التونسيون يحملون التيار الإسلامي مسؤولية تشويه صورتهم لدى الغرب

تونس- تحاول الآلة الإعلامية والسياسية للتيار الإسلامي في تونس أن تغطي العملية الإرهابية الأخيرة التي حدثت في نيس بالقول إن “الإسلاميين أبرياء من هذا العمل والإسلام دين تسامح” حسب تصريح أحد زعماء حركة النهضة الإسلامية. وقد أكد جل المتابعين أن هذا الرد ينطوي على تخوف من قبل الإسلاميين وخاصة المنتمين لحركة النهضة من أن يزيد غضب الشارع عليهم باعتبارهم حزبا إسلاميا يتبنى الأهداف ذاتها التي يروج لها الإرهابيون وهذا ما يضرب مصالح المهاجرين التونسيين في الغرب.
ولئن لم يكن غضب التونسيين على الإسلام السياسي بجديد إذ يعود إلى العام 2012 حين قادت حركة النهضة الحاكمة آنذاك البلاد إلى أزمة حادة فإن تأكيد السلطات الفرنسية على أن منفذ المجزرة هو فرنسي من أصل تونسي أجج سخطا عارما تجاه الإسلام السياسي الذي بات يهدد مصالح تونس الخارجية بعد أن نخر مؤسسات الدولة واستقرار المجتمع.
ودفعت دموية المجزرة بتونس إلى إدانتها رسميا وشعبيا معربة عن استنكارها وتضامنها مع باريس، خاصة وأن تونس قد مرت بظروف دقيقة لا تزال آثارها موجودة إلى اليوم، من ذلك فترة حكم الترويكا في السنوات الأولى بعد زين العابدين بن علي والتي كانت تقودها حركة إسلامية وهي حركة النهضة التي طبعت تونس بطابع محافظ تم ترويجه في الإعلام الغربي على أنه حقيقة الموجة الانتخابية التونسية في حين أن الانتخابات الثانية التشريعية والرئاسية أفرزت قوة أخرى مناقضة في خطابها للإسلاميين وهي نداء تونس الحداثية.
وقد سعت بعض الجهات الإعلامية والسياسية المقربة من الإسلاميين في تونس، خاصة في حركة النهضة إلى القيام بحملة تؤكد براءة الإسلام السياسي من الأحداث الإرهابية في نيس مؤخرا، لكن ردود الأفعال المناهضة للتيار الإسلامي أكدت أن الإسلاميين لم يكتفوا فقط باختراق أجهزة الدولة التونسية وتطويعها لخدمة المصلحة الحزبية الضيقة عبر التعيينات المكثفة لصالح التيار الإسلامي، بل تمادت أفعال الإسلاميين إلى درجة المس بالمصالح الاستراتيجية الكبرى في أوروبا وخاصة فرنسا.
على السلطات الأوروبية التي احتضنت الإسلاميين أن تتأكد من أن الإسلام السياسي ما هو إلا واجهة للإسلام الجهادي
وفي ظل اشتعال سخط اتجاهات الرأي العام التونسي وخاصة المهاجرين ببلدان الاتحاد الأوروبي رفع الغنوشي من حدة مفردات تصريحاته التي تدين المجزرة قائلا “مثل هذه الجرائم لا يجيزها الإسلام وقيمه السمحة”، مشددا في بيان وقعه بنفسه على أن مقترفي الجريمة “ليسوا سوى مجرمين خارجين على القانون وكل الشرائع”.
وعلق علي المثلوثي، وهو مهاجر يعمل في مدينة مرسيليا جنوب فرنسا عاد لقضاء عطلة الصيف في تونس، على الهجوم قائلا “الأوضاع في فرنسا متراجعة من الناحية الاقتصادية وأيضا من ناحية صورة العرب هناك، أضف إليها ما حدث في نيس، الأمر أصبح أصعب بكثير”.
وقالت زوجة علي المثلوثي زهرة “ستزداد مخاوف الفرنسيين منا، إنهم لا يرون في الملتحين وفي العرب سوى إرهابيين، وهم لا يفرقون بين المسلم والإسلامي”. وقد تضرر العديد من التونسيين والمنحدرين من المغرب العربي بشكل عام في العديد من المدن الفرنسية خاصة بعد تنامي موجة اليمين المتطرف التي تقودها مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية.
|
وكانت السلطات الفرنسية أكدت أن منفذ الهجوم فرنسي من أصل تونسي يدعى محمد بوهلال، ينحدر من مدينة مساكن التابعة لمحافظة سوسة الساحلية أحد أهم معاقل الإسلام السياسي وفي مقدمتها حركة النهضة. وتخشى النهضة أن تقود مجزرة نيس إلى إجهاض مساعي قياداتها إلى تبرئة النهضة من الإسلام السياسي عامة ومن التنظيم الدولي للإخوان خاصة بعد الزيارة المحفوفة بالكثير من الألغام التي أداها مؤخرا راشد الغنوشي إلى باريس.
وتؤكد تقارير مختصين في سياسات الهجرة وعلم الاجتماع أن باريس يمكن أن تراجع مواقفها من دعم اللاجئين ومسألة بقاء العرب بهذه الأعداد في فرنسا، وقد يؤثر ذلك على عدد من العواصم الأوروبية خاصة برلين.
وفي أعقاب انتفاضة يناير 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس بن علي غادر البلاد نحو 50 ألف تونسي خلال الفترة الفاصلة بين سنتي 2011 و2012 غالبيتهم بشكل غير شرعي وفق بيانات حكومية. وكثيرا ما ساعدت الهجرة على التخفيف من حدة البطالة التي تصل نسبتها العامة إلى أكثر من 15 بالمائة وتتراوح ما بين 40 و60 بالمئة في الأحياء الشعبية المتاخمة للمدن الكبرى وفي الجهات الداخلية المحرومة من التنمية.
باريس يمكن أن تراجع مواقفها من دعم اللاجئين ومسألة بقاء العرب بهذه الأعداد في فرنسا، وقد يؤثر ذلك على عدد من العواصم الأوروبية خاصة برلين
ويساهم المهاجرون بصفة لا بأس بها في تنشيط الدورة التنموية، إذ تؤكد البيانات الحكومية أن تحويلات التونسيين المهاجرين من العملة تصل إلى نحو 4000 مليون دينار سنويا، حوالي 2000 مليون دولار، وهو ما يمثل 5 بالمئة من الناتج الإجمالي الخام بالبلاد.
وتخشى تونس أن تقود مجزرة نيس سلطات باريس وبقية السلطات الأوروبية إلى التضييق على حركة تنقل المهاجرين ومراجعة معاملاتها الاقتصادية خاصة وأن السوق الأوروبية تستأثر بنسبة 80 بالمئة من معاملاتها التجارية.
وأضاف قائلا “اليوم تأكد التونسيون من أن الجهاديين باتوا يستهدفون أرزاقهم واقتصاد البلاد”، مطالبا “السلطات والقوى السياسية والمدنية في تونس وفي أوروبا بقيادة جهود بما من شأنه أن يقنع الرأي العام الأوروبي بأن المسلمين هم أنفسهم ضحايا جماعات الإسلام السياسي”.