الجامعات التونسية تطوع التكنولوجيا الحديثة لخدمة البحث العلمي

تجتهد وزارة التعليم العالي في تونس لمواكبة التطور الذي بلغه قطاع التعليم في العالم، من خلال سعيها إلى الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العملية التعليمية. ويشكل إطلاق جامعة المنار التونسية مؤخرا كرسي البحث العلمي والصناعي في مجال علوم البيانات والذكاء الاصطناعي خطوة في طريق توسيع استعمال التطور الرقمي في البحوث الجامعية.
تونس - أبرمت جامعة تونس المنار مؤخرا اتفاقية تعاون مع مؤسسة “يوبي تراست”، بهدف تثمين أنشطة البحث وتوظيفها في تطبيقات خاصة بمعالجة البيانات لتحويلها إلى معطيات رقمية خدمة للمجالين الصناعي والاجتماعي.
وبموجب هذه الاتفاقية تم إحداث كرسي بحث علمي وصناعي في مجال علوم البيانات والذكاء الاصطناعي تشرف عليه لجنة علمية متعددة الاختصاصات تغطي المجالات العلمية وهي: الرياضيات، الإحصاء، الإعلامية، الفيزياء، البيولوجيا، علم الأعصاب، الصحة، العلوم الصناعية والقانونية والأخلاقية.
ويعتبر هذا الإحداث الجديد تتويجا للتعاون المشترك بين مؤسسة “يوبي تراست” وبين جامعة تونس المنار، التي تمثّل أرضية علمية ملائمة لتفعيل دور هذا الكرسي الجامعي نظرا إلى كونها جامعة متعددة الاختصاصات.
وأوضح فتحي سلاوتي رئيس جامعة تونس المنار لـ“العرب” أن “اهتمام الجامعة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مرده المتطلبات الجديدة لسوق الشغل التي تشترط مهارات في المجال الرقمي والتكنولوجي”.
وأضاف سلاوتي “نعي أهمية هذا المجال خاصة في سوق الشغل مستقبلا وقد يستطيع أن يخفف من عطالة أصحاب الشهادات العليا”، مشيرا إلى أنه “ستقع الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تدريب الطلبة”.
وتشرف جامعة المنار التونسية على أكثر من خُمُس عدد هياكل البحث في تونس وتحتل مكانة بارزة في التصنيفات الدولية للجامعات منها تصنيف شانغهاي لسنة 2018، حيث صنّفت ضمن قائمة أفضل 900 جامعة على المستوى العالمي، وحازت المرتبة 12 على المستوى الأفريقي والأولى وطنيا.
وستتولى مؤسسة “يوبي تراست”عملية التكوين والتدريب والبحث في مجال علوم البيانات والذكاء الاصطناعي. و”يوبي تراست” هي مؤسسة مجدّدِة مقرّها الرئيسي في تونس ولها فروع في أفريقيا وأوروبا وآسيا وأميركا الشمالية، هدفها التكوين والتدريب على بعث المشاريع في مجال الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات.
ومن المنتظر أن يمكّن هذا الكرسي من ضبط الحاجيات والاهتمامات المشتركة للباحثين والصناعيين، من خلال توسيع مجالات استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي وخلق ديناميكية لتطوير المعرفة، وتقييم الخبرات العلمية وتعزيز التعاون بين البيئة المهنية والأكاديمية.
وسيعمل الكرسي على تطوير آليات استخدام وسائل التكنولوجيات الحديثة المرتبطة بالحياة اليومية للأفراد، ودراسة التفاعلات بين الإنسان والآلة الميكاترونيك وعلم التحكم الآلي. وسيعمل أيضا على تحسين مقروئية آليات المتابعة والتشخيص الطبي، وتحديد الأولويات الصحية في تونس وفق ضوابط علمية.
ويُعدّ هذا الإحداث مبادرة تونسية لتشجيع ونشر الابتكار والاختراع في جميع أنحاء أفريقيا والدول العربية. ويأتي ضمن إستراتيجية وطنية شرعت تونس في إعدادها منذ العام الماضي، تهدف إلى الإقلاع بكل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي على مستوى الصناعات أو الخدمات، مواكبة للتغيّرات التكنولوجية والعلمية في العالم.
وتعمل هذه الإستراتيجية التي يساهم في إعدادها فريق بحث متعدد الاختصاصات بمشاركة الوزارات المعنية والمبادرين والمستثمرين في القطاع، على توفير البنية التحتية من معلومات وبحوث وصناعات الذكاء الاصطناعي، وكل ما يشمل الأرضية الرقمية، علاوة على العقول الذكية، والمشاريع والبرامج التي سيتم تنفيذها في هذا المجال، بالشراكة بين الصناعيين والجامعيين قصد تحقيق النهضة الحقيقية على مستوى الذكاء الاصطناعي.
وتنفيذ هذه الإستراتيجية سيساهم في خلق مراكز بحث ومؤسسات ومخابر متميّزة في مجال الذكاء الاصطناعي، وتوفير ثروة من الكفاءات والطاقات الوطنية في مجال الهندسة والبرمجيات والرياضيات التطبيقية وأسس اقتصاد البيانات.
وأصبح الذكاء الاصطناعي المعيار الجديد لعمليّة التعلّم في العالم، حيث تعمل العديد من الشركات الناشئة الواعدة في تطبيق مفاهيم الذكاء الاصطناعي، بهدف الحصول على أفضل تجربة مُمكنة لعملية التعلم.
لكن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بحثت من خلال تنظيمها لأسبوع “التعلّم بالأجهزة المحمولة” في باريس، تأثير الذكاء الاصطناعي على التعليم وأشارت إلى أنه لا يزال يتعيّن استعراض الإمكانيات الرئيسية للذكاء الاصطناعي واكتشافها.
وتعتقد اليونسكو أنه مازلت هناك حاجة ماسة لإجراء مراجعة شاملة لتبعات استعمال الذكاء الاصطناعي بالنسبة إلى معايير الإنصاف والإدماج في التعليم، وكفاءة سُبل إدارة الشؤون التعليمية، وجودة التعلم، وتنمية المهارات.
وتؤكد إنّه من الضروري ضمان التخطيط على مستوى المنظومة والعمل بيد واحدة لإعادة صقل القاعدة التي تقوم عليها عمليتا التعليم والتعلّم، وذلك بغية مضاعفة الفوائد التي يعود بها الذكاء الاصطناعي وتفادي أي مخاطر محتملة.
وتستنتج أن الانتشار السريع لأشكال الذكاء الاصطناعي في عمليّة التعليم كفيل باختبار مدى استعدادية الأطراف المعنيّة لتسخير الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يضع حكومات الدول أمام تحديات جديدة في ما يتعلق بسائر مجالات التعليم والتعلّم، مثل عملية تخطيط السياسات والمناهج الدراسية وتطوير الموارد وتدريب المعلمين وتأهيلهم وتنمية المهارات.