الجفاف يحوّل بحيرة تشاد بؤرة للجوع والإرهاب

البحيرة تواجه اليوم خطر الزوال، إذ تقلصت مساحتها السطحية بنسبة 90 في المئة.
الثلاثاء 2022/01/04
حاضنة للفقر والعنف

أبوجا ـ يمثل الجفاف الذي يضرب بحيرة تشاد، أبرز مثال على المخاطر المدمّرة للأمن القومي لدول حوض البحيرة، الواقعة على الحافة الجنوبية للساحل الأفريقي، بسبب التغير المناخي، الذي حولها إلى بؤرة للإرهاب.

فبحيرة تشاد، التي كانت تصنف سادس أكبر بحيرة بالعالم، في ستينات القرن الماضي، تمثل المصدر الرئيسي لحياة نحو 30 مليون نسمة (في 2001) يستفيدون من مياهها في الشرب والزراعة والرعي، وحتى صيد الأسماك والتجارة.

وتطل على البحيرة كل من دول تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون، فالحوض المائي لهذه البحيرة يعد أكبر الأحواض الداخلية في العالم من حيث المساحة (2.5 مليون كلم مربع)، بفضل الأنهار والوديان التي تغذي البحيرة بالمياه.

تواجه البحيرة اليوم خطر الزوال، إذ تقلصت مساحتها السطحية بنسبة 90 في المئة، وبعدما كانت تبلغ 25 ألف كيلومتر مربع في الستينات، جفت إلى حد كبير منذ أوائل السبعينات إلى ما يقرب من 2000 كيلومتر مربع، بسبب تغير المناخ والانفجار السكاني والري الجائر.

30 مليون نسمة يستفيدون من مياه البحيرة في الشرب والزراعة والرعي وصيد الأسماك والتجارة

ويقول الباحث ساهيد باباجيد من “مركز دراسات السلام والأمن” بنيجيريا، في دراسة نشرت في 2020، إنه “بالنظر إلى سرعة جفاف البحيرة، فقد تختفي تماما في أقل من عقد”.

الأخطر من ذلك أن الملايين من الناس الذين يعيشون على ضفاف البحيرة أو محيطها فقدوا مصادر عيشهم، بعد أن جفت معظم أجزاء البحيرة وتحولت إلى بركتين ضحلتين ومنفصلتين، وتتخللهما الكثير من الجزر الصغيرة.

وتعد منطقة بحيرة تشاد واحدة من أكثر المناطق اضطرابا في العالم، بل وصنّف مؤشر الإرهاب العالمي في 2020 بلدانها من بين أقل 10 دول أمانا في القارة.

فتنظيم “بوكو حرام”، الذي استوطن الجزء الشمالي من نيجيريا، سرعان ما امتد نشاطه إلى كل من جنوب غرب تشاد، وشرق النيجر، وشمال الكاميرون، بفضل طبيعة بحيرة تشاد، المتميزة بأحراشها الكثيفة وجزرها الكثيرة.

وبحسب دراسة للباحث باباجيد، فإن “فقدان سبل العيش في حوض بحيرة تشاد أدى إلى تأجيج الجريمة، وتجنيد أعضاء جدد في الجماعات الإرهابية، والنزوح من الريف”، والذي أدى بدوره إلى اندلاع العنف وانتشار الجريمة في البلدات والقرى التي تستضيف النازحين.

وحذرت الدراسة التي تحمل عنوان “منطقة حوض بحيرة تشاد: السلام يمر عبر الماء وليس الأسلحة”، من أن جفاف البحيرة أدى إلى “نشوب صراع بين الدول التي تعتمد عليها، مما يجعل من الصعب عليها التعاون لمعالجة انعدام الأمن في هذا الجزء من القارة”.

فنضوب مياه البحيرة بشكل حاد، وفقدان سكان المنطقة لمصادر عيشهم، وانتشار الجريمة وخاصة سرقة المواشي بين الحدود المشتركة، وانتشار الجماعات الإرهابية، كلها عوامل تسببت في كارثة إنسانية.

ففي يونيو 2021، حذرّت الأمم المتّحدة من أن أكثر من 5 ملايين شخص يكافحون المجاعة في حوض بحيرة تشاد.

في أبريل 2019، قال رئيس نيجيريا محمد بخاري، إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وافق على المساعدة في جمع 50 مليار دولار من أجل مشروع لإنقاذ بحيرة تشاد، التي أصابها الجفاف.

بؤرة للإرهاب

إلا أنه ومنذ ذلك التاريخ، لم يتحقق سوى القليل من المشاريع الصغيرة في المنطقة التي تهدف لدعم اللاجئين والمجتمعات المضيفة، ولم تتحمس الدول المانحة بتقديم مساعدات أو استثمارات بهذا الحجم الضخم، خصوصا أن المنطقة تعاني من هشاشة أمنية، والعوائد من أي استثمار طويل المدى تبدو محدودة.

وفي المؤتمر العالمي للمناخ “كوب21″، المنعقد بباريس في ديسمبر 2015، وجه الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي نداء استغاثة، قائلا “لدى الأفارقة مشروع لم يجد التمويل، وهو نقل المياه من نهر أوبانغي إلى بحيرة تشاد”.

وضم رئيس النيجر (السابق) محمدو يوسوفو، صوته لنظيره التشادي في ذات المؤتمر، ووجه الدعوة “لشركائنا وأصدقائنا لينصتوا لصيحات قلوب سكان الدول المطلة على بحيرة تشاد، من أجل مد يد العون للملايين من الأشخاص اليائسين، من خلال المساهمة في تمويل خطة الإنقاذ هذه”.

وخطة إنقاذ بحيرة تشاد من النضوب، والتي تبنتها نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر في 2008، تهدف إلى تجريف نهر شاري – لوغون، الذي يمثل أكبر مصدر لمياه البحيرة.

وينبع نهر شاري من جمهورية أفريقيا الوسطى ويصل إلى العاصمة التشادية نجامينا، حيث يلتقي بنهر لوغون، والذي يشكل حدودا طبيعية بين تشاد والكاميرون، ويعبر النهر الحدود بين البلدين ليصب في بحيرة تشاد.

والخيار الثاني أن يتم نقل جزء من مياه نهر أوبانغي (أكبر رافد لنهر الكونغو) والذي يشكّل الحدود الطبيعية بين أفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية، والكونغو.

وسيسمح تحويل المياه من نهر أوبانغي إلى بحيرة تشاد من توسيع مساحتها من نحو ألفي كلم مربع إلى 5.5 ألف كلم مربع، ما يسمح برفع مستوى البحيرة مترا واحدا، بعدما انخفض 4 أمتار منذ 1962.

ومن المتوقع، أن يقع التوسيع في مساحة البحيرة بحوالي 5 آلاف و500 كم مربّع، من خلال نقل المياه من حوض نهر الكونغو عبر نهر أوبانغي باتجاه حوض بحيرة تشاد، بما يسمح برفع مستوى المياه بالبحيرة بحوالي متر واحد في الحوض الجنوبي ومثله في الحوض الشمالي، بحسب البيانات المنشورة على الموقع الرسمي للجنة حوض بحيرة تشاد.

وعدم الإسراع في إنقاذ بحيرة تشاد، قد يؤدي إلى اندثارها قبل 2030، وستلقى نفس مصير بحر آرال في آسيا، الذي أصبح خبرا بعد عين.

18