفع من 66 في المئة في عام 2000 إلى 109 في المئة في عام 2020 وإلى 132 في المئة سنة 2021.

والإجهاد المائي هو مؤشر يقع من خلاله قياس ندرة كمية المياه العذبة المتجددة المتوفرة لكل شخص في كل عام من إجمالي الموارد المائية المتاحة لسكان المنطقة.

ومع ندرة مواردها المائية، تتعاظم الخشية في تونس من العطش هذا العام، ولجأت الحكومة الشهر الماضي لرفع أسعار الماء الصالح للشراب للبيوت والفنادق سعيا لترشيده.

ويقول المسؤول في وزارة الفلاحة حمادي الحبيب “إذا لم نأخذ قرارات في يناير لتقليص مياه الري ومنح الأولوية لمياه الشرب.. تأكدوا أنه في أغسطس لن نجد مياه الشرب في العاصمة والساحل وصفاقس”.

وأشار مسؤول من شركة توزيع المياه المملوكة للدولة إلى قرارات حازمة لم يعلن عنها لكن من المرجح أن تكون قطع المياه لفترات وفقا خبراء.

حلول بطيئة

قال عبدالسلام السعيدي المسؤول بشركة توزيع المياه الحكومية للتلفزيون العمومي إن “الوضع خطير وإذا استمر على هذا النحو فسنضطر لاتخاذ إجراءات لن نعلن عنها الآن”.

وبينما دعا خبراء إلى إعلان حالة الطوارئ المائية في البلاد بسبب الجفاف المستمر والتراجع المخيف لمنسوب السدود، شجعت الحكومة في قانون ميزانية 2023 السكان على حفر خزانات لتجميع مياه الأمطار.

وقالت راضية سمين وهي باحثة في مجال المياه ومنسقة مشاريع في المرصد التونسي للمياه “لقد حان الوقت لإعلان حالة الطوارئ المائية.. كل المؤشرات تدل على أننا إذا التزمنا الصمت، سنصل إلى مرحلة العطش.. الآلاف من العائلات ستحرم من مياه الشرب”.

وقال وزير الاقتصاد التونسي سمير سعيد هذا الشهر إن تونس بصدد إعداد دراسات لبناء سدود ومحطات لتحلية مياه البحر في العديد من المحافظات داخل البلاد ضمن المخطط التنموي الممتد من عام 2023 إلى 2025.

وفي وقت سابق، أكد مدير متابعة التصرّف في المنظومة المائية بوزارة الفلاحة عبدالرحمن الوصلي أنه لتحقيق التوازن بين العرض والطلب إلى حدود سنة 2050، لا بدّ من حوكمة قطاع المياه والتحكم في الطلب وإيجاد الحلول للتحدّي في مجال الطّاقة واللجوء إلى المياه غير التقليدية ومحاولة تعبئتها مثل المياه غير المعالجة وتحلية مياه البحر.

كما حثّ على ضرورة مواصلة إنجاز السدود وتعلية سد بوهرتمة وبرمجة سدود أخرى في أقصى الشمال، إضافة الى تعزيز مجهودات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه بإقامة المنشآت الكبيرة بالسعيدة والقلعة لتلبية الطلب بجهة الساحل وصفاقس.

6