الجامعة والجماعة
في أواسط الثمانينات من القرن الماضي، حضرت مناقشة أول رسالة جامعية بكلية الآداب بتطوان، كانت بعنوان “الاتجاه الإسلامي في الرواية العربية المعاصرة”، وأشرف عليها باحث تقليدي معروف بنزعته الإسلامية هو “د.حسن الوراكلي”، الذي رأس لمدة طويلة شعبة اللغة العربية بالكلية، نوقشت الرسالة ومنح صاحبها، الذي كان عضوا بإحدى جماعات الإسلام السياسي، درجة دبلوم الدراسات العليا، والتحق بإحدى الجامعات المغربية الفتية، مدرسا للأدب العربي. في تلك السنوات وبينما كان الأكاديميون الحداثيون يعزفون عن تأطير الطلبة، ويشترطون معايير قاسية للإشراف على الرسائل الجامعية، كان الأساتذة من ذوي الميول الإسلامية يتهافتون على كل من هب ودب من باحثي الدرجة العاشرة، ويمنحونهم شهادات الدراسات العليا والدكتوراه، وما قام به أستاذنا “الوراكلي” في تطوان سيتكفل به أساتذة آخرون في جامعات مغربية أخرى.. بطبيعة الحال سيبتعث أغلب هؤلاء الأساتذة إلى جامعات الخليج، بعقود مجزية، تاركين مصير شعب اللغة العربية في المغرب بيد التقليدية والإسلام السياسي.
المرحلة شهدت ظهور مفهوم غريب عن حقل الدراسات الأدبية هو “نظرية الأدب الإسلامي” استهدف تكييف “الجامعة” مع شعار الجماعة الشهير “الإسلام هو الحل”، فتمّ اقتراح “الأدب الإسلامي” بديلا لمفهوم الأدب العام، وصيغت له امتدادات في الأجناس الأدبية حيث بدأ الحديث عن الرواية الإسلامية بدل الرواية الحديثة، والمسرح الإسلامي عوض المسرح التراجيدي أو مسرح العبث أو اللامعقول، والشعر الإسلامي في محل شعر التفعيلة وقصيدة النثر، وبجرّة قلم تمّ شطب منظومة من الدوال والمفاهيم النقدية المتواترة عبر تقاليد إبداعية راسخة بمصطلحات جوفاء لا تدل على معنى واضح.
وتدريجيا سيراوح المعنى المقصود بين أدب كتبه منتمون إلى الجماعة ومشتقاتها، وأدب موضوعه إسلامي (تاريخي في معظمه)، وبناء عليه تمّ تحويل درس الأدب، وفق المنظور الجديد، إلى درس في اللغة العربية، تنهض تحليلاته النقدية على علوم الآلة، ولا سيما أن علوم النص الديني في ثلاثة أرباعها قائمة على علوم العربية، من تفسير وبلاغة ونحو وتصريف، مع اختصار تاريخ الأدب العربي في عصور الخلافة الإسلامية، والتركيز على ظواهر بذاتها في الشعر والنثر القديمين من مثل “أدب الجهاد” -في الأندلس وغير الأندلس- والذي شكل مدخلا طبيعيا للحديث عن الفريضة الغائبة، واستعادة مصطلحات “دار الحرب” و”دار الإسلام”، بهذه الطريقة إذن تمّ تكييف كليات الآداب مع شعار “الإسلام هو الحل”، وصياغة أجيال من الطلبة ممن يخرجون للتظاهر ضدّ روايات محمد شكري وحيدر حيدر، وأشعار سعدي يوسف ومحمود درويش، وكتب فاطمة المرنيسي ونصر حامد أبوزيد، فقط لأن ذلك الأستاذ الذي أسدل اللحية وحف الشارب أراد أن يختصر المسافات بين الجامعة والجماعة.
كاتب من المغرب