الجزائر تكتفي بمخطط طوارئ لمواجهة الجفاف

الجزائر – قلّصت التساقطات المطرية المسجلة خلال الأسابيع الأخيرة في الجزائر، من حالة القلق المتفاقم في البلاد من موجة الجفاف المسجلة في السنوات الأخيرة، والتي تجلت تداعياتها في مردودية الإنتاج الزراعي وتوفير الماء الشروب، لكن في المقابل يستمر الاهتمام الحكومي بالحرص على احتواء الأزمة وتنفيذ المخطط الذي رصدت له أكثر من ملياري دولار، تحسبا للتوقعات المقلقة للوضع المناخي في المنطقة.
وتسرّع الحكومة الجزائرية الخطى من أجل تنفيذ البرنامج الاستعجالي الخاص بإنجاز محطات تحلية مياه البحر، والحرص على الشركات المنجزة من أجل الوفاء بالتزامتها الزمنية بغية دخولها حيز الخدمة خلال العام الجاري، في خطوة لاحتواء أزمة الجفاف التي تضرب البلاد منذ عدة سنوات، وأثرت بشكل كبير على وفرة المياه الشرب وعلى مردود القطاع الزراعي.
وتهدف الجزائر للوصول الى 19 محطة تحلية، منها 11 محطة في حالة نشاط، وينتظر أن تدخل جميعها حيز الخدمة خلال العام الجاري، وذلك بغرض توفير 42 في المئة من حاجيات السكان، وتعويض النقص المسجل في الكميات المنتجة من السدود.
ويذهب متشائمون، إلى أن الوضع يستدعي رسم إستراتجية واضحة وناجعة، تضع مستقبل الأجيال القادمة في الحسبان، بدل الاكتفاء بالحلول والمشاريع الاستعجالية الآنية، فالمساحة الجغرافية للبلاد والمؤشرات المناخية المقلقة، تستدعي رصد خطط وإمكانيات ضخمة لمواجهة الوضع، فهناك من السكان من لا يمكن ربطه بمياه التحلية، وانتظار التساقط لن يجدي نفعا في ظل الحقائق العلمية.
واللافت أن الحكومة لم تتوجه إلى المشاريع الضخمة لاحتواء الأزمة، رغم الغلاف المالي الضخم المقدر بـ110 مليارات دولار خلال الموازنة السنوية للعام الجاري، وأقلها بقليل خلال العام الماضي، من أجل إنجاز سدود جديدة لتجميع كميات إضافية أو استغلال المياه الجوفية من منطقة الجنوب الشرقي في الحدود مع ليبيا وتونس، والذي يعد من أكبر المخزونات الجوفية للمياه في العالم.
وتقع الجزائر إلى جانب دول الشمال الأفريقي، في نطاق يتهدده الجفاف في المستقبل، ويعتبر من أكبر مناطق العالم تضررا بالتغيرات المناخية، بحسب دراسات للأمم المتحدة، وخبراء يتوقعون أن نسبة التساقط في الجزائر والمنطقة عموما ستتقلص بنحو 20 في المئة مع حلول العام 2050.
وتتوفر الجزائر على 80 سدا تنتشر في مختلف ربوع البلاد، إلا أنها تشهد تراجعا لافتا في تجميع الكميات اللازمة من الأمطار، بسبب تراجع التساقط المطري، وظهور مشاكل تقنية كترسب الطمي، الأمر الذي يتطلب استثمارات حكومية ضخمة من أجل إعادتها إلى وضعها الطبيعي، فضلا عن تراجع تسجيل المشاريع المماثلة خلال السنوات الأخيرة.
وحسب بيانات رسمية، فإن طاقة تخزين السدود المتوفرة تبلغ 8.6 مليار متر مكعب، لكن الكميات المتوفرة العام الماضي بلغت نحو ملياري متر مكعب فقط، ولذلك تم اللجوء إلى مخطط استعجالي لإنجاز محطات تحلية ينتظر أن توفر في مجموعها أقل من مليار متر مكعب، وحفر آبار ارتوازية توفر نحو ملياري متر مكعب أيضا.
وتذكر البيانات المذكورة، أن “الحاجيات السنوية للجزائر من المياه الموجهة للشرب وللقطاعين الزراعي والصناعي تقدر بأكثر من 11 مليار متر مكعب، وأن العجز يقدر بنحو 200 مليون متر مكعب بالنسبة للماء الشروب، الذي يقدر إنتاجه بـ 3.4 مليار متر مكعب، وبـ 100 مليون متر مكعب بالنسبة للقطاع الاقتصادي، الذي يقدر إنتاجه بـ 7.4 مليار متر مكعب، وذلك بحسب أرقام العام 2022.
وتتوزع مصادر المياه في الجزائر بين 60 في المئة من المياه الجوفية، و22 في المئة سطحية، و18 في المئة من المياه المحلاة، وينتظر أن تصل حاجياتها إلى نحو 13 مليار متر مكعب مع حلول العام 2030، أين ينتظر أن يصل التعداد السكاني إلى 50 مليون نسمة.
وصرّح مدير التطوير بالشركة الجزائرية للطاقة فرع مجمع سوناطراك سفيان زعميش، للإذاعة الحكومية، بأن “الجزائر تطمح إلى رفع عدد محطات تحلية مياه البحر إلى 19 محطة في غضون العام الجاري، حيث تعكف الحكومة على إنجاز ثماني محطات على الشريط الساحلي بقدرة إنتاجية تبلغ 2.11 مليون متر مكعب يوميا.
وفي إطار المخطط الاستعجالي، جرى إنجاز ثلاث محطات تحلية بقدرة إنتاجية تبلغ 70 ألف متر مكعب يوميًا، موضّحاً أنّه تمّ استلام إثنتين (الباخرة المحطّمة والمرسى)، على أن تكون محطة القورصو جاهزة قريبًا لتعزيز الإنتاج بثمانين ألف متر مكعب إضافية.
ولفت إلى أن ” تحلية مياه البحر عملية معقدة تمر على خمس مراحل، ولذلك نتوخى الصرامة اللازمة قبل ضخ المياه المحلاة في شبكة الاستهلاك، فعمر محطة تحلية مياه البحر يصل إلى 25 سنة، ما يستوجب الحرص على الصيانة “.
وأكد على أنه “في آفاق العام 2050، ستتضاءل نسبة التساقط في الجزائر وشمال أفريقيا إلى 20 في المئة، ما يقتضي وضع مخطط ناجع يسمح باجتناب أي كارثة تخص تزويد المواطنين بالماء الشروب، وكخطوة استباقية،عممت الجزائر خطة إستراتيجية لاستثمار تحلية مياه البحر على مستوى الشريط الساحلي الكبير، تماما، كما هو حاصل في العالم الذي يستوعب 21 ألف محطة لتحلية مياه البحر”.
ويهدف المخطط الحكومي لمواجهة أزمة الجفاف، لتشييد محطات تحلية على كامل الشريط الساحلي الذي يزيد طوله عن 1200 كيلو متر، لتزويد المناطق الساحلية والداخلية على مسافة 150 كيلو مترا بمياه الشرب، فضلا عن التوجه إلى استغلال مياه التطهير ولو في الاستعمال الزراعي والصناعي، والتي يبقى إنتاجها محدودا لا يتجاوز الـ 500 مليون متر مكعب في السنة.
ويرى مدير التطوير بالشركة الجزائرية للطاقة المشرفة على مشروعات تحلية مياه البحر “سوناطراك”، أن “تحلية مياه البحر خيار إستراتيجي اتخذته الدولة لأنها تُمثل تقنية غير تقليدية ولا تعتمد على نسبة التساقط “.