الجدل يحتدم مع ارتفاع درجات الحرارة: من يتحمل تكاليف تغير المناخ

تضغط بعض الدول الأوروبية لتغيير قائمة المانحين لمكافحة تغير المناخ قبل إطلاق هدف الأمم المتحدة الجديد لتمويل جهود المناخ بعد عام 2025. وتلقى هذه الضغوط مقاومة خاصة من الصين وبعض دول الخليج.
بروكسل/بكين - يحتدم الجدل بين الحكومات حول الدول التي يجب أن تتحمل كلفة تغير المناخ مع ارتفاع درجات الحرارة في الصين إلى مستوى قياسي واضطرار السلطات في سويسرا إلى إخلاء قرى جراء اندلاع حرائق الغابات فضلا عن الجفاف الذي دمر محاصيل في إسبانيا.
وركزت محادثات حول المناخ هذا الأسبوع بين الولايات المتحدة والصين على هذه المسألة إذ حاول أكبر اقتصادين في العالم إيجاد سبل للعمل معا على ملفات بدءا من نشر الطاقة المتجددة ووصولا إلى تمويل المشاريع المرتبطة بالمناخ قبل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28) الذي من المقرر أن يقام هذا العام في دبي.
ويتزايد الضغط على بكين للانضمام إلى مجموعة الدول التي تقدم هذا التمويل نظرا لتسارع وتيرة نموها الاقتصادي وانبعاثاتها.
مقاومة الصين تعكس التحديات الخطيرة التي تواجهها هذه الجهود. ويتطلب تغيير قائمة المانحين توافقا دوليا
وقال المبعوث الأميركي للمناخ جون كيري خلال المحادثات التي جرت في بكين “إن الجانبين سيواصلان مناقشة التمويل المتعلق بالمناخ خلال الأشهر الأربعة المقبلة التي تسبق انعقاد كوب 28 في 30 نوفمبر”.
وقال دبلوماسي من إحدى دول الاتحاد الأوروبي لرويترز “من الصعب أن يظل وضع دول مثل الصين أو البرازيل أو المملكة العربية السعودية في نفس مستوى الدول الأقل تقدما والدول الجزرية الصغيرة النامية”.
ويمارس الاتحاد الأوروبي، وهو اليوم أكبر مساهم في تمويل مشروعات التصدي لآثار تغير المناخ، ضغوطا لتوسيع قاعدة الدول المقدمة للتمويل.
ويعني التمويل المتعلق بالمناخ تلك الأموال التي تدفعها الدول الغنية لمساعدة الدول الأفقر على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والتكيف مع عالم يشهد ارتفاعا متزايدا لدرجات الحرارة وما يصحب ذلك من صعوبات.
وإلى حد الآن لم تقدم الدول الغنية الملزمة بسداد هذه المدفوعات كامل المبالغ النقدية التي تعهدت بها. وجرى تحديد قائمة الدول التي تدفع التمويل خلال محادثات المناخ التي أجرتها الأمم المتحدة في عام 1992 عندما كان اقتصاد الصين لا يزال أصغر من اقتصاد إيطاليا.
لكن بعض الدول تطالب الصين الآن بالمساهمة. وأشار مسؤولون أميركيون، منهم وزيرة الخزانة جانيت يلين، إلى أن مساهمات الصين ستعزز فاعلية صندوق المناخ التابع للأمم المتحدة.
ومن الدول الأخرى التي تتعرض لضغوط مماثلة قطر وسنغافورة والإمارات العربية المتحدة، وهي ثلاث من أغنى دول العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. ولا تزال الصين تقاوم دعوات للانضمام إلى الدول الغنية بخصوص هذا الأمر.
وشدد لي كه تشيانغ رئيس مجلس الدولة (رئيس الوزراء) الصيني، خلال اجتماع مع كيري الثلاثاء، على أن “الدول المتقدمة يجب أن تفي بالتزاماتها المتعلقة بتمويل المناخ التي لم يتم الوفاء بها وأن تأخذ زمام المبادرة في خفض الانبعاثات”، وفقا لمكتب لي. كما اقترح أن تقدم الدول النامية مساهمات “في حدود
قدراتها”.
وتعكس مقاومة الصين التحديات الخطيرة التي تواجهها مثل هذه الجهود. ويتطلب تغيير قائمة المانحين الرسمية للأمم المتحدة توافقا دوليا.
وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي، طلب عدم الكشف عن هويته، “هناك مقاومة كبيرة جدا من دول مثل الصين والسعودية لعملية تغيير قائمة الدول المحددة”.
ويرى مؤيدو تغيير القائمة ضرورة إقرار هذا التوسيع قبل إطلاق هدف الأمم المتحدة الجديد لتمويل جهود المناخ بعد عام 2025 والذي ربما يكون أكبر بكثير. ولا تزال البلدان بحاجة إلى التفاوض حول حجم هذا الهدف ومن سيساهم فيه.
وقال السفير باوليلاي لوتيرو، الذي يرأس تحالف الدول الجزرية الصغيرة، “يجب على جميع الدول القادرة أن تساهم في تمويل الجهود المبذولة في مجال المناخ عالميا”.
يستند ترتيب تمويل الأمم المتحدة المتعلق بالمناخ إلى مبدأ تحمل الدول الغنية مسؤولية أكبر في مواجهة آثار تغير المناخ لأنها ساهمت في الجزء الأكبر من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسؤولة عن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض منذ الثورة الصناعية.
وانبعاثات الولايات المتحدة التاريخية من ثاني أكسيد الكربون أكبر من انبعاثات أي دولة أخرى، لكن الصين صارت اليوم أكبر مصْدر لمثل هذه الانبعاثات في العالم من حيث التلوث الناتج كل عام.
وستواجه الدول مسؤولية تاريخية خلال كوب 28، مع سعيها لإطلاق صندوق جديد لتعويض الدول الأكثر عرضة للمخاطر عن التكاليف التي تتكبدها بالفعل جراء الكوارث الطبيعية التي يسببها تغير المناخ.
وتخلى الاتحاد الأوروبي العام الماضي عن مقاومته المستمرة منذ سنوات لهذا الصندوق لكن بشرط أن تساهم مجموعة أكبر من الدول في تمويله. ولم تقرر مختلف الدول بعد ما إذا كانت ستساهم في التمويل.
وتَلزم الولايات المتحدة الحذر إزاء تقديم مدفوعات يمكن اعتبارها تعويضات عن آثار تغير المناخ.
وتساهم بالفعل بعض الدول غير الملزمة بالمساهمة في صناديق المناخ التابعة للأمم المتحدة، ومنها كوريا الجنوبية وقطر، فيما بدأت دول أخرى توجيه مساعدات عبر قنوات متنوعة.
وأطلقت الصين صندوق التعاون المناخي بين بلدان الجنوب في عام 2015 لمساعدة أقل البلدان نموا على التصدي لآثار تغير المناخ. وذكر مركز “إي 3 جي” للأبحاث أن الصين قدمت حتى الآن نحو عشرة في المئة من التعهدات البالغة 3.1 مليار دولار.
ويعد ذلك قدرا يسيرا مقارنة بمئات المليارات التي تنفقها بكين على مبادرة الحزام والطريق لدعم مشروعات منها خطوط أنابيب نفط وموانئ.
وتسمح مثل هذه الترتيبات للبلدان بالمساهمة دون أن تُلزم نفسها بذلك. غير أن تنفيذها خارج إطار الأمم المتحدة للتمويل يجعلها عرضة لمعايير أقل صرامة فيما يتعلق بالنشر العام ومن ثم يصعب تتبع أين تذهب الأموال التي يتم دفعها.
وقال بايفورد تسانج، كبير مستشاري السياسة لدى “إي 3 جي”، إن “عرض الصين للمزيد من التمويل المتعلق بالمناخ سيكون بالنسبة إلى بكين مكسبا في كل الحالات”. وأضاف “سيدعم ذلك تزايد نفوذ الصين الدبلوماسي كما سيضغط على المانحين الغربيين لزيادة حصصهم التمويلية”.
وتبحث بعض البلدان، الأكثر عرضة لمخاطر تغير المناخ والمحبطة من ضعف التمويل حتى الآن، عن مصادر مالية جديدة. وتعمل مبادرة بريدج تاون التي تقودها باربادوس على التنسيق مع بنوك التنمية متعددة الأطراف حتى تتمكن من تقديم المزيد من الدعم لمشاريع المناخ، في حين تدعم دول أخرى ضريبة عالمية على ثاني أكسيد الكربون فيما يتصل بعمليات الشحن حتى يتسنى لها جمع الأموال.