الجبل الأخضر في سلطنة عمان ربوع عالية يمتزج فيها الهدوء بالمغامرة

كل فصول السنة صالحة للسياحة في سلطنة عمان، ويستقبل جبلها الأخضر السياح من مختلف الدول الخليجية والعربية والسياح الأوروبيين الباحثين عن الدفء والطبيعة والحياة البسيطة. في هذه المنطقة تتوفر السكينة والهدوء في الفنادق التراثية والمنتجعات الواقعة على السفح كما تتوفر المغامرة لعشاق تسلق الجبال والجولات في الوديان والأفلاج.
مسقط - إذا أردت أن تستمتع بعطلة هادئة مع العائلة في الربيع، فاقصد الجبل الأخضر في سلطنة عمان، وإذا أردت أن تعيش المغامرة وتسلق الجبال في طقس معتدل، فاحزم أمتعتك في اتجاه الجبل الذي تتزين تدرجاته ومصاطبه بالورود.
هذا ما قاله الذين مرّوا بالطبيعة الخضراء وأجواء الحياة البسيطة في النزل التراثية من العرب والأوروبيين الذين أثنوا على التجارب السياحية الاستثنائية التي عاشوها في الجبل الأخضر، وأكدته جائزة “الوجهة المفضلة لرحلات الطرق” التي فازت بها سلطنة عمان خلال حفل توزيع جوائز مجلّة “كوندي ناست ترافيلر الشرق الأوسط 2018 /2019”، الذي انعقد مؤخرا في دبي، جائزة تعدّ إحدى أهم الجوائز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي يتمّ التصويت لها من قبل القراء المهتمين بمجالات السفر والسياحة.
أسماء الحجرية مدير عام مساعد للترويج السياحي الخارجي التابع لوزارة السياحة في عمان قالت “نحن سعداء بحصولنا على هذه الجائزة المرموقة في هذا الحدث النوعي الذي يسلط الضوء على سلطنة عُمان كوجهة مفضلة لرحلات الطرق، إلى جانب وجهات عالمية رائعة مثل إيطاليا والولايات المتحدة الأميركية اللتين كانتا ضمن قائمة الأماكن المرشحة النهائية”.
سكان القرى الودودون
ويشهد الجبل الأخضر تدفقا سياحيا في فصلي الشتاء والربيع للاستمتاع بالطبيعة التي يتميز بها وممارسة رياضة المغامرة، كتسلق الجبال والمشي في المسارات الجبلية، حيث بلغ عدد زواره 226.487 زائرا في الفترة من يناير إلى ديسمبر 2018.
شكري السعيدي تونسي مقيم في الكويت قرر مع عائلته زيارة الجبل الأخضر بناء على حكايات أصدقائه عنه وسحر الطبيعة وقراه الطيبة، قال “أنا أميل للهدوء والسكينة، لذلك أتيت إلى الجبل الأخضر؛ جبل زينته المحاصيل الزراعية والورود، الجولة فيه مع ابنتي ليليا الصغيرة تعيدني إلى طفولتي، واللعب معها في الفضاء الفسيح يجعلها تنطلق هربا من المدينة حيث تعيش بين البيت والروضة”.
“أفضل ما أستمتع به هو متابعة مناظر الجبل عند شروق الشمس وانعكاس أشعتها على الجبال المحيطة والقرى بمعمارها البسيط، حيث التقطت صورا عديدة لطفلتي، إضافة إلى صور السيلفي التي أخذناها سوية ستبقى لها ذكرى طيبة إن تعذرت علينا العودة مرة أخرى”، هكذا تحدث شكري عن عطلته في سلطنة عمان مؤكدا أن الحياة البسيطة وحسن استقبال سكان القرى للقادمين عليهم يضفيان على الرحلة أجواء دافئة يحتاجها سكان المدينة.
سهلة للمبتدئين في تسلق الجبال لتعليمهم توظيف الأدوات ذات العلاقة وتهيئة قدراتهم النفسية والانضباط
ويضيف “طيبة سكان القرى في هذه المنطقة وحسن استقبالهم للزائرين يجعلان الأجواء استثنائية في مرتفعات المنطقة وأفلاجها وشعابها، ويخففان ضغوط المدن وضجيجها”، وأكد شكري أن المكاتب السياحية توفر المعلومات والكتيبات والمنشورات عن طبيعة الجبل والتي تساعد الزائر في رحلته، كما توفر الفنادق المرشدين السياحيين.
ويؤكد علي الجاني الموظف بفندق أنانتارا بالجبل الأخضر “أن الجبل يمتاز بطقس متميز في كافة المواسم ما يساعد الزوار على التجوال في بعض المناطق الزراعية والقرى المجاورة للجبل والتعرف على الثقافة المحلية والمنتجات الزراعية الموجودة”.
وتنظم الفنادق في الجبل الأخضر زيارة إلى الأفلاج والقرى المجاورة القريبة والتعريف بالثقافة المحلية من طبخ وحرف وعادات، مثل الزراعات البيئية وتقطير الورد.
ويقول عارف بن يعقوب مسؤول بفندق أليلا بالجبل الأخضر، إن فصلي الشتاء والربيع من أكثر المواسم السياحية الجاذبة للسياح الأوروبيين الذين تأسرهم مناظر الجبل الأخاذة والتقاليد العريقة للمنطقة، مصحوبة بطيبة أهلها وكرمهم الفطري.
وتشكل السياحة في الشتاء والربيع فرصة للفنادق والمنتجعات لتحقيق معدلات إشغال عالية في هذا الوقت، حيث تنظم العديد من الأنشطة والجولات السياحية والبرامج للترفيه للضيوف.
ويقول إياد من السعودية والذي يأتي مع عائلته في العطلات الربيعية والشتوية “أنا هنا من أجل الاستمتاع بفصل الشتاء والطقس الرائع، أترك أطفالي يشاركون في الأنشطة التي تناسبهم لأسترخي قليلا، فالفندق الذي نقيم فيه يطل على المناظر الخلابة التي يمكن رؤيتها من الداخل وهي مذهلة للغاية”.
ويضيف قائلا إنه وأفراد العائلة قاموا بزيارة بعض القرى خلال جولة مرتبة من قبل الفندق، “لقد قضينا وقتا رائعا، وكلما أزور عمان أغير المكان حسب الفصول لأكتشف أكثر الطبيعة والناس”.
والجبل الأخضر لا يستهوي العائلات فقط، بل يأتي الشباب أيضا للتخييم والمغامرة، كما تفعل مجموعة من الشبان اللبنانيين المغرمين بتسلق الجبال والذين أتى معهم صديقهم العماني سامر الذي يقول إنها أول زيارة لهم للجبل الأخضر، وأكثر ما لفت انتباههم الأشجار والزهور ذات الألوان المبهجة في قرية القعور ومنصة “السيدة ديانا”.
وتدخّل أحد الشباب اللبنانيين واسمه غيث قائلا “تعتبر هذه الزيارة بالنسبة لي سياحة علاجية من ضغوط العمل والحياة في المدينة”، ويمتاز الجبل بارتفاعه الشاهق والذي يصل إلى 3 آلاف متر، حيث يمكن لعشاق التصوير التقاط أجمل الصور التذكارية من أعلى نقطة والاستمتاع بأجمل المناظر الطبيعية والهضاب.
ولزيادة استقطاب السائح الأوروبي تشارك سلطنة عمان هذه الأيام في معرض بورصة السفر العالمي ببرلين الذي انطلق في برلين الأربعاء ويستمر 5 أيام.
وأعلن معرض برلين في هذه الدورة سلطنة عمان شريكا رسميا لبورصة برلين عام 2020، وهي مناسبة تتم الاستفادة منها بشكل كبير في التعريف بالقطاع السياحي في البلاد.
وتقول سوزان سائحة من فرنسا “أنا وزوجي في الجبل الأخضر لقضاء عطلتنا الشتوية، الشتاء هو الوقت المثالي لزيارة هذه البلاد حيث أن درجة الحرارة مستقرة للغاية ولا تنخفض كما في أوروبا، وأتاح الطقس الدافئ والسماء الزرقاء لنا اكتشاف المخبأة في متاهة الوديان مثل وادي بني حبيب، واستمتعنا بسحر الطبيعة، حيث قمنا بجولة في جبل الشمس مشيا مع المرشد السياحي الذي كان يدلنا على طرق مثالية تماما، الناس هنا ودودون يستقبلوننا ببشاشة، أكلنا معهم الحلوى العمانية الطيبة المذاق وشربنا معهم القهوة العربية بنكهة الهيل الأخضر”.
فرنسوا الذي يرافق سوزان ذكرها برحلتهم إلى قلعة بهلاء في قاعدة الجبل قائلا “قرأت عنها في كتيب صغير في الفندق أنها مدرجة ضمن التراث العالمي لليونسكو”، وتحدث عن طول أسوارها التي يذكر الكتيب أنها تبلغ السبعة أميال، وقد تم بناء الحصن خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر عندما كانت بهلاء مدينة مزدهرة.
يضم الجبل مجموعة متميزة من المنتجعات التي توفر للسياح الرفاهية والاستجمام، وإضافة إلى الجولات على الأقدام لمشاهدة جمال المنطقة عن قرب، يمكن لعشاق خوض المغامرة الهبوط من قمة الجبل عن طريق الحبال، فكما يقول الفريق اللبناني الذي قدم مع سامر لعيش المغامرة في مرتفعات لا يعرفونها من قبل، رياضة تسلق الجبال نشاط مفيد للصحة النفسية والبدنية.
مغامرة الحبال والمرتفعات
حضر المرشد السياحي حسين مع الفريق اللبناني لأنه عارف بخبايا مرتفعات الجبل الاخضر، يقول “تتطلب سياحة المغامرات قدرات ومهارات خاصة على السائح أن يتقنها”، مؤكدا أنه قد يمنع من لا تتوفر فيه اللياقة البدنية وقدرة التحمل، فهي رياضة تحتاج إلى القدرات الذهنية التي تتمثل في اتخاذ القرار من حيث دقة وقته وصحته، و”نحن نوفر لهم المعلومات العلمية والجغرافية عن الصخور وطبيعة الأرض وكل ما له علاقة بهذا الأمر”.
ويؤكد أنه يقوم بجولات سهلة للمبتدئين وتعليمهم المبادئ الأولى، كتوظيف الأدوات ذات العلاقة كالحبال والمشابك والأوتاد وغيرها من الأدوات، وتهيئة قدراتهم النفسية المرتبطة بالسلوك الإيجابي والانضباط والإرادة والتصميم. ويضيف أن هناك العديد من المرتفعات التي يمكن تسلقها، سواء كانت للمبتدئين أو للمحترفين، فسياحة التسلق والمغامرات تنمو في السلطنة باطراد، وقد ذاع صيتها على مستوى دول العالم لأنها تمتلك كل مقومات التنافس ومؤهلة للتربع على قائمة الصدارة عالميا.
ويؤكد المرشد السياحي أن المنطقة تحتاج “التلفيريك ليتمكن جميع السياح من مختلف الأعمار من الاستمتاع بجمال الطبيعة الخلابة، ومشاهدة الأودية والأماكن التي يصعب الوصول إليها حتى تكتمل الخدمات السياحية التي يبحث عنها الزائر”.