الجائحة تُفقد طموحات التوسع التركي في أفريقيا قوة الدفع

فقدت وتيرة طموحات التوسع التركي في قارة أفريقيا، التي يراهن عليها الرئيس رجب طيب أردوغان لإظهار بلده كقوة فاعلة كما هو الحال مع الصين وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة، قوة الدفع بسبب الانعكاسات الهائلة التي خلفها وباء كورونا على الاقتصاد التركي كونه إحدى الأدوات التي تحاول أنقرة تفعليها لكسب تأييد العديد من القادة الأفارقة.
نيويورك - لا يمكن لشخص مثل رجب طيب أردوغان أن يتجنب الأضواء، ناهيك عن استغلال فرصة للظهور القوي على المسرح العالمي. ومع ذلك، فقد تخلى الرئيس التركي عن الاحتفالات المهيبة عندما زاره اثنان من رؤساء دول غرب أفريقيا في إسطنبول أواخر يناير الماضي.
ففي تلك الفترة، عقد أردوغان لقاءاته مع الرئيس السنغالي ماكي سال ورئيس غينيا بيساو أمارو سيسكو إمبالو خلف أبواب مغلقة، دون استعراضات كبيرة كما اعتاد الرئيس التركي القيام به في مثل هكذا مواعيد، لإظهار قدرته على ربط علاقات وثيقة مع بلدان القارة.
ومع ذلك، يرى المحلل السياسي والكاتب الصحافي الهندي بوبي غوش أنه ربما كان غياب الأبهة عن الاستقبالات الرئاسية في تركيا مؤخرا مقصودا.
وأشار غوش إلى أن علاقات تركيا مع دول جنوب الصحراء الأفريقية والتي كان يتم الترويج لها كدليل على تمدد النفوذ التركي، قد وصلت إلى مرحلة النضوج، بحيث لم تعد زيارات رؤساء الدول الأفريقية إلى تركيا تتطلب أي ضجة، وإنما لأن أردوغان لم يعد لديه الكثير الذي يمكن أن يقدمه لزواره من الرؤساء.
وعلى الرغم من توسع نفوذ تركيا في القارة خلال السنوات الأخيرة من بوابة المساعدات الإنسانية والاستثمارات أحيانا والدعم السياسي والعسكري أحيانا أخرى، فإن جائحة فايروس كورونا أدت إلى الحد من قدرة أنقرة على البناء على طموحاتها الأفريقية.
ويرى غوش، عضو مجلس تحرير وكالة بلومبرغ للأنباء، أنه في ظل المحنة التي يمر بها الاقتصاد التركي، لم تعد أنقرة في وضع يتيح لها تقديم المساعدة التي تحتاجها بلدان جنوب الصحراء الكبرى في الوقت الحالي.
وقد أضعف ذلك قبضة أردوغان في غرب أفريقيا التي تشهد تصاعد المنافسة الفرنسية التركية، على خلفية الصراع بين أردوغان ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وقبل تفشي الوباء كانت علاقات أردوغان مع دول جنوب الصحراء الأفريقية أكبر نجاح للسياسة الخارجية للرئيس التركي. فمنذ وصوله إلى السلطة في 2003، فتحت تركيا 30 سفارة جديدة في القارة. كما زار أردوغان نفسه 28 دولة.
وقد تكون التجارة التركية مع أفريقيا جنوب الصحراء ضعيفة بالنسبة لتعاملات دول القارة مع الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والهند، لكنها نمت إلى أكثر من سبعة أمثالها في أقل من عقدين، لتصل إلى 10 مليارات دولار.
وفي الوقت نفسه فإن غوش يرى أن هذه الأرقام لا تعكس بشكل كاف اتساع وعمق الوجود التركي في المنطقة، والذي لا يشمل المصالح التجارية والأمنية فحسب، بل يشمل أيضا القوة الناعمة التركية الكبيرة.
وأصبحت أنقرة موردا مهما للأسلحة للقارة. كما أنها تحتفظ بقواعد عسكرية في الصومال والسودان، وتوفر التمويل لقوات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي. بينما تقوم شركات البناء التركية بمد خطوط السكك الحديدية والمطارات. وتسير الخطوط الجوية التركية رحلات إلى وجهات في جنوب الصحراء الأفريقية أكثر من أي شركة طيران غير أفريقية.
كما تساهم المساعدات التركية والمؤسسات الخيرية الدينية في بناء المدارس والمستشفيات والمساجد، بينما تصل المسلسلات التركية إلى جمهور أفريقي أكبر من أي وقت مضى، إلى جانب استعانة أندية كرة القدم التركية بعدد كبير من اللاعبين المحترفين الأفارقة في صفوفها.

ومع ذلك، أكد غوش أن الجائحة كشفت محدودية نفوذ تركيا، فقد اكتشفت دول جنوب الصحراء، أن أنقرة ليس لديها الكثير الذي يمكن أن تقدمه لها في مواجهة التداعيات الاقتصادية.
وعلى عكس الصين والهند وروسيا، لا تستطيع تركيا توفير لقاحات مضادة للفايروس، كما أنها لا تمتلك أموالا ضخمة كتلك التي يمتلكها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين لمساعدة هذه البلدان المثقلة بالديون الهائلة.
وفي ظل اضطرار حكومات الدول الأفريقية لتقليل الاقتراض، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق للتعامل مع التداعيات المستمرة للجائحة، بما في ذلك احتمالات عودة عشرات الملايين من مواطنيها إلى دائرة الفقر مجددا، فمن المحتمل أن تقلص تلك الدول أو تؤجل العمل في العديد من مشروعات البنية التحتية العملاقة التي تعمل فيها شركات المقاولات التركية.
في المقابل، فإن دول الخليج العربية، التي تنافس تركيا على النفوذ في القارة، وخاصة في القرن الأفريقي، لديها بالضبط ما تحتاجه الدول الأفريقية المتعثرة وهو المال. كما أن بروز الإمارات أيضا كمركز إقليمي للقاحات، يمنحها نفوذا إضافيا على حساب تركيا.
ولكن هذا لا يعني أن تركيا ليست لديها أوراق تلعب بها، إذ لديها حضور عميق. فوجودها قوي في الصومال، التي تحمل حكومتها مشاعر الامتنان لأنقرة التي تدرب الكثير من العسكريين الصوماليين في القاعدة العسكرية التركية بمقديشو.
كما أن دولا أفريقية عديدة ما زالت تحتاج إلى الخبرة العسكرية والأسلحة التركية لتعزيز قدراتها الأمنية، وفي مقدمتها إثيوبيا التي تحرص على تعميق علاقاتها مع تركيا في ظل فتور علاقاتها بالدول الغربية على خلفية أحداث الحرب الأهلية في إقليم تيغراي.