الجزائر تستعين بشرطة المياه لمحاربة الشح المائي

الجزائر - أولت الحكومة الجزائرية أهمية لافتة للوضع المائي في البلاد، في ظل ظهور بوادر موسم جفاف حاد يكون هو الثالث من نوعه على التوالي، وذلك باتخاذ حزمة من التدابير الاستعجالية من أجل توفير الماء الصالح للشرب وموارد السقي للمحاصيل الزراعية، ومن بين أهم تلك الإجراءات استحداث جهاز شرطة المياه.
وأقر مجلس الوزراء الجزائري خطة استعجالية لاقتصاد المياه، تحسبا لمواجهة موجة جفاف غير مسبوقة في تاريخ البلاد والمنطقة عموما، فضلا عن تداعيات تغيرات مناخية باتت تهدد الأمن المائي والغذائي، وبدأت تظهر في تراجع بعض المحاصيل الزراعية، وهو ما تريد الحكومة مواجهته بتعميم محطات تحلية مياه البحر، وإنشاء شرطة المياه، وإطلاق دراسات لتدقيق خزان المياه الجوفي.
مخاوف متصاعدة من فقدان البلاد للمزيد من مقدراتها الزراعية، مما يزيد في حجم الواردات خاصة في المجال الغذائي
ويبدو أن الحكومة لا تعول كثيرا على كميات التساقط المسجلة خلال الأسبوع الماضي، حيث تتواصل جهود تحقيق الأمن المائي للبلاد عبر إطلاق آليات مختلفة، وفي هذا الشأن عقدت في نفس الأسبوع ندوة لـ”الأمن المائي في الجزائر”، أين صرح مدير الوكالة الوطنية للسدود مهدي عقاد بأن مؤسسته “تتوقع ارتفاع قدرات تخزين المياه بالسدود الموزعة عبر الوطن إلى نحو 9 مليارات متر مكعب العام القادم”.
وأوضح بأن “قدرات تخزين المياه بالسدود الموزعة عبر الوطن البالغ عددها 80 سدا سترتفع من 8.3 مليار متر مكعب حاليا إلى نحو 9 مليارات متر مكعب سنة 2024 عقب دخول حيز الخدمة خمسة سدود جديدة، في انتظار الوصول إلى 12 مليار متر مكعب العام 2030”.
ولفت إلى أنه رغم توفر الجزائر على مصادر مياه متنوعة ما بين التقليدية كالمياه الجوفية والسطحية ومياه الأمطار، وغير التقليدية كمحطات تحلية مياه البحر، إلا أن البلاد لا تزال تعاني من العجز المستمر في تغطية احتياجاتها في ظل ارتفاع الطلب وشح مياه الأمطار خلال السنوات الأخيرة.
وتخطط الجزائر لتعويض شح مياه الأمطار وتغطية حاجيات السكان من ماء الشرب بنسبة 60 في المئة في آفاق العام 2030، بواسطة محطات تحلية مياه البحر البالغ عددها حاليا 11 محطة موزعة عبر عدد من المحافظات، والمرتقب تدعيمها بأخرى مستقبلا في عدد من المدن الساحلية كالعاصمة، بومرداس، بجاية، وهران والطارف.
وكان الرئيس عبدالمجيد تبون قد دعا في المجلس الأخير إلى “استنفار مصالح وزارات الداخلية والموارد المائية والفلاحة والصناعة والبيئة، على أوسع نطاق لإنشاء مخطط استعجالي، يهدف إلى سن سياسة جديدة، لاقتصاد المياه وطنيا، والحفاظ على الثروة المائية الجوفية”.
وشدد على “إعادة تحريك وبعث كل المشاريع المتوقفة، لمحطات تصفية المياه المستعملة، عبر المحافظات، وإدخالها قيد الاستغلال، لاستخدامها في الري الفلاحي، عوض المياه الجوفية، فضلا عن إنشاء مخطط لتعميم محطات تحلية مياه البحر، عبر كامل الشريط الساحلي، تجنبا لتداعيات الأوضاع المناخية الصعبة التي يمر بها العالم”.
كما ألح على الحكومة المراقبة الصارمة لتراخيص استغلال المياه الجوفية لسقي المساحات المزروعة، مع تسليط أقصى العقوبات ضد أعمال حفر الآبار غير المرخصة، إلى جانب تفعيل دور شرطة المياه، التي تختص في مراقبة مجالات استعمال المياه في كل المجالات ومحاربة التبذير، لمراقبة استغلال المياه، عبر الوطن.
وأقر مجلس الوزراء “استحداث مؤسسات ناشئة، في إطار منظور اقتصاد المياه والأمن المائي، متخصصة في تقنيات استغلال المياه المستعملة، وإنجاز دراسات علمية، عاجلا، لتحديد دقيق لوضعية معدل مياهنا الجوفية”.
وتعتمد الجزائر بشكل أساسي في التزود بالماء الصالح للشرب والسقي على مخزونات السدود التي تشهد تدهورا في السنوات الأخيرة بسبب الجفاف وغياب الصيانة، مما أثر على منسوب مخزوناتها التي لم تتعد نسبة الـ40 في المئة من طاقتها، الأمر الذي خلق حالة من التذبذب في توفير مياه الشرب والسقي بشكل لافت.
ويحصي قطاع المياه في الجزائر 80 سدا، بطاقة تخزين تقدر بنحو ثمانية مليارات لتر مكعب، منها 65 سدا حيز الخدمة أما الباقي فيبقى في حاجة إلى إعادة تأهيل وترميم، الأمر الذي يتطلب من الحكومة وضع مخطط ضخم على المديين المتوسط والبعيد لإعادة التوازن إلى القطاع.
وفيما يعود تاريخ بعض السدود إلى الحقبة الاستعمارية، فإن البلاد شهدت طفرة في هذا القطاع بداية من الألفية الجديدة، حيث تم تشييد نحو 44 سدا منذ العام 2000، لكن غياب الصيانة الدورية وعدم تسجيل مشروعات جديدة تماشيا مع الحاجيات المتصاعدة للمياه، يطرحان بقوة سيناريو عطش وجفاف في الأفق، لأن المنشآت المتوفرة لا توفر حاجيات البلاد المقدرة بأربعة مليارات لتر مكعب من المياه سنويا.
الجزائر تخطط لتعويض شح مياه الأمطار وتغطية حاجيات السكان من ماء الشرب بنسبة 60 في المئة في آفاق العام 2030، بواسطة محطات تحلية مياه البحر
ومع هذه المؤشرات المقلقة، تصاعدت المخاوف من فقدان البلاد للمزيد من مقدراتها الزراعية، مما يزيد في حجم فاتورة الواردات خاصة في المجال الغذائي، فإنتاج الحبوب الذي كان يوفر ثلث الحاجيات السنوية المقدرة بنحو 12 مليون طن، مهدد بالتراجع الكبير خلال موسم الحصاد القادم.
وكانت جمعيات زراعية قد أطلقت أجراس الإنذار جراء التداعيات المتسارعة للتغيرات المناخية في البلاد مما أدى إلى تراجع بعض المحاصيل الموسمية، على غرار العسل والحوامض، حيث تقلص إنتاج البرتقال واليوسفية في سهل متيجة بوسط البلاد بنحو 50 في المئة.
وسبق للبرلمان أن نظم ندوة حول “مستقبل الموارد المائية في الجزائر”، وتوج اللقاء بعدة توصيات تصب في “تفعيل كل السبل الممكنة لأجل الإسراع في إنجاز مشاريع التحويلات الكبرى بين سدود الجمهورية، وكذلك سدود التجميع”.
ودعت الندوة إلى “مضاعفة الحواجز المائية مع إعادة تأهيل المنشآت الحالية، وترميم وإعادة الاعتبار للسدود التي تسجل تسريبات من شأنها التأثير في طاقة استيعابها، وتوسيع شبكة مراكز تطهير المياه المستعملة لاسترجاع الكميات الهائلة من المياه لإعادة بعثها في شبكات السقي الفلاحي والاستعمال الصناعي غير الاستهلاكي”.