الجزائر تقطع على الإخوان هامش المناورة بالقضية الفلسطينية

عبدالرزاق مقري ينتقد موقف السلطة تجاه حرب غزة.
السبت 2023/12/16
السلطة الجزائرية تدفع الإخوان إلى الهامش

حصر موقف السلطة تجاه ما يجري في قطاع غزة دفع جماعة الإخوان الجزائرية إلى الهامش ما أثار حفيظة قياداتها التي لجأت إلى التشكيك في نوايا السلطة. ولا تريد الجزائر انفلاتا بدعوى التضامن مع القضية الفلسطينية قد يتم استغلاله لأغراض سياسية.

الجزائر - عاد الزعيم السابق لحركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري، الممنوع من السفر خارج البلاد، إلى طرح وتقييم موقف الجزائر تجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بشكل يطرح شكوكا في الوفاء للموقف الرسمي للجزائر، ما يطرح تساؤلات حول خلفية الدواعي الحقيقية.

وأعطى الرئيس السابق لحركة “حمس” الإخوانية، والأمين العام لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة في منشور له على صفحته الرسمية في فيسبوك، الانطباع بأن الموقف الرسمي للجزائر تجاه الوضع في قطاع غزة والقضية الفلسطينية عموما، لا يرقى إلى ثوابت وتطلعات الجزائريين بمختلف خلفياتهم السياسية والأيديولوجية.

وبدا الرجل مشككا في خلفيات الالتفاف المعبر عنه من طرف قطاع عريض من الطبقة الحزبية والمجتمع المدني، حول موقف السلطة، وربط المسألة بالمزايا والمنافع السياسية، بينما فاجأته السلطة بقرار المنع من السفر، أثناء محاولة مغادرته للتراب الجزائري نحو الدوحة للقاء رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.

وظهر مقري، الذي غادر قيادة حركة “حمس” امتثالا لمبدأ التداول على المناصب القيادية في الظاهر، والتحضير للانتخابات الرئاسية القادمة في الباطن، ليل السابع إلى الثامن أكتوبر في شوارع وساحات بوسط العاصمة يحث الناس على التظاهر والتعبير عن التأييد لحماس ورفض العدوان الإسرائيلي. وردد في تسجيلات على شبكات التواصل الاجتماعي نفس الأفكار، وهي رسالة تلقفتها السلطة سريعا بتأطير الشارع وقطع الطريق على المناورات السياسية.

عبدالرزاق مقري: الجزائر لم تقدم شيئا لمحور المقاومة والممانعة
عبدالرزاق مقري: الجزائر لم تقدم شيئا لمحور المقاومة والممانعة

ورغم حسم السلطة الجزائرية في مسألة التطبيع، يرى مقري أنها لم تقدم شيئا للممانعة والمقاومة، وهو ما جاء في قوله “كان موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية قبل طوفان الأقصى مشكورا ضمن ظروف خاصة، ولكن بعد الطوفان وإلى الآن لا يوجد شيء مميز قدمته الجزائر للفلسطينيين في محنتهم الجارية على أرض غزة وفي الضفة الغربية”.

وأضاف “لا الخطاب الرسمي بالنسبة إلى غيرها متقدم، ولا حديثا سمعناه من المسؤولين عن الإدانة الواضحة للولايات المتحدة عن تخطيطها ومشاركتها في الجريمة، ولا الجسر الجوي الذي تم التصريح به سابقا ظهر أثناء أيام الهدنة، ولا سمح للشعب الجزائري أن يُعبّر عن غضبه من الصهاينة وحليفهم الأميركي، وعن تضامنه مع إخوانه المظلومين، كغيره من الشعوب، ولا المواد العينية التي جمعها الهلال الأحمر وبعض الجمعيات وجدت طريقها لمن جمعت لهم، ولا كان للجزائر دور دبلوماسي مؤثر واضح في حشد القوى الدولية لصالح أشقائنا المظلومين المقهورين، ولا حتى نقل المرضى والجرحى إلى المستشفيات الجزائرية قائم كما تفعل بعض الدول أخرى”.

وذهب المتحدث بعيدا في اختراق جدار الولاء السياسي والإعلامي، خاصة في ما يتردد عن الالتفاف حول المواقف الخارجية للدولة الجزائرية، الأمر الذي يعتبر سابقة في تاريخ الأحزاب السياسية والشخصيات المستقلة، حيث سلط مجهره على الموقف الرسمي للسلطة، وخاض في تفاصيل مختلفة، بات معها تدخل صناع القرار الدبلوماسي ضروريا لإطلاع الرأي العام قبل أن يكون ردا على مقري نفسه.

ويرى متابعون أن الموقف الجزائري لم تتم صياغته وحياكته بالشكل اللازم، الأمر الذي ألحق به شيئا من اللبس ومن الارتباك، فالنية التي بدأت تتجلى في عدم الانجرار إلى خندق المتاجرة بالوضع الفلسطيني وغزة تحديدا من طرف قوى إقليمية لم تخف مناوراتها ونواياها في فرض أبوّتها على المقاومة الفلسطينية، ولم تفض إلى طرح جديد يبتعد عن موقف المطبعين، وعن موقف المناورين، ويصنع لنفسه مسلكا يتم الحشد الدبلوماسي والشعبي له.

مقري يربط التفاف قطاع عريض من الطبقة الحزبية والمجتمع المدني حول موقف السلطة تجاه حرب غزة، بالمنافع السياسية

وعاب الرئيس السابق لـ”حمس”، على السلطة تذبذب خطابها المتداول في هذا الشأن، لدرجة “التسليم للذباب الإلكتروني الساذج بإدارة الدعاية الدبلوماسية”، حسب تعبيره، وقال “التحجّج بأن مصر رفضت مرور المساعدات الجزائرية، قول لا يستر التقصير، فالمساعدات التي تعطلت مساعدات شعبية، والجسر الجوي إنما تضمنه الدولة، وهل يعقل أن ترفض مصر الحمولات الإغاثية الجزائرية الرسمية، وأين هو إذن وزن دولتنا إن كان المنع المصري حقا؟ وأين هو مقابل الخدمة العظيمة التي قدمتها الجزائر بإرجاعها إلى الاتحاد الأفريقي بعد تعليق عضويتها إثر تنحية الجيش لمحمد مرسي وقدوم عبدالفتاح السيسي”.

ويضيف “من الخداع الذي ينشر كذلك: (أنتم لا تعرفون، هناك أشياء تقوم بها الجزائر لا تعرفونها)، وهذا لعمري جريمة لا تغتفر، كيف يحاول بعض من ليسوا لا في العير ولا في النفير تغليط الناس لتخفيف الضغط على النظام السياسي، فقط ليدعموا توجههم المهادن للنظام السياسي.. نحن في اتصال مباشر بالعديد من المسؤولين الفلسطينيين، من داخل غزة نفسها، وهم ينادون بأعلى صوت: أين الجزائر؟”.

وبدا المتحدث غير مطمئن لموقف بلاده التاريخي، ولدورها في دعم القضية الفلسطينية، معبرا عن أن “ثمة تحولات في الموضوع وقعت في فترة التسعينات أخذت تدفع بالجزائر إلى الاتجاه المعاكس، بل بدأت جهات نافذة في المجتمع والدولة تسعى خفية تارة وعلانية تارة أخرى لجر بلدنا إلى التطبيع”، لكنه لم يستند في طرحه الا لمسوغ واحد اختصره بالقول “كان نصيب الجزائر منها (موجة تطبيع عربية) بين 1999 و 2000 المصافحة المشؤومة بين بوتفليقة وإيهود باراك، ومحاولة دعوة أنريكو ماسياس للجزائر، وزيارة الوفد الصحفي الجزائري لدولة إسرائيل”.

واستذكر المتحدث رغبة أميركية منذ ثمانينات القرن الماضي، في أن تنأى الجزائر بنفسها وزخمها عن الملف الفلسطيني وتتركه كلية للمصريين، وهو تلميح منه إلى بقاء نفس الرغبة أو الطلب، مما أدى الى خفوت جذوة الحماس التي لفّت لقاء المصالحة الفلسطينية شهر نوفمبر 2022، وذوبانه بشكل مثير منذ عملية طوفان الأقصى.

وشدد على أن التقارب بين الجزائر وواشنطن لن يكون في صالح حماس، وأن الأخيرة رغم التزامها بمخرجات لقاء الجزائر، إلا أنها لم تحظ إلى الآن بأيّ دعم خاص بها، لا سياسيا ولا ماليا ولا عسكريا، وبقي الموقف الجزائري الرسمي أقرب إلى حركة فتح ولصالح منظمة التحرير الفلسطينية.

6