"الجثة".. ما بعد الانهيار العظيم هنالك عبث ولعب ورعب

فيلم مليء بالمفاجآت القاسية أشبه بصندوق باندورا.
الأحد 2021/04/25
فندق غامض يخفي مجازر بشعة

تتكرر في أفلام أبوكاليبسو مشاهد الأماكن الموحشة والمخرّبة والدمار الكبير وما خلفته من إبادة للجنس البشري، فيما يبقى هنالك في كل مرة ناجون يقاومون بضراوة من أجل البقاء. وتحاول هذه الأعمال استخراج ما في أعماق البشر من شرور والغوص فيها لاكتشاف الحقائق والتأسيس لأفكار مجددة رغم عنفها.

يخوض الفيلم النرويجي “الجثة” للمخرج جاراند هيردال في أجواء أفلام أبوكاليبسو المشحونة بالخراب والعنف، ولكنه لن يتوقّف كما توقّفت أفلام الخيال العلمي المكرّسة للديستوبيا الأرضية عند مرحلة ما بعد الانهيار، بل إنه يعنى بمن بقوا هنا في بقعة من الكرة الأرضية وهم يمارسون حياتهم فيما الجوع يهدّدهم باستمرار.

تتوضح عوالم الفيلم من خلال وجهة نظر ليونورا (الممثلة غيتا ويت) وهي ممثلة مسرحية سابقة تعيش كوابيس الحرب أو الضربة النووية التي خلّفت وراءها كل ذلك الخراب، ولكسر أجواء الكآبة والقلق سوف تستجيب هي وزوجها جاكوب (الممثل توماس غوليستاد) وطفلتهما لدعوة إلى حضور حفل عشاء في فندق فخم ويتخلل ذلك عرض خاص.

صندوق باندورا

 

في الفيلم تختلط مساحة عريضة من الغموض الذي يفضي إلى مطاردات تتعرض لها الشخصيات وعمليات اختفاء مفاجئة

تلك هي ثيمة هذا الفيلم وها هم المدعوون عليهم أن يرتدوا أقنعة لغرض تمييزهم عن الممثلين الحقيقيين والقائمين على العرض، ينهمك المدعوون من فرط الجوع في التهام ما أمامهم من طعام، ثم ينطلقون إلى المتاهة.

هنا سوف تتحول تلك الدراما السينمائية إلى نوع من اللعب والتسلية من وجهة نظر ماثياس (الممثل ثوربان هار) مخرج العرض وصاحب الدعوة، لكنها تسلية غامضة بل ومريبة، لاسيما وأنه يهتم بشكل خاص بالطفلة ويسمح بمشاركتها رغم أن المكان غير مسموح فيه للأطفال بالمشاركة.

الدخول إلى عالم ماثياس سوف يتعلق بجغرافية المكان الغامض، بالسلالم والتشعبات والغرف الخفية والممرات المظلمة، حيث الشخصيات تتنقل بين الغرف لمشاهدة الممثلين والتفاعل معهم، لكن في تلك اللحظات ستختفي الطفلة أليس، وهو ما يدفع الأم إلى البحث عن ابنتها ببسالة وصبر.

تختلط في الفيلم مساحة عريضة من الغموض الذي يفضي إلى مطاردات تتعرض لها الشخصيات وعمليات اختفاء مفاجئة لا تعرف أسبابها، وهو ما أثار سؤال ليونورا الذي لم تستطع الإجابة عنه، أين ذهب كل أولئك الناس وأين اختفوا فجأة؟.

في موازاة ذلك سوف تكتشف تباعا تلك العيون الراصدة التي تراقب كل شيء من خلال عيون شخصيات أو حيوانات مرسومة على الجدران حتى تكتشف زراً سريّاً مخبأ يقودها إلى المزيد من المتاهات.

في مشاهد لاحقة سوف تتعمق تلك الدراما الفيلمية لتستوعب المزيد من التشويق والترقب، فسؤال المكان والأحداث والشخصيات الغامضة سوف يبقى سؤالا ملحا ودون إجابة، لاسيما وأن كل ما هو معروض يختلط فيه الوهم بالحقيقة وبالخيال في عمليات إلهاء متلاحقة لأولئك الضيوف وهم يتنقلون بحسن نية من مكان إلى آخر غير مدركين الخطورة التي تطوقهم من كل جانب، وتستهدف حياتهم تباعا وبلا توقف فالدائرة تدور على الجميع.

على أن استمرار بحث ليونورا عن ابنتها وفضولها القوي وشكوكها هي التي قادتها إلى سلسلة من المفاجآت، وكأنها غارقة في صندوق باندورا المحمّل بالأسرار لينتهي الأمر بصدمة قاسية، أن ذلك الفندق الفخم ذا المستوى الأرستقراطي يخفي في قاعه مجزرة للأجساد البشرية، وتكاد هي يأتيها الدور، ومن يقع في أيدي أولئك السفّاحين تحت قيادة ماثياس أمامه اختياران اثنان فإما العمل معهم وارتكاب تلك الفظائع أو الموت وتقطيع الأوصال.

في تلك الذروة لا يكاد أحد يصدق ما ترويه ليونورا حتى تعود إلى سيرتها الأولى متقمصة شخصية مسرحية لإيهام الضحايا الجدد بأنها من ضمن فريق العرض، وبذلك سوف يتبعونها وهي تتنقل بهم في أقبية المكان وسط هلع ماثياس ومحاولته إيقافها دون جدوى.

مسرح في السينما

لا شك أن الفيلم بدا مكتنزا بخطوطه السردية وبمساحة اللعب المختلطة بالحبكة الرئيسية والحبكات الثانوية، فاللعب القائم على الخديعة هو الذي وفر أن تنمو تلك الخطوط السردية فيما كانت متعة الاكتشاف المفضي إلى الصدمة عنصرا أساسيا في هذا الفيلم.

وخلال ذلك كانت مسارات السرد تلتقي عند نظرية المؤامرة التي تحفّ بأولئك المنظمين فضلا عن الأسئلة دون إجابات، تلك التي كانت تحيط بهم أيضا والتي مكنت ليونورا من كشف الأسرار كاملة وفضحها ولكن بعد فقدانها زوجها.

أما إذا نظرنا جيدا إلى استخدامات العناصر البصرية فسوف نجد أن الفيلم بما تقتضيه المشاهد من شحن نفسي وعاطفي قد وظف عنصر الصورة بكفاءة سواء من ناحية حركة الكاميرا ورصدها الدقيق أو من ناحية استخدامات الإضاءة المتنوعة وخاصة مع تلك الدهاليز الغريبة والمنعرجات التي أفضت بالنتيجة إلى ما توصلت إليه ليونورا من فك ألغاز المكان وما يخبئه ذلك البرنامج من فظائع.

وأما فيما يتعلق بأداء الشخصيات فلا شك أننا شاهدنا تنوّعا ملفتا للنظر بسبب كثرة الشخصيات وكونها جميعا مشاركة في صنع دراما الجريمة ولو بشكل فانتازي ما جعل المشاهدين في حالة من الترقب والتوقع منحت الجمهور متعة إضافية لمتابعة ما سيلي من أحداث على الرغم من أننا لاحظنا أنه يشبه عملا مسرحيا يعرض أمامنا ولكن بأسلوب سينمائي.

15