الجزائر: أحزاب الموالاة تشعل حروب المواقع

الخميس 2018/01/04

بعد الضجّة العارمة والمخاوف التي أثارتها مظاهرات المنطقة الأمازيغية مؤخرا، ثم هدأت هذا الأسبوع وذلك بعد صدور القرار الرئاسي القاضي بترسيم السنة الأمازيغية في الدستور كعيد وطني معترف به رسميا وكذلك إنشاء الأكاديمية الخاصة باللغة الأمازيغية، ها هي أحزاب الموالاة الجزائرية تشعل الآن حروبا من طراز حروب المواقع التي يهدف مفجرّوها إلى السيطرة على الأجواء السياسية ذات الصلة بترسيخ الهيمنة السياسية وباختبار ردود فعل القاعدة الشعبية في الجزائر العميقة بخصوص الاستحقاقات الرئاسية القادمة.

الطريف أن حروب المواقع هذه تحدث بين أحزاب الموالاة التي تسبّح بحمد النظام الحاكم وفي الطليعة حزب جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، في الوقت الذي نجد فيه الأحزاب المعارضة تقف داخل الدائرة الرمادية ويغلف مواقفها سديم الصمت، ما عدا بعض التحركات الشكلية التي تصدر عنها بالأقساط وهي في الغالب لا تتجاوز نطاق التصريحات غير الفاعلة من طرف هذا الحزب المعارض أو ذاك، وفي المقدمة حزب جبهة العدالة وحزب حركة مجتمع السلم الإسلاميين، وحزب القوى الاشتراكية العلماني المتجذر في المنطقة الأمازيغية.

يبدو أن الصراع الراهن هو صراع عقائدي بين كل من حزب جبهة التحرير الوطني بقيادة أمينه العام جمال ولد عباس المنحدر من محافظة تلمسان بالغرب الجزائري، وبين حزب التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة أمينه العام والوزير الأول أحمد أويحيى المنحدر من المنطقة القبائلية وتحديدا من محافظة تيزي وزو، ويمثل أيضا بداية لرسم المعالم الأيديولوجية التي تحدد موقع حتى الأجنحة السياسية داخل النظام الحاكم نفسه وذلك تمهيدا للسباق الرئاسي الذي سيجري بعد نهاية هذا العام الجديد.

في هذا السياق تحاول أجهزة النظام تسويق فكرة تتلخّص في أن الوضع السياسي في عقر دار السلطة الحاكمة غير جامد بل هو وضع ديناميكي، كما أن الخلافات بين حزب جبهة التحرير الوطني، الذي يرفض خوصصة المؤسسات العمومية الكبرى، وبين حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يحبّذ المضي في طريق اقتصاد السوق مع الاحتفاظ ببعض المؤسسات العمومية الكبرى، هي عناوين للاجتهادات المختلفة التي ترمي إلى بناء عناصر الهوية العقائدية للحياة السياسية الوطنية من جهة، ومن جهة أخرى فهي بحسب زعم النظام الحاكم دليل على توفَر أفق سياسي تعددي مفتوح للنشاط الفكري الديمقراطي في الجزائر.

على أساس هذا السيناريو نجد السلطات الجزائرية تحاول بكل الوسائل أن تبني للشعب الجزائري قصورا من الوهم، وأن توصل إلى المواطنين رسائل مضمونها أن الصراع الذي يروّج له في هذه الأيام في وسائل الإعلام الجزائرية يدخل في إطار الحراك الطبيعي وضمن محاولة لتنشيط وتوليد الأفكار والتصورات السياسية. على هذا الأساس يريد النظام الجزائري أن يفحم عددا من الشخصيات والأحزاب السياسية المعارضة التي ترى بأن الصراع الذي لا يزال جاثما على المناطق المعتّمة داخل دواليب السلطة هو صراع مغرق في التقليدية والانغلاق ويعبر عن أزمة النظام الجزائري.

وفي هذا الخصوص هناك من يرافع مبرزا أن هذا الصراع في بيت السلطة له جانبان أولهما يتمثل في وجود تناقضات جذرية داخل أجنحة السلطة نفسها وتحديدا بين الفصيل الرأسمالي المتطرف وبين بقايا الشخصيات السياسية التقليدية التي لا تزال تحنَ إلى العهد الاشتراكي المركزي والتقليدي البومديني، وثانيهما يمكن تلخيصه في تأكيد عناصر جزائرية معارضة على أن هذا الصراع بين أحزاب الموالاة هو ترجمة مواربة لعدم تخلص الجزائر من مرض الجهوية الذي يتكئ على ما يصطلح عليه بالتمايزات الإثنية، والذي يبرز في صورة عصبيات حكم عسكري وأمني متمركز جهويا، ويعلن عن نفسه في الأزمات الكبرى وفي مواسم الانتخابات المختلة. وبتعبير آخر فإن هناك محللين استراتيجيين يرون بأن جماعة تلمسان بالغرب الجزائري تسعى بكل الوسائل للبقاء في الحكم وخاصة في جهاز الرئاسة الذي يهيمن على صنع القرارات في الجزائر.

وفي الواقع فإن ما يطفو من خلافات بين أحزاب السلطة هو تلميع لوجه النظام الحاكم بواسطة إظهاره لأحزاب الموالاة بأنها تمارس نقد بعضها البعض وتحافظ على ما يسمّى بهامش النقاش الخلافي، كأن يسمح مثلا، بوصف حزب التجمع الوطني الديمقراطي بأنه رأسمالي وبوصف حزب جبهة التحرير الوطني بأنه اشتراكي يحاول أن يثني الوزير الأول أويحيى عن بيع جزء من مؤسسات القطاع العام للقطاع الخاص.

كاتب جزائري

9