الجامعات الخليجية تقترب من توطين التعليم

لندن- تركز دول العالم اهتمامها على التعليم بما أنه وسيلة بناء الأفراد والأمم. وتولي دول الخليج العربي هذه النقطة اهتماما كبيرا ساعية لبناء أجيال من الشباب المتعلم القادر على شغل جميع المناصب في الدولة حتى تكون القوى العاملة مكونة من السكان الأصليين، وهو ما جعلها تعطي الأولوية لتبني استراتيجيات تقوم على تحفيز وتشجيع المواطنين على الإقبال على التعلم والنجاح في جميع مراحله حتى الحصول على شهادات تعليم عال.
لسنوات طويلة ظلت غالبية دول الخليج العربي مثل المملكة العربية السعودية وعمان ومملكة البحرين والكويت وقطر وغيرها تعتمد بشكل شبه كلي على العمالة الأجنبية في جميع المجالات تقريبا؛ منها الاجتماعي والاقتصادي، ولا سيما في قطاع التعليم العالي، وذلك على حساب تطوير الموارد البشرية المحلية. وبمجرد أن يستقر العمال والموظفون الأجانب ويحتلوا الوظائف المتاحة، يصعب على جيل الشباب من الخريجين الجدد من المواطنين إيجاد أماكن لهم في سوق العمل. وهو ما يعتبر من عوامل ارتفاع معدلات البطالة في جميع ممالك شبه الجزيرة العربية. وتؤكد البيانات الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي ومجموعة العشرين، ودول مجلس التعاون الخليجي استمرار ارتفاع معدلات البطالة.
وتسجل المملكة العربية السعودية أكبر معدلات البطالة حيث تبلغ حوالي 30 بالمئة، وبحسب العديد من الخبراء والمحللين فإن البطالة في مجتمعات غرب آسيا وشمال أفريقيا وفي كل مكان تعد برميلا من البارود من شأنه أن يسبب انفجارا مدويا يشبه انفجار ثورات الربيع العربي.
الحاجز اللغوي بين الخريجين الجدد والقدامى يبرز في التعليم العالي، بسبب سيطرة المؤسسات الأنجلوسكسونية على القطاع
وحاولت دول مثل سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة انتهاج سياسات بناءة تهدف إلى تأميم القوى العاملة، بما في ذلك التي تشغل وظائف في قطاع التعليم العالي، حتى قبل الاضطرابات السياسية التي مزقت المنطقة. وأدخلت سياسات أطلق عليها اسم “أومونايزيشن” أو “إماراتزيشن” لتنويع الاقتصاديات الوطنية ولتوظيف المواطنين في القطاع الخاص والعام. ففي عمان مثلا، ينمو السكان بنسبة 3 في المئة سنويا، وهناك حوالي 40 في المئة من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 عاما وأقل. وتضم المدارس حوالي 600 ألف تلميذ؛ أي حوالي 15 في المئة من إجمالي عدد السكان في البلاد، ومن المتوقع أن تصبح نسبة هامة من هؤلاء مؤهلة لدخول سوق العمل في وقت قريب ولكن، لا يبدو أن الاقتصاد العماني على أهبة الاستعداد لاستيعاب تلك الأعداد المهولة من طالبي الشغل.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تبدو الأرقام مقلقة، كذلك، فهناك العديد من المبادرات التي ترعاها الدولة مثل التأميم الإماراتي، وبرنامج الإمارات لتطوير المواطنين ومجلس أبوظبي لتطبيق استراتيجيات “إماراتزيشن” والتي تعتمد على تدريب طلاب المدارس الثانوية وخريجي الجامعات على المهارات المطلوبة لسوق العمل، لكن هذه الجهود تتركز على نحو خاص، فمؤسسات مثل مؤسسة الإمارات تقدم منحا بحثية تنافسية تحت عنوان حملة إماراتزيشن.
البيانات الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي ودول مجلس التعاون الخليجي تؤكد استمرار ارتفاع معدلات البطالة
وتحول عراقيل عديدة دون الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف هذه السياسات فإلى جانب استمرار الاعتماد المفرط على المهارات المتخصصة من الخارج والعمالة الأجنبية الرخيصة، هناك عوامل محلية خاصة بسياسات التعليم الإماراتية مثل وجود تباين في اللغة بين الخريجين المتعلمين باللغة الإنكليزية والقدماء في الوظائف الناطقين باللغة العربية. وقد قال أحد الأكاديميين من دولة الإمارات العربية المتحدة خلال مؤتمر التعليم الذي التأم مؤخرا في أبو ظبي “إنهم يكافحون عندما يذهبون إلى أماكن العمل، ويحتاجون إلى التعامل مع وثائق باللغة العربية، ويقدمون أنفسهم باللغة العربية ويحضرون اجتماعات بالعربية، رغم التركيز على اللغة الإنكليزية أثناء تعليمهم العالي”.
ويبرز هذا الحاجز اللغوي خاصة في قطاع التعليم العالي، بسبب سيطرة المؤسسات الأنجلوسكسونية على القطاع في جل دول الخليج مثل جامعة نيويورك (أبوظبي) وجامعة كلية لندن (قطر)، والكلية الملكية الإيرلندية للجراحين (البحرين)، وجامعة هريوت وات (دبي)، وفرعين للجامعة الأميركية في الكويت والشارقة، وستة فروع إضافية لجامعات أميركية في المدينة التعليمية في قطر. هذه الثقافة “المستعارة” تقزم الجهود التي تهدف إلى تأميم القوى العاملة. وبالتالي، يعتبر نظام العمالة الوطنية أكثر صعوبة في ما يتعلق بإضفاء الطابع المؤسسي.
ويكشف تباين الصعوبات واختلافها من دولة إلى أخرى في منطقة الخليج أنه لا يوجد نموذج واحد ناجح يمكن تطبيقه في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، بل لكل بلد خصوصياته الديموغرافية والاقتصادية التي يجب أن تعد سياسات التعليم وفقا لمقتضياتها كما تبين أن قصور سياسات توطين اليد العاملة لا يقف عند بطالة الخريجين الجدد بسبب عقود العمالة الوافدة طويلة المدى أو بسبب الوضع الاقتصادي الذي لا يسمح لسوق العمل باستيعاب أعداد هامة ومتزايدة من الخريجين الجدد، بل هي يمكن أن تكون نتيجة لضعف في سياسات التعليم المعتمدة والتي تراعي المعايير الدولية دون الأخذ بعين الاعتبار المعايير والخصوصيات المحلية، وهو ما يحدث مسافة بين مؤهلات الخريجين ومتطلبات سوق العمل المحلية وخصائصها.