الجزائر تحرك دبلوماسيتها نحو الشرق الأوسط لاحتواء الأزمات الصامتة

لطالما غلب الفتور على علاقة الجزائر بمحيطها العربي، ما جعلها في شبه عزلة، واليوم تحاول القيادة الجزائرية تدارك الوضع من خلال تعزيز التواصل مع الدول العربية، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط والخليج، في ظل إدراكها بأن الاستمرار في ذات التوجه مكلف لها.
الجزائر - تتجه الجزائر إلى تعديل أوتار علاقاتها في الشرق الأوسط، بعد مرحلة من الفتور وحتى الأزمات الصامتة، والتي كلفتها شبه عزلة في العديد من الفترات. ويؤدي الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قريبا زيارة إلى الإمارات العربية المتحدة، هي الأولى له منذ تقلده منصب رئاسة البلاد، وذلك تلبية لدعوة سلمه إياها السفير الإماراتي بالجزائر يوسف سيف خميس آل علي، تضمنتها رسالة من نظيره الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وتعول الجزائر كثيرا على الزيارة المنتظرة لفتح آفاق جديدة بين البلدين، بما يعطي دفعا لعلاقات الجزائر مع دول المنطقة، بعدما عرفت حالة من الأزمات الصامتة والفتور منذ قدوم الرئيس تبون إلى قصر المرادية، وقائد الجيش الجنرال سعيد شنقريحة إلى قيادة الأركان، خلفا لسلفه أحمد قايد صالح.
ويبدو أن الجزائر تريد إعادة التوازن إلى عمقها العربي خاصة في منطقة الشرق الأوسط، التي تمر في هذه الفترة بتحولات كبرى. وقام رئيس مجلس الشورى السعودي الشيخ عبدالله بن محمد آل الشيخ، مؤخرا بزيارة إلى الجزائر، في خطوة إيجابية وتستهدف على ما يبدو كسر الفتور الذي يشوب العلاقات الثنائية.
◙ الجزائر تريد إعادة التوازن إلى عمقها العربي خاصة في منطقة الشرق الأوسط، التي تمر في هذه الفترة بتحولات كبرى
وتأتي الزيارة في أعقاب انزعاج جزائري من اجتماع جدة الذي جمع وزراء خارجية دول الخليج ودول عربية أخرى، خلال الشهر الماضي، من أجل دراسة إدماج سوريا في الجامعة العربية مجددا بداية من القمة العربية القادمة، بينما لم تدع إليه الجزائر، لا كبلد مغاربي ولا كرئيس دوري للقمة العربية.
وأشاد رئيس مجلس الشورى السعودي بجهود الجزائر في دعم القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وكذلك في دعم مساعي المملكة العربية السعودية في جميع الجوانب. وأضاف في تصريح له عقب استقباله من طرف الرئيس تبون "الجزائر كانت من أولى الدول المبادرة بتأييد تلك المساعي، وأن هناك تنسيقا مستمرا بين الجزائر والسعودية في هذا المجال، وأن اللقاء مع الرئيس تبون كان مفيدا ومشرقا"، وقد نقل له "تحيات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده".
وأضاف "قمت بإطلاع الرئيس تبون حول ما يتم حاليا في المملكة العربية السعودية، من مساع عديدة في الجوانب السياسية والاقتصادية، والجوانب التي تتعدى حدود المملكة إلى الدول العربية والإسلامية ودول العالم".
ولفت إلى أن زيارته للجزائر تعكس العلاقات القوية بين المملكة والجزائر والعلاقة الأخوية بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بين سلمان والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، “كما تأتي في السياق الطبيعي الذي ينبغي أن يكون أقوى وأكثر صلة وعطاء". ومن جهة أخرى استقبل رئيس أركان الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة، رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية اللواء يوسف أحمد الحنيطي الذي يقوم بزيارة عمل إلى الجزائر على رأس وفد عسكري هام.
وأوضح بيان لوزارة الدفاع الجزائرية أن “الطرفين تطرقا خلال هذا اللقاء الذي حضره الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني وقادة القوات ورؤساء الدوائر ومديرون مركزيون من أركان الجيش الوطني الشعبي ووزارة الدفاع الوطني وأعضاء الوفد العسكري الأردني الشقيق، إلى التحديات الأمنية في المنطقة العربية والقارة الأفريقية وتبادلا وجهات النظر حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، وكذلك الوسائل الكفيلة بتعزيز علاقات التعاون العسكري بين البلدين الشقيقين".
وتوجه قائد الجيش الجزائري إلى نظيره الأردني "زيارتكم هذه التي تأتي في سياق الزيارة التي أداها جلالة الملك عبدالله الثاني إلى الجزائر، شهر ديسمبر 2022، بدعوة من أخيه السيد عبدالمجيد تبون، رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، والتي، فضلا عن كونها تهدف إلى توطيد روابط الأخوة والمودة بين البلدين، فقد سمحت بترسيخ علاقات التعاون في العديد من القطاعات".
وأكد أن "مواجهة مختلف التهديدات يتعين أن يكون محل تشاور وطيد وإقامة تعاون عسكري - أمني متنوع ومفيد لجميع الأطراف الجهوية الفاعلة، تطبعه الموضوعية والصراحة ويغلب المقاربات الوطنية والجهوية، وفي هذا الصدد، لا يسعني إلا أن أنوه بعلاقات التعاون العسكري الثنائي بين بلدينا التي يطبعها التفاهم المتبادل وتتجسد من خلال مجالات عدة، كل ذلك وفقا للإرادة العازمة التي تحدو السلطات العليا للبلدين".
وكانت الحكومة الجزائرية قد عبرت عن استعدادها لتلبية حاجيات الأردن وسوريا من النفط والغاز، وأن اتفاقيات في هذا الشأن ينتظر إبرامها قريبا، الأمر الذي سيفتح المجال أمام عودة الدفء إلى العلاقات الجزائرية مع دول الشرق الأوسط، بعد مرحلة خيم عليها الفتور، بسبب التقارب الجزائري - الإيراني، وعدم مشاركتها من بادئ الأمر في القوة العربية المشتركة لإعادة الشرعية اليمن.