الجفاف يدمر حياة سكان المنطقة الصومالية في إثيوبيا

مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: ما بين 5.5 و6.5 مليون شخص في إثيوبيا يعانون من انعدام أمن غذائي خطير بسبب الجفاف.
الخميس 2022/05/05
منطقة يتقاذفها الجفاف والصراعات

غودي (إثيوبيا) - أدت أزمة الجفاف غير المسبوقة التي تشهدها مناطق في إثيوبيا إلى تدمير حياة السكان. وفي بلدة هارغودودو الواقعة في المنطقة الصومالية بإثيوبيا تتناثر جيف الماعز والأبقار والحمير قرب الأكواخ المتواضعة ذات الأسقف المصنوعة من القش، ففي هذا المكان لم تتساقط الأمطار منذ 18 شهرا. وتحديدا في شهر أبريل هذا العام، كان الهواء حارا وجافا والأرض جدباء.

ونفق جزء كبير من حيوانات حوالي 200 عائلة من السكان شبه الرُحّل في القرية. ويقول أحد السكان – يدعى حسين هبيل ويبلغ من العمر 52 عاما- “أولئك الذين كانوا يملكون مثلا 300 رأس من الماعز قبل الجفاف، لم يتبق لديهم إلا 50 إلى 60 رأسا. بالنسبة إلى البعض (…) لم ينج له أي رأس مما يملكه من ماعز”.

ومنذ نهاية عام 2020 في هذا المكان، كما هو الحال في المناطق الجنوبية الأخرى من البلاد وفي الصومال أو كينيا المجاورتين، لم تهطل الأمطار إلا قليلا. وفي إثيوبيا تضاف هذه الكارثة الإنسانية إلى تلك التي سببها الصراع في إقليم تيغراي في شمال البلاد.

ويقدّر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أن ما بين 5.5 و6.5 مليون شخص في إثيوبيا (أو حوالي 5 و6 في المئة من السكان) يعانون من انعدام أمن غذائي خطير بسبب الجفاف.

منذ 2020 لم تهطل الأمطار إلا قليلا في المنطقة لتضاف هذه الكارثة إلى تلك التي سببها الصراع في تيغراي

وبحسب المكتب تسببت موجة الجفاف الحالية في نفوق حوالي 1.5 مليون رأس من الماشية في هذا البلد، ثلثاها تقريبا في المنطقة الصومالية، و”تدهورت الحالة البدنية للحيوانات الحية بشكل خطير ما أدى إلى انخفاض قيمتها في السوق”.

وبالنسبة إلى السكان الرحّل أو شبه الرحل في هذه المنطقة القاحلة، توفر الثروة الحيوانية الغذاء والدخل، لكنها تشكل أيضا كل مدّخراتهم.

وتقول تاريك محمد (50 عاما) -وهي مربية ماشية في هارغودودو الواقعة على مسافة خمسين كيلومترا من غودي، المدينة الرئيسية في المنطقة الإدارية شابيل- “كنا من البدو الرحل الأصليين قبل هذا الجفاف: اعتمدنا على الحيوانات للحصول على اللحوم والحليب وكنا نبيعها”.

وتضيف “لكن اليوم، لم يعد هناك أي مستقبل في مجال الرعي لأنه لم يعد هناك أي قطعان”، موضحة “انتهت حياتنا البدوية”.

وبعدما جفّت الآبار وتقلّصت المساحات المخصصة للرعي يقول الرعاة إنه “أسوأ جفاف شهدناه على الإطلاق” قضى على الماشية التي كانت العمود الفقري لأسلوب حياتهم الذي بات مهدّدا.

Thumbnail

وهناك مجتمع بكامله ينهار في المنطقة حيث تفرغ قرى من سكانها الذين بدأوا ينزحون إلى المدن، وعائلات تتفكك وأطفال يهملون لأنه يجب إنقاذ ما تبقى من الحيوانات الأساسية للاستمرار.

وعادة ما كان تناوب المواسم الجافة والمواسم الممطرة (موسم ممطر قصير في مارس وأبريل وموسم طويل بين يونيو وأغسطس) يوازن حياة مربي الماشية هؤلاء.

وتقول تاريك محمد “قبل هذا الجفاف الكارثي كنا ننجو من موجات الجفاف السابقة بفضل بقايا مساحات الرعي التي تخلفها الأمطار”.

لكن الأمطار لم تتساقط خلال المواسم الممطرة الثلاثة الماضية. أما الموسم الرابع الذي بدأ في مارس، فيبدو أيضا أنه سيكون جافا.

ويقول علي نور محمد (38 عاما) المسؤول في منظمة “سايف ذي تشيلدرن” غير الحكومية إن المنطقة “تعتبر موجات الجفاف ظاهرة دورية (…) لكنها أصبحت الآن أكثر تواترا.

وجاء في التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة أن تواتر موجات الجفاف “تضاعف منذ العام 2005” في شرق أفريقيا، “من كل ست سنوات إلى كل ثلاث سنوات”، و”كانت هناك عدة موجات جفاف طويلة، خصوصا في المناطق القاحلة وشبه القاحلة منذ 30 عاما”.

لا شيء يدعو إلى التفاؤل في القرن الأفريقي
لا شيء يدعو إلى التفاؤل في القرن الأفريقي                       

ومنذ عام 2012 وجدت دراسة أجرتها الوكالة الأميركية للتنمية (يوسايد) أن المناطق الجنوبية في إثيوبيا تتلقى 15 إلى 20 في المئة من الأمطار أقل مما كانت تتلقاه في السبعينات، وأن المناطق التي تتلقى 500 مليمتر من الأمطار السنوية اللازمة للزراعة والرعي بدأت تنكمش.

ويقول علي نور محمد “الآن، بمجرد أن يحاول الرعاة التعافي من الجفاف، يواجهون موجة جفاف جديدة”، مشيرا إلى أن الموجات “متقاربة جدا بحيث لا يستطيع هؤلاء الرعاة النهوض”.

وسيكون هذا الموضوع مدرجا على قائمة اجتماع الدول الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، والذي ينعقد في أبيدجان في الفترة الممتدة من التاسع إلى العشرين من مايو.

ويقول جميع مربي الماشية في المنطقة إنهم فقدوا ما بين 80 و100 في المئة من مواشيهم. أما القطعان القليلة المتبقية فهي نحيفة جدا فيما فقدت الكثير من الجمال حدابها، مخزون غذائها.

ومن أجل الحصول على الطعام انتقل العديد من الرعاة إلى مخيمات أقامها النازحون بسبب الجفاف قرب القرى كما هو الحال في أدلالي القريبة من غودي حيث تخرج من الغبار الذي تحمله الرياح الحُجُب الملونة لعشرات النساء اللواتي جئن للحصول على مساعدات غذائية طارئة يوزعها برنامج الأغذية العالمي.

الآباء والأمهات في هذه المنطقة يواجهون أحيانا خيارات رهيبة، فرعاية أطفالهم تعني المخاطرة بفقدان ماشيتهم

وتقول حبيبة حسن خديد (47 عاما) -وهي أم لعشرة أطفال ومربية أبقار وجمال- “نفقت كل حيواناتنا بسبب الجفاف” و”مشينا خمسة أيام للوصول” إلى هنا.

وجاءت أهادو جيس حسين -أم لسبعة أطفال- إلى أدلالي حاملة ابنها المعوّق البالغ 15 عاما على ظهرها. وتروي الأرملة “كان لدي 100 رأس من الماعز، نفقت كلها (…) لقد جئت من دون أي شيء. كانت لدي ثلاثة أحمرة، لكنها نفقت كلها”، مشيرة إلى أنها “لم تختبر جفافا مماثلا من قبل”.

وتعيش المرأتان مع 2700 عائلة أخرى في مخيم فاربورو 2 الذي أقيم قبل ثلاثة أشهر، وهو عبارة عن أكواخ مصنوعة من أغصان الشجر ومدعومة بأقمشة مختلفة توفّر الظل في حرارة تبلغ 40 درجة مئوية.

ويوضح منسق المخيم علي محمد علي أن “الظروف المعيشية مقلقة؛ فمعظم العائلات تعيش على ما تتلقاه من الأقارب”.

ويشير إلى أنه “لا يمكن أن تستمر تربية الماشية مع موجات الجفاف المتكررة”.

وقبل الجفاف كانت حليمة حربي (40 عاما) -وهي أم لتسعة أطفال- “جزءا من العائلات التي لديها ما يكفي” للعيش بشكل لائق في منطقة غير مرفّهة.

وتقول “الآن ليس لدينا شيء. استخدمت حماري الأخير لنقل عائلتي إلى هنا، لكنه (…) نفق في الطريق”.

Thumbnail

ومن كوخه الصغير يقول عبدي كابي أدان -وهو راع يبلغ من العمر 50 عاما- “لم يسلم أي من حيواناتنا”.

ويضيف “في السابق كانت الأمطار تتساقط في أماكن أخرى من المنطقة، لذلك كنا ننتقل مع حيواناتنا إلى المراعي المروية، حتى لو كان الأمر يستغرق أياما. لكن هذه المرة الجفاف في كل مكان” و”الآبار فارغة”.

ويوجد القليل من الرجال في المخيم. وبقي البعض مع آخر رؤوس الماشية يبحث عن مساحة للرعي. وغادر الكثيرون بحثا عن عمل في المدينة، وهرب آخرون غير قادرين على مواجهة العار أو أسئلة الزوجات القلقات على المستقبل؛ فالجفاف أضر أيضا بالتنظيم الاجتماعي لهذه المجتمعات.

وتشرح حليمة حربي “في السابق كانت توكل إلى الرجال مهمات حلب الأبقار” وسوق القطعان إلى المراعي و”شراء الطعام والبضائع للعائلة، (لكن الآن) اختفت هذه الأدوار مع ماشيتنا”. وهناك تفكك في العائلات، بينما حلّ التنافس محل التعاضد، فـ”عندما تصل شاحنات توزيع المياه، لا يحصل المسنون المستضعفون على شيء، لأن التدافع محتدم”.

وبسبب هذا الجفاف يدفع الأطفال ثمنا باهظا. ويوضح علي نور محمد من منظمة “سايف ذي تشيلدرن” أن الآباء الغارقين في المشكلات “ليس لديهم الوقت حتى للاعتناء بأنفسهم ورعاية أولادهم”، إذ يبحثون عن طرق لإنقاذ ماشيتهم.

وتقوم المنظمة غير الحكومية خصوصا بزيارات مجتمعية وتحدد الأطفال المعرضين للخطر وتنقلهم إلى مراكز صحية، مثل مستشفى غودي.

وفي الجو الخانق داخل وحدة التغذية، حيث تقوم الأمهات بالتهوية مستعملات الحجاب الذي يطرد الذباب أيضا، يوجد العشرات من الأطفال النحيفين جدا.

Thumbnail

ويوضح مدير المستشفى الدكتور محمد شافي نور أن أطفال المنطقة عادة ما يكونون “على شفير نقص التغذية، لذلك عند أدنى مرض يصابون بسوء التغذية”.

ويلفت إلى أن “العائلات غير منظمة” وأحيانا “يذهب الوالد بعيدا بحثا عن طعام” للماشية “وتجد الأم نفسها وحيدة مع العديد من الأطفال. ولذلك يصل (أطفال) متأخرين” إلى المستشفى و”يعانون من المضاعفات”.

ونتيجة لذلك يواجه الآباء والأمهات أحيانا خيارات رهيبة، فرعاية أطفالهم تعني المخاطرة بفقدان ماشيتهم.

وكانت سامية -طفلة رقية عدن مهد (39 عاما)- تعاني إسهالا وقيئا منذ أسبوع عندما أحضرتها والدتها إلى المستشفى.

ويعاني ابن فاليس حسن منذ شهرين تقرحات في الكبد والفم تمنعه من الرضاعة. وقالت أمه البالغة 38 عاما “نحن منشغلون بالبحث عن مرعى وماء للماشية”.

وكان ابن عبدالله غوران الذي تغيّر لون شعره نتيجة سوء التغذية يعاني إسهالا وقيئا منذ أسابيع. ويروي والده البالغ 30 عاما والذي أحضر طفله بعدما فقد 80 في المئة من ماعزه و100 في المئة من أبقاره “كنت أعتني بالماشية ولم يكن لدي وقت للاعتناء بطفلي”.

ويقول أحمد نور -أحد أفراد الطاقم الصحي في مركز كيلافو الواقع على مسافة 100 كيلومتر من غودي- إن “الافتقار إلى وسائل منع الحمل والرضاعة الطبيعية الحصرية، فضلا عن ظروف النظافة السيئة، يفسر سوء التغذية المزمن الذي يعانيه الأطفال”.

لكن الوضع “تفاقم” كثيرا بسبب الجفاف، كما “يزداد عدد الأطفال الذين يعانون سوء التغذية شهريا”.

6