الجزائر مجبرة على الاستدانة مع تراجع مداخيلها

الخبراء يرسمون صورة قاتمة للوضع الاقتصادي في البلاد على وقع تراجع عائدات النفط والغاز.
الأربعاء 2020/12/23
تداعيات اجتماعية متفاقمة

الجزائر - يواجه الاقتصاد الجزائري تداعيات انتشار فايروس كورونا المستجد مع انخفاض قيمة الدينار وارتفاع التضخم وتوقف الشركات عن العمل، إلى جانب انخفاض عائدات النفط.

ويرسم الخبراء صورة قاتمة للوضع الاقتصادي في البلاد على وقع تراجع عائدات النفط والغاز الذي أدى إلى تقلّص احتياطات النقد الأجنبي للجزائر، الأمر الذي يعرّض اقتصادها للخطر ويجبرها على اللجوء إلى الاستدانة الخارجية.

ويعتمد الاقتصاد الجزائري على أكثر من 90 في المئة من عائداته الخارجية على ريع النفط، وهو ما يجعله عرضة أمام موجة تقلبات أسعار الأسواق العالمية التي تشهد انخفاضا منذ عام 2014.

ومن المتوقع أن تشهد الجزائر بسبب أزمة كورونا ركودا بنسبة 5.2 في المئة في عام 2020، فضلا عن عجز في الموازنة من بين أعلى المعدلات في المنطقة، حسب صندوق النقد الدولي.

وقدّرت الحكومة الجزائرية في قانون المالية لعام 2021 (الموازنة العامة للدولة)، العجز عند 2700 مليار دينار (17.6 مليار يورو)، مقابل 2380 مليار دينار في 2020، أو ما يقرب من 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وسبب الوضع الاقتصادي للجزائر تداعيات اجتماعية متفاقمة حسب الخبير الاقتصادي منصور قديدير، الأستاذ في المدرسة العليا للاقتصاد في وهران، الذي قال "الجزائريون يشعرون بمرارة بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي والتجاري وفقدان الوظائف وإغلاق المحال التجارية وتراجع دخل الأسر".

وأشار قديدير إلى أن وزير المالية أيمن بن عبدالرحمن لم ينجح في تقديم مقاربة ناجعة للخروج من الأزمة، و"هذا أمر مقلق".

ويرى الخبير الاقتصادي أن "الوضع لا يتطلب خطة إنعاش، لكن خطة إنقاذ للاقتصاد".

وقال "لا يمكن لأي مبادرة النجاح دون خلق مناخ من الثقة ورفع كل المعوقات".

وينص قانون المالية لعام 2021 الذي لم يوقعه الرئيس عبدالمجيد تبون الذي يتعافى في ألمانيا من إصابته بفايروس كورونا، على انخفاض احتياطات النقد الأجنبي إلى أقل من 47 مليار دولار في عام 2021، قبل الارتفاع التدريجي على مدار العامين التاليين.

وبين 2014 و2019، تقلّصت هذه الاحتياطات بنحو 65 في المئة حسب البنك المركزي. ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى ما يقرب من 75 في المئة في عام 2021.

وقال منصور قديدير "كالعادة سوف نكرر نفس الممارسات: تخفيضات في الموازنة وقيود على الاستيراد وتجميد المشاريع الكبرى، إلخ".

وأضاف أنّ هذه الإجراءات "يمكن في أحسن الأحوال أن تؤخر بروز الأزمة، ولكن لبعض الوقت فقط، ولن يكون لها تأثير دون إصلاح هيكلي للاقتصاد".

واستبعد الرئيس الجزائري بشكل قاطع اللجوء إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي باسم "السيادة الوطنية"، مذكرا بالتجربة السيئة للبلد الذي كان مديونا للصندوق في عام 1994.

ولكن الجزائر استنفدت الآن كل الاحتمالات المتاحة لتمويل العجز، بما في ذلك طباعة النقود.

من جانبه حذّر الخبير الاقتصادي محفوظ الكوابي من أن اللجوء إلى التمويل الخارجي سيكون "حتميا خلال 18 شهرا".

وقام وفد من صندوق النقد الدولي بمهمة "افتراضية" في نوفمبر "لتحيين إطار الاقتصاد الكلي ومناقشة الآفاق والأولويات بالنسبة للجزائر"، حسب وزارة المالية الجزائرية.

وبحث الطرفان "الوسائل التي يتوجب اعتمادها من أجل احتواء العجز في الميزانية وتحفيز النمو وترقية تنويع الاقتصاد الوطني".

واضطرت شركة النفط العملاقة "سوناطراك" من أجل خفض الإنفاق العام في الموازنة، إلى "تقليص نفقاتها واستثماراتها من 14 مليار دولار إلى 7 مليارات دولار من أجل الحفاظ على احتياطات النقد الأجنبي"، كما أوضح الخبير الاقتصادي رابح رغيس.

وقال رغيس إنه "نتيجة لذلك، تم تأجيل العديد من المشاريع وتأثر نشاط الحفر"، الأمر الذي قد "يجبر" سوناطراك على تحمل الديون لإنهاء العام وامتصاص العجز.

وأكد مصدر في وزارة الطاقة أن "تجميد" المشاريع وخفض مصاريف التشغيل والصيانة للمنشآت وخفض اليد العاملة بسبب الوباء، له تأثير سلبي على الإنتاج.

ورأى قديدير أن "أغرب شيء في السياسة الحالية هو أننا ما زلنا نعتمد على ارتفاع أسعار النفط لتمويل الموازنة، في حين أن مستوى إنتاج المحروقات آخذ في الانخفاض".