الجسور التاريخية في بريطانيا لا تواكب الحياة الحديثة

التكلفة الباهظة لعملية الترميم تثير جدلا حول من يدفع فاتورتها.
الجمعة 2020/11/20
جسور قديمة تعرقل الحركة

تتكفّل عدد من الجسور في بريطانيا بالربط بين ضفتي نهر التايمز منذ قديم الزمان، لكن هذه الجسور التي تشكل مزارات سياحية هامة يتفاخر بها البريطانيون أضحت اليوم تشكل عبئا ثقيلا لما تتطلبه من ترميمات وإصلاحات باهظة التكلفة كما أن تعطلها أصبح عائقا أمام حركة السير اليومية.

لندن - يشكّل ترميم الجسور العائدة إلى العصر الفيكتوري في بريطانيا، والتي باتت في أغلب الأحيان غير متماشية مع الحركة المرورية للقرن الحادي والعشرين، معضلة شائكة بين سخط المستخدمين والجدل الدائر حول من سيسدّد الفاتورة.

وتشتهر لندن، التي يشطرها نهر التايمز بجسورها الفيكتورية التي تعد جزءا من تراثها مع مرور الوقت، ومن ثم مزارا للسياح من كل أنحاء العالم.

وعلى الرغم من أن نهر التايمز ليس أكبر أنهار المملكة المتحدة، لكنه يعتبر النهر الأهم بالنسبة إلى المملكة المتحدة من الناحية التاريخية والاقتصادية.

"ثورة البنى التحتيةّ" تصطدم بواقع معقد، فترميم جسر هامرسميث مثلا حوّل حياة الآلاف من سكان لندن إلى كابوس

وتتكفل عدد من الجسور بربط شطري المدينة، من “جسر البرج” الشهير، إلى “جسر الألفية”، الذي ظهر في أحد أفلام سلسلة الخيال العلمي الأشهر “هاري بوتر”، بالإضافة إلى جسور محلية أخرى، لعل أبرزها جسر وستمنستر القريب من ساعة “بيغ بين” الشهيرة، والبرلمان البريطاني ويتميز بألوانه المشرقة وبصوره البانورامية الرائعة.

وترتفع الجسور وتمتد لتربط بين ضفتي لندن فوق نهر التايمز، ويعود الفضل  إلى الجنود الرومان، إذ كان لهم السبق في بناء أول جسر فوق نقطة منخفضة في الممر المائي، “جسر لندن” الأول. وهو الجسر الذي أعيد بناؤه في الألفية الثانية لعدة مرات، ثم أضيف إليه 32 جسرا على طول نهر التايمز.

وكان رئيس الوزراء بوريس جونسون قد تعهّد خلال حملته الانتخابية بإطلاق “ثورة في البنى التحتية”، غير أن هذا الوعد يصطدم بواقع معقّد، فترميم جسر هامرسميث في جنوب غرب العاصمة حوّل حياة الآلاف من سكّان لندن إلى كابوس.

ويطلّ منزل توبي غوردون – سميث الواقع في حيّ بارنز في لندن على نهر التايمز، لكن بلوغ الضفّة المقابلة من النهر مهمّة شاقة للرجل البالغ 46 عاما.

وجسر هامرسميث المعلق دشّن قبل 133 عاما، ويتزيّن الجسر بشعار النبالة، وهو الآن مغلق أمام المشاة وركاب الدرّاجات الهوائية منذ أغسطس وأمام سائقي السيارات منذ سنتين تقريبا.

وباتت الهيكلية المتداعية للجسر، الذي صمّم أصلا لعربات تجرّها أحصنة، تعاني من شوائب عدّة وبحاجة إلى إصلاحات للحفاظ على الجسر المتحلل آمنا على المدى الطويل.

مزار السياح
مزار السياح

وتشكّل التغييرات الناجمة عن هذه الأعمال مصدر استياء بالنسبة إلى كلّ من يسكن على الضفّة الجنوبية، بحسب ما يقول توبي غوردون – سميث الذي يتنقّل بواسطة كرسي متحرّك.

ويضيف “يستغرقني الوصول إلى المكتب اليوم 45 دقيقة وأحيانا ساعتين، في مقابل 10 دقائق في السابق”.

وليس جسر هامرسميث سوى أحدث فصول جدل يطال البلد برمّته. فكيف يمكن ترميم هذه البنى التحتية المتداعية التي تمّ تخطي صلاحية استخدامها في أحيان كثيرة وتكييفها مع متطلّبات القرن الحادي والعشرين؟

سؤال يطرحه جون كيلسي الأستاذ المتخصص في الهندسة في جامعة “يو سي أل” (يونيفرستي كولدج لندن).

وفي أغسطس، أغلق جسر البرج (تاور بريدج) المشيّد سنة 1894 والذي يعدّ أحد أبرز معالم العاصمة البريطانية، ليومين ريثما يتمّ تصليحه إذ بقي عالقا في الهواء وتعذّر إنزاله بعد فتحه لعبور السفن.

وتسبب تعطل الجسر المتحرك الشهير على نهر التايمز في لندن، وهو على ارتفاع عالٍ، في أزمة مرور خانقة.

وأوضحت الشركة المشغلة للجسر في تغريدة أن الجسر “واجه مشاكل تقنية”، وهو الذي يرفع حوالي 800 مرة سنويا للسماح بحركة الملاحة عبر نهر التايمز.

 

إغلاق جسور العصر الفكتوري في لندن لفترة طويلة بسبب أعمال الترميم المكلفة يعرقل حركة السير والنشاط الاقتصادي بين شطري نهر التايمز

أما جسر فوكسول العائد إلى العام 1906 وجسر برج لندن (1973) الأحدث عهدا، فقد أُغلقا بدورهما لفترة طويلة لأغراض الترميم. والسؤال المطروح في أغلب الحالات هو من سيدفع فاتورة هذه الأعمال؟

وقد يؤجَّل موعد إعادة فتح برج هامرسميث المرتقبة في العام 2027 نتيجة نزاع إداري حول من سيسدّد تكلفة الأعمال التي تتخطّى 160 مليون جنيه إسترليني، علما وأن أكثر من سبع جهات على الصعيدين الوطني والمحلي معنية بالمسألة.

وبالنسبة إلى النائب المحافظ غريغ هاندز المنتخب عن منطقة تشيلسي وفولم التي تخنقها زحمات السير، “ما من شك أن المجلس المسؤول عن حيّ هامرسميث، وهو أحد مالكي الجسر، لم يحسن صيانة هذه المنشأة”.

ويؤكّد رئيس الإدارة المحلية ستيفان كوان من جهته أن إدارته لا تملك المبلغ الضروري المقدر بـ46 مليون جنيه إسترليني لتثبيت الجسر، متّهما الحكومة بالمماطلة في توفير الأموال اللازمة للأعمال.

وبغية تقصير مدّة الرحلات التي باتت أكثر طولا بسبب الأشغال، تعتزم مجموعة عمل أنشأها بوريس جونسون في سبتمبر إطلاق خدمة عبّارات بين ضفّتي النهر اعتبارا من العام المقبل.

غير أن هذا المشروع متأخّر جدّا بالنسبة إلى سكّان بارنز. وتروي جوليا واتكنز أن ابنتيها تمضيان 45 دقيقة للعودة في الظلمة من المدرسة الواقعة على الضفة المقابلة من النهر.

أما تشارلوت هرمان (92 عاما) المقيمة في بارنز منذ 1963، فهي قلقة من طول الوقت اللازم للوصول بسيّارة إسعاف إلى المستشفى في الضفّة المقابلة من التايمز.

20