الجفاف يخذل آمال المزارعين في سوريا بحصاد وافر من القمح

سوريا على أعتاب أزمة غذائية حادة في ظل توقعات بتراجع قياسي للمحصول.
الأربعاء 2021/10/06
في مواجهة خطر الجوع

اختزلت انطباعات المزارعين السوريين في ما يتعلق بحسابات محصول القمح للموسم الحالي مدى صعوبة تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، في ظل تأكيدهم بأن الحصاد سيقل كثيرا عن التقديرات الرسمية التي اعتبرها خبراء مبالغا فيها بسبب استمرار موجة الجفاف.

تل شعير (سوريا)- تتقاطع تقديرات المزارعين والحكومة السورية بشأن محصول القمح لهذا الموسم والذي يبدو أنه سيكون الأسوأ على الإطلاق منذ سنوات مما يعمق مشكلة الأمن الغذائي للبلد الغارق في أزمة اقتصادية ومالية كارثية.

وبعدما أتت النيران على محصوله من القمح في شمال شرق سوريا العام الماضي، كان يأمل المزارع عبدالباقي سليمان أن يعوّض موسم العام الحالي خسارته، لكن أمنيته لم تتحقق على وقع التراجع الكبير في مستوى هطول الأمطار.

وبينما تزيد عوامل التغير المناخي خطر الجفاف والحرائق في كل أنحاء العالم، واجهت سوريا تدنيا في مستوى الأمطار هذا العام، خاصة في محافظة الحسكة الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية والتي كانت تعد قبل 2011 بمثابة صوامع قمح سوريا.

وفي قرية تل شعير قرب مدينة القامشلي، يتحسر سليمان (48 عاما) على أرضه التي اعتاد أن تدرّ له الأرباح في مواسم حصاد القمح.

مايك روبسون: إنتاج القمح ربما يبلغ قرابة نصف إجمالي حصاد الموسم الماضي

ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية إن “العام الماضي احترق الحقل الذي زرعته وخسرت مئتي دونم من القمح أما في العام الحالي فكان هناك نقص في الأمطار ولم نحصد القمح” بسبب عدم نمو البذور.

وعلى غرار سليمان، يشكو مزارعو المنطقة من تراجع محاصيل القمح، ما يثير المخاوف إزاء الأمن الغذائي في بلد يكافح ستون في المئة من سكانه لتوفير طعامهم.

وفي محافظة الحسكة حيث كانت الإدارة الكردية والحكومة تتنافسان سنويا على شراء محاصيل القمح والشعير من المزارعين لتأمين احتياجات المناطق الواقعة تحت سيطرة كل منهما، تقدّر منظمات إنسانية دولية تراجع إنتاج المحاصيل بأكثر من 95 في المئة مقارنة مع العام الماضي في أجزاء كبيرة من المنطقة.

وإضافة إلى تراجع مستوى الأمطار، يعيد سليمان الأزمة إلى غلاء البذور والأسمدة ومعدات الزراعة والنقص في المحروقات، معتبرا أن “الوضع الزراعي في المنطقة كارثي والجفاف يتمدد فيها”.

وإذا استمر الوضع على حاله، لا يستبعد المزارع استبدال زراعة القمح بأنواع أخرى “كالكزبرة والكمون كون تكاليفها أقل وأسعارها أغلى ولا تتطلب أمطارا غزيرة”.

وفي قرية كرديم حليمة في محافظة الحسكة، يرى حاجي محمّد (71 عاما) أن “الزراعة أصبحت خسارة” بعدما بات الجفاف “يؤثر عليها من النواحي كافة”.

ويقول المزارع “نحاول بيع ذهب نسائنا وأغراض المنزل لشراء البذور، علّ الأمطار تتساقط وتعوض بعض الخسائر” في الموسم المقبل. ويضيف بحزن “لم نعد نجد الرحمة من السماء ولا من الأرض”.

وقبل اندلاع النزاع العام 2011، كانت سوريا تُحقق اكتفاءها الذاتي من القمح مع إنتاج يتجاوز أربعة ملايين طن سنويا. وكانت قادرة على تصدير 1.5 مليون طن سنويا.

لكن مع توسّع رقعة المعارك وتعدّد الأطراف المتنازعة، انهار الإنتاج إلى مستويات قياسية. وباتت الحكومة مجبرة على الاستيراد خصوصا من حليفتها روسيا.

وقال وزير الزراعة السوري محمد حسان قطنا لإذاعة “شام.أف.أم” المحلية المقربة من السلطات منتصف الشهر الماضي، إنّ إنتاج القمح في البلاد بلغ 900 ألف طن “بينما تقدر الحاجة المحلية بمليوني طن”. وعزا ذلك إلى “التغيرات المناخية والجفاف” خلال شهري أبريل ومايو الماضيين، فضلا عن ضعف الموارد المائية.

وفي مثال عن حجم تراجع الإنتاج، يوضح الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد والزراعة بمناطق سيطرة الإدارة الكردية سلمان بارودو أن موسم العام الحالي “كان استثنائيا”.

ويلفت إلى أنّ إدارته تسلمت من المزارعين العام الحالي “بين 184 و184 ألف طن مقارنة مع 600 ألف طن العام الماضي”.

من شأن تراجع إنتاج القمح وزراعات كثيرة أخرى أن يزيد من معاناة السوريين
من شأن تراجع إنتاج القمح وزراعات كثيرة أخرى أن يزيد من معاناة السوريين

وبحسب تقديرات بارودو، تتراوح حاجة المنطقة سنويا بين نحو 550 و600 ألف طن لتأمين الطحين للأفران والبذور للمزارعين والاحتياطي الضروري للأشهر المقبلة.

ويأتي انخفاض المحاصيل فيما يحذر خبراء ومنظمات إنسانية منذ أشهر من كارثة في شمال وشمال شرق سوريا جراء تراجع منسوب نهر الفرات، ما يهدد بانقطاع المياه والكهرباء عن الملايين من السكان والحقول الزراعية.

وفي محافظة الرقة المجاورة التي يجتازها نهر الفرات، يتحسر أحمد الحميدي (42 عاما) على موسم القمح. ويقول “فكرنا باستجرار المياه من نهر الفرات”، لكن لم يتم ذلك “بسبب الكلفة”، مضيفا “نخشى الجفاف في الموسم المقبل. وحينها ستكون المنطقة فعلا بخطر”.

ويوضح ممثل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) في سوريا مايك روبسون لوكالة الصحافة الفرنسية أن موسم الأمطار “الذي انتهى في مارس شكّل السبب الأكبر” لمشكلة تراجع المحصول. لكنه ليس السبب الوحيد، إذ كانت لارتفاع درجات الحرارة في الشهر اللاحق تداعيات لناحية عدم اكتمال نمو الحبوب.

سوريا واجهت تدنيا في مستوى الأمطار هذا العام، خاصة في محافظة الحسكة الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية والتي كانت تعد قبل 2011 بمثابة صوامع قمح سوريا

ورغم أنه ليست لدى المنظمة بعد “الأرقام النهائية الكاملة لمحاصيل هذا العام”، لكنّ روبسون يتوقع أن “يكون متدنيا للغاية، ربما قرابة نصف إجمالي حصاد العام الماضي” الذي بلغ 870 ألف طن.

ومن شأن تراجع إنتاج القمح وزراعات كثيرة أخرى أن يزيد من معاناة شعب استنزفه نزاع دام مستمر منذ عقد، وانهيار اقتصادي حاد.

ووفق منظمة فاو سينعكس بطبيعة الحال ارتفاعا في أسعار الخبز وسلع رئيسية في بلد يشكو فيه 12.4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي. ويقول روبسون “شهدنا ارتفاعا لناحية انعدام الأمن الغذائي العام الماضي، ونتوقع ازديادا إضافيا هذا العام”. ويضيف “إنّه أمر مقلق للغاية”.

11