الجزائر أمام مشكلة التعامل مع المثلية الجنسية

الجزائر - فتحت الحملة الدعائية التي قررتها وزارة التجارة الجزائرية لمحاربة رموز المثلية الجنسية في البضائع والمنتوجات المعروضة في الأسواق، بدعوى أنها تمثل جزءا من مخطط تغلغل المثلية داخل المجتمع، المجال أمام إثارة واحد من المواضيع المسكوت عنها، رغم مساعي بعض منتسبيها لإثارة اهتمام الرأي العام الدولي والحقوقي عبر شكاوى طرحت لدى مجلس حقوق الإنسان الأممي، ومنظمة العفو الدولية.
واستغل ناشطون مثليون في الجزائر حملة وزير التجارة وتطوير الصادرات كمال رزيق، لإثارة اهتمام الرأي العام الدولي والحقوقي، لإثبات حالة التعسف والتمييز وسوء المعاملة التي يعاني منها هؤلاء من طرف مؤسسات رسمية في الدولة.
حملة وزارة التجارة الجزائرية ومن ورائها دوائر دينية، تعد انقلابا على ما وصف بـ"مكسب مجتمع الميم الجزائري"
وكانت وضعية المثليين، من ضمن التوصيات والتساؤلات التي طرحت على الحكومة الجزائرية، خلال العرض الدوري لوضعية الحقوق والحريات في البلاد، خلال نوفمبر الماضي، من طرف أعضاء في مجلس حقوق الإنسان الأممي، وينتظر أن يتم الرد عليها إلى جانب اهتمامات أخرى في مجال الحقوق والحريات خلال شهر مارس القادم.
وفيما التزم النسيج السياسي والمدني والحقوقي الصمت تجاه مضمون وخلفيات حملة الوزارة، تضاربت ردود الفعل في شبكات التواصل الاجتماعي، بين داعم لها من طرف التيارات الإسلامية والمحافظة، بدعوى قطع الطريق على سلوكيات وممارسات غريبة عن المجتمع وعن الثوابت، قابلها آخرون بسيل من التعليقات الساخرة ليس تضامنا مع فئة المثليين، وإنما انتقادا لأداء السلطة وتوظيفاتها السياسية والأيديولوجية لمختلف المسائل دون تقدير عواقبها، قياسا بالامتدادات والروابط الإقليمية والدولية لمجتمع الميم.
وانتقد البعض حملة وزارة التجارة، بسبب ما أسموه بـ”إعطاء فرصة مجانية لهؤلاء للتشكي لدى الرأي العام الدولي والحقوقي، وتمكينهم من ذريعة التمييز والقمع الرسمي والشعبي، كما فتحت المجال للترويج بطريقة غير مباشرة للمثليين في البلاد، فضلا عن شيطنة الألوان الطبيعية خاصة لدى الأطفال الشغوفين والميالين للألوان
بطبيعتهم”.
ولا يُعترف شعبيا ولا رسميا في الجزائر بفئة المثليين، وهي محل ازدراء وتنمر، ويتم التكتم على وجود هؤلاء الأفراد من الجنسين، حيث يمارسون ميولاتهم في الأماكن المغلقة والمساحات الضيقة، رغم أن في السنوات الأخيرة بدأ يتم كسر حواجز الصمت في بعض الملاهي الليلية وحارات محدودة ببعض المدن الكبرى كالعاصمة ووهران.
وساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في إخراج المخزون المثلي داخل المجتمع، حيث تخصصت صفحات ومجموعات في استقطاب أصحاب الميول الجنسية، وهو ما يعتبر خطوة في طريق التمكين لمجتمع الميم داخل بيئة يغلب عليها الطابع الديني والمحافظ.
وفيما تضاربت الروايات حول جذور التعبير عن الميل المثلي داخل المجتمع الجزائري، فإن الثابت أنها انطلقت من ملاهي ليلية منذ خمسينات القرن الماضي، ويشير البعض إلى أن الفنانة الشيخة الرميتي (سعدية بضياف)، التي تعد إحدى رموز أغنية الراي، كانت امرأة مثلية، وذلك استنتجا من كلمات أغانيها التي تعبر عن الطرف الآخر بصيغة الأنثى، أما في السنوات الأخيرة، فقد ظهر فنان أغنية “المداحات” هواري منار، بشكل أكثر شهرة وعلانية.
وتعد الخطوة التي قامت بها وزارة التجارة الجزائرية ومن ورائها دوائر دينية ومحافظة، انقلابا على ما وصف بـ”مكسب مجتمع الميم الجزائري”، خلال العشرية الأولى من الألفية الحالية، لما بدأ يتم الحديث عن امتيازات وبطاقات هوية خاصة سرية تسلم لأعضاء الفئة، ووصل الأمر إلى إطلاق جمعية “ألوان” غير المعتمدة في 2011، وطرحت حينها فرضية تأييد غير معلن من هرم السلطة للمجتمع المذكور.
وأطلق شباب من المثليين والعابرين جنسيا جمعية “ألوان”، وتنشط من أجل تغيير أوضاع المثليين والدفاع عن أفراد مجتمع الميم في البلاد، وتتخذ من شبكات التواصل الاجتماعي منصة لممارسة نشاطها وحشد الدعم واستقطاب الأعضاء، وسط السرية والتخفي عن أنظار المناهضين في المؤسسات الرسمية والمجتمع بشكل عام.
وتسعى الجمعية التي يتابعها الآلاف على صفحتها، إلى استقطاب الراغبين في تغيير ميولاتهم الجنسية في الجزائر، وإلى إلغاء تجريم المثلية الجنسية في قانون العقوبات الجزائري ومحاربة رهاب المثلية، وتوفير مساحة للتبادل والتعبير للمثليين والمساهمة في مكافحة الأمراض المتنقلة جنسيا بين مجتمع الميم.
ويعالج التشريع الجزائري الظاهرة بنص المادة 338 من قانون العقوبات التي تنص على أن “كل من ارتكب فعلا من أفعال الشذوذ الجنسي على شخص من نـفـس جنسه يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة”، وقد تصل العقوبة إلى ثلاث سنوات في حال كان أحد الجناة قاصرا.
يذكر أن حملة الوزارة صممت تحت شعار “احمي أهلك، احذر المنتجات التي تحمل ألوانا ورموزا مخالفة للإسلام وقيمنا الأخلاقية”. وانطلقت من المقر الرئيسي لوزارة التجارة وترقية الصادرات، وامتدت عبر جميع الولايات الجزائرية الـ58. وكانت مدعومة بحملة إعلامية ورسائل مستهدفة. ووزعت الشرطة والمسؤولون الآخرون معلومات للجمهور حول الأعلام والرموز المتعلقة بهويات مجتمع الميم، مثل علم المتحولين جنسيا وعلم اللاجنسية وعلم الفخر، بما يسلط الضوء على الفرق بين قوس قزح الذي يحتوي على سبعة ألوان والعلم الذي يحتوي على ستة.
وصرح الوزير رزيق “صادرنا 38542 قطعة تحمل ألوان قوس قزح، بما في ذلك أدوات مدرسية وألعاب أطفال، بالإضافة إلى 4561 نسخة من القرآن بهذه الألوان”.
لا يُعترف شعبيا ولا رسميا في الجزائر بفئة المثليين، وهي محل ازدراء وتنمر، ويتم التكتم على وجود هؤلاء الأفراد من الجنسين
وتطابق تصريح لوزير الداخلية السابق صلاح الدين دحمون، العام 2019، حول ما أسماه بـ”تغلغل فئة المثليين داخل الحراك الشعبي، من أجل طرح مطالب تمس بشخصية وثوابت المجتمع الجزائري”، مع تصريح ناشط في الجمعية المذكورة، لوكالة يورونيوز، جاء فيه “إنه من غير المنطقي الخروج للمطالبة بالديمقراطية والدولة المدنية وفي نفس الوقت نبذ وسب الآخر بسبب الاختلاف”.
وأضاف “الجزائر الجديدة يجب أن يكون فيها مكان لكل الجزائريين بشتى اختلافاتهم سواء كانت سياسية عقائدية أو جنسية”، كما طلب من الفئة الصامتة “الحديث وعدم الخوف والتعبير عن رأيها وموقفها من مجتمع الميم وعدم ترك فئة أصحاب رهاب المثلية تؤثر عليهم”.
وهذا ما يوحي بأن المجتمع الذي كان يأمل في إضفاء حريات واسعة بسبب الحراك الشعبي، اصطدم بمناهضة السلطة الجديدة في البلاد، وأن حملة وزير التجارة تمثل موقفا بعينه داخل دوائر القرار وليس مبادرة شخصية كما يذكر البعض.
وتُجهل إلى حد الآن أي معلومات وتفاصيل حول مجتمع الميم في الجزائر، في ظل الإجماع القائم بين السلطة وقطاعات شعبية عريضة على رفض وجوده والتكتم عليه، فضلا عن أن المعنيين لم يتمكنوا من تنظيم أو هيكلة أنفسهم.
ويسود إجماع شبه كلي، على المجتمع المذكور، بأنه فئة تستهدف إشاعة الانحلال الأخلاقي وطعن الثوابت الحضارية والروحية للمجتمع، مستغلة قيم الحرية الغربية لنقل نماذج منبوذة إلى مجتمعاتهم، كما يرفضون رفضا مطلقا أي مبرر للأسباب العضوية والهرمونية للميل الجنسي.
وفيما يهتم نشطاء ومناضلون بالدفاع عن الحقوق والحريات، إلا أنه لم يحدث أن فتح المجال للحديث عن المجتمع المذكور، ولا يسجل في هذا الشأن إلا موقف الأديب والروائي أنور بن مالك، الذي أدين بعقوبة قضائية العام 2020 بسبب دعمه للزواج المثلي.