التونسيون يحملون التيار الإسلامي مسؤولية تشويه صورتهم لدى الغرب

التذكير بأن الإسلام السياسي بريء من الأعمال الإرهابية التي تقوم بها بعض العناصر هنا وهناك في عواصم ومدن أوروبية بدأ يتحول تدريجيا إلى شحنة من الغضب لدى الشارع ضد الإسلاميين وذلك لقناعة واسعة لديهم بأن الإسلام السياسي هو الحاوية النظرية للأعمال الإرهابية. وقد تصاعد هذا الغضب بوضوح خاصة لدى التونسيين الذين تضررت مصالحهم جراء الإرهاب والفكر الإسلامي السياسي الذي تمثله حركة النهضة في تونس.
الاثنين 2016/07/18
قد لا تنفع التعازي الرسمية في إصلاح صورة شوهها الإسلاميون

تونس- تحاول الآلة الإعلامية والسياسية للتيار الإسلامي في تونس أن تغطي العملية الإرهابية الأخيرة التي حدثت في نيس بالقول إن “الإسلاميين أبرياء من هذا العمل والإسلام دين تسامح” حسب تصريح أحد زعماء حركة النهضة الإسلامية. وقد أكد جل المتابعين أن هذا الرد ينطوي على تخوف من قبل الإسلاميين وخاصة المنتمين لحركة النهضة من أن يزيد غضب الشارع عليهم باعتبارهم حزبا إسلاميا يتبنى الأهداف ذاتها التي يروج لها الإرهابيون وهذا ما يضرب مصالح المهاجرين التونسيين في الغرب.

ولئن لم يكن غضب التونسيين على الإسلام السياسي بجديد إذ يعود إلى العام 2012 حين قادت حركة النهضة الحاكمة آنذاك البلاد إلى أزمة حادة فإن تأكيد السلطات الفرنسية على أن منفذ المجزرة هو فرنسي من أصل تونسي أجج سخطا عارما تجاه الإسلام السياسي الذي بات يهدد مصالح تونس الخارجية بعد أن نخر مؤسسات الدولة واستقرار المجتمع.

ودفعت دموية المجزرة بتونس إلى إدانتها رسميا وشعبيا معربة عن استنكارها وتضامنها مع باريس، خاصة وأن تونس قد مرت بظروف دقيقة لا تزال آثارها موجودة إلى اليوم، من ذلك فترة حكم الترويكا في السنوات الأولى بعد زين العابدين بن علي والتي كانت تقودها حركة إسلامية وهي حركة النهضة التي طبعت تونس بطابع محافظ تم ترويجه في الإعلام الغربي على أنه حقيقة الموجة الانتخابية التونسية في حين أن الانتخابات الثانية التشريعية والرئاسية أفرزت قوة أخرى مناقضة في خطابها للإسلاميين وهي نداء تونس الحداثية.

وقد سعت بعض الجهات الإعلامية والسياسية المقربة من الإسلاميين في تونس، خاصة في حركة النهضة إلى القيام بحملة تؤكد براءة الإسلام السياسي من الأحداث الإرهابية في نيس مؤخرا، لكن ردود الأفعال المناهضة للتيار الإسلامي أكدت أن الإسلاميين لم يكتفوا فقط باختراق أجهزة الدولة التونسية وتطويعها لخدمة المصلحة الحزبية الضيقة عبر التعيينات المكثفة لصالح التيار الإسلامي، بل تمادت أفعال الإسلاميين إلى درجة المس بالمصالح الاستراتيجية الكبرى في أوروبا وخاصة فرنسا.

على السلطات الأوروبية التي احتضنت الإسلاميين أن تتأكد من أن الإسلام السياسي ما هو إلا واجهة للإسلام الجهادي
وقد ساهمت تلك العمليات الإرهابية المحسوبة بشكل أو بآخر على العائلة الإسلامية في المزيد من تشويه صورة العرب وخاصة التونسيين الذين التصقت بهم صورة تصدير العناصر الإرهابية إلى بؤر التوتر في الشرق الأوسط وخاصة سوريا.

وفي ظل اشتعال سخط اتجاهات الرأي العام التونسي وخاصة المهاجرين ببلدان الاتحاد الأوروبي رفع الغنوشي من حدة مفردات تصريحاته التي تدين المجزرة قائلا “مثل هذه الجرائم لا يجيزها الإسلام وقيمه السمحة”، مشددا في بيان وقعه بنفسه على أن مقترفي الجريمة “ليسوا سوى مجرمين خارجين على القانون وكل الشرائع”.

ورأى أخصائيون في الجماعات الإسلامية أن طبيعة تصريحات مؤسس الإسلام السياسي في تونس منذ العام 1981 تستبطن توجسا من أن تلامس شظايا الهجوم علاقة النهضة بباريس التي يسعى جاهدا إلى كسب ثقتها في ظل إجماع تقارير غربية على أن الفكر الإخواني يؤدي إلى الإرهاب.

وعلق علي المثلوثي، وهو مهاجر يعمل في مدينة مرسيليا جنوب فرنسا عاد لقضاء عطلة الصيف في تونس، على الهجوم قائلا “الأوضاع في فرنسا متراجعة من الناحية الاقتصادية وأيضا من ناحية صورة العرب هناك، أضف إليها ما حدث في نيس، الأمر أصبح أصعب بكثير”.

وتساءل المثلوثي ”ماذا تفيد عبارات الاستنكار، لا جدوى منها بالنسبة للفرنسيين وللأوروبيين عامة الذين لا يرون في المهاجرين سوى عصابات ملتحية متخصصة في الإرهاب”، وأضاف “أن الجهاديين لا يستهدفون فقط صورة التونسيين والعرب المشوهة أصلا وإنما يستهدفون كذلك قوتنا وقوت عائلاتنا بعد أن هاجرت إلى مرسيليا قبل 23 عاما بحثا عن شغل”.

وقالت زوجة علي المثلوثي زهرة “ستزداد مخاوف الفرنسيين منا، إنهم لا يرون في الملتحين وفي العرب سوى إرهابيين، وهم لا يفرقون بين المسلم والإسلامي”. وقد تضرر العديد من التونسيين والمنحدرين من المغرب العربي بشكل عام في العديد من المدن الفرنسية خاصة بعد تنامي موجة اليمين المتطرف التي تقودها مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية.

تعميق خسائر العاملين في الخارج في كل عملية إرهابية
وقد ركزت لوبان كل خطاباتها وحملاتها على نقطة أن العرب في فرنسا وأوروبا لا يكتفون بمنافسة المواطنين الأوروبيين في لقمة العيش وإنما أيضا “يهددون أمنهم”، وهذا ادعاء معروف عن اليمين الشعوبي حتى منذ السنوات الثمانين من القرن الماضي وليس جديدا.

وكانت السلطات الفرنسية أكدت أن منفذ الهجوم فرنسي من أصل تونسي يدعى محمد بوهلال، ينحدر من مدينة مساكن التابعة لمحافظة سوسة الساحلية أحد أهم معاقل الإسلام السياسي وفي مقدمتها حركة النهضة. وتخشى النهضة أن تقود مجزرة نيس إلى إجهاض مساعي قياداتها إلى تبرئة النهضة من الإسلام السياسي عامة ومن التنظيم الدولي للإخوان خاصة بعد الزيارة المحفوفة بالكثير من الألغام التي أداها مؤخرا راشد الغنوشي إلى باريس.

وتؤكد تقارير مختصين في سياسات الهجرة وعلم الاجتماع أن باريس يمكن أن تراجع مواقفها من دعم اللاجئين ومسألة بقاء العرب بهذه الأعداد في فرنسا، وقد يؤثر ذلك على عدد من العواصم الأوروبية خاصة برلين.

وقال منجي بن عبدالله الخبير التونسي في قضايا الهجرة لـ”ميدل إيست أونلاين” معلقا على تداعيات هجوم نيس “لقد وجه الجهاديون ضربة في صميم مصالح تونس الاقتصادية ومصالح المهاجرين” مشددا على أن “الرأي العام الغربي بات بعد هجوم نيس أكثر اقتناعا بأنه لا فرق بين الإسلام والإسلام الجهادي، لا أحد اليوم بإمكانه إقناع الفرنسيين بأن هناك فرقا بينهما”.
ويتجاوز عدد التونسيين المهاجرين بالخارج المليون و300 ألف مهاجر تستقطب بلدان الاتحاد الأوروبي نحو 84 بالمئة منهم، وفي مقدمتها فرنسا بنحو 700 ألف تونسي أي ما يمثل حوالي 60 بالمئة من نسبة التونسيين في أوروبا.

وفي أعقاب انتفاضة يناير 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس بن علي غادر البلاد نحو 50 ألف تونسي خلال الفترة الفاصلة بين سنتي 2011 و2012 غالبيتهم بشكل غير شرعي وفق بيانات حكومية. وكثيرا ما ساعدت الهجرة على التخفيف من حدة البطالة التي تصل نسبتها العامة إلى أكثر من 15 بالمائة وتتراوح ما بين 40 و60 بالمئة في الأحياء الشعبية المتاخمة للمدن الكبرى وفي الجهات الداخلية المحرومة من التنمية.

باريس يمكن أن تراجع مواقفها من دعم اللاجئين ومسألة بقاء العرب بهذه الأعداد في فرنسا، وقد يؤثر ذلك على عدد من العواصم الأوروبية خاصة برلين

ويساهم المهاجرون بصفة لا بأس بها في تنشيط الدورة التنموية، إذ تؤكد البيانات الحكومية أن تحويلات التونسيين المهاجرين من العملة تصل إلى نحو 4000 مليون دينار سنويا، حوالي 2000 مليون دولار، وهو ما يمثل 5 بالمئة من الناتج الإجمالي الخام بالبلاد.

وتؤكد أكثر من دراسة ميدانية تونسية وأوروبية تم إنجازها أن البحث عن شغل يعد الدافع الأول لهجرة الشباب نحو البلدان الأوروبية بنسبة 73 بالمئة. ووفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء الحكومي يتجاوز حجم مبادلات تونس مع فرنسا 220 مليون دينار تونسي، حوالي 110 ملايين دولار.

وتخشى تونس أن تقود مجزرة نيس سلطات باريس وبقية السلطات الأوروبية إلى التضييق على حركة تنقل المهاجرين ومراجعة معاملاتها الاقتصادية خاصة وأن السوق الأوروبية تستأثر بنسبة 80 بالمئة من معاملاتها التجارية.

وشدد بن عبدالله على أن “ظاهرة الإسلام السياسي وزعماءها يتحملون مسؤولية تاريخية بشأن تشويه صورة الإسلام المتسامح لدى الرأي العام الأوروبي الذي بات يتوجس من هوية أي عربي”.

وأضاف قائلا “اليوم تأكد التونسيون من أن الجهاديين باتوا يستهدفون أرزاقهم واقتصاد البلاد”، مطالبا “السلطات والقوى السياسية والمدنية في تونس وفي أوروبا بقيادة جهود بما من شأنه أن يقنع الرأي العام الأوروبي بأن المسلمين هم أنفسهم ضحايا جماعات الإسلام السياسي”.

غير أن سمير الحاج علي الأخصائي في الجماعات الإسلامية قال لـ”ميدل إيست أونلاين” بنبرة حادة “على السلطات الأوروبية التي احتضنت لسنوات الإسلاميين ودافعت عنهم بل وراهنت عليهم في وقت ما تحت ما يسمى بالربيع العربي أن تتأكد من أن الإسلام السياسي ما هو إلا واجهة للإسلام الجهادي”.
7