التوتر الأميركي - الروسي ينذر باندلاع حرب في سوريا

سجالات بين مسؤولين أميركيين ونظراء لهم روس في موسكو وسوريا كما شنت القوات الروسية ضربات جوية ضد حلفاء واشنطن في المنطقة.
الخميس 2022/07/14
التحركات العسكرية الروسية تتصادم مع حلفاء واشنطن

دمشق - تتزايد المناوشات العسكرية بين المسؤولين الروس والأميركيين في سوريا، ما يزيد المخاوف من اندلاع حرب وشيكة بين الطرفين. وسوريا هي الدولة الوحيدة في العالم التي يتواجد فيها الجيشان الروسي والأميركي. وشهدت الأسابيع الأخيرة سجالات بين مسؤولين أميركيين ونظراء لهم روس في موسكو وسوريا، كما شنت القوات الروسية ضربات جوية ضد حلفاء واشنطن في المنطقة.

وتعتقد الولايات المتحدة أن وجودها العسكري في سوريا منذ تشكيل التحالف الدولي للحرب على داعش في أغسطس 2014، ضرورة فرضتها طبيعة تلك الحرب.

ومن ناحية أخرى، عمدت واشنطن إلى تطوير استراتيجياتها، لتشمل السعي لتثبيت خفض العنف في سوريا لمنع حدوث أزمة إنسانية جراء الحرب المستمرة منذ 2011. لكن المهمة الأساسية للقوات الأميركية تظل دعم قوات حليفة لها شمال شرق سوريا، لمنع ظهور داعش أو عودته مجددا بعد هزيمته عسكريا في مارس 2019.

◙ محللون غربيون لا يستبعدون احتمالات الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا حيث لكليهما تواجد عسكري لدعم أطراف متحاربة

وتراجعت أنشطة داعش في العامين الأخيرين تدريجيا إلى حدودها الدنيا، ولم يعد هذا التنظيم الجهادي يشكل تهديدا جديا للأمن والاستقرار في سوريا أو في العراق ودول المنطقة الأخرى، الأمر الذي يثير تساؤلات حول جدوى استمرار وجود قوات أميركية في سوريا بأعداد كبيرة نسبيا وتجهيزات قتالية في أكثر من موقع، بما فيها قاعدة "التنف" على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن. في مقابل ذلك، تشكل القوات الحليفة لإيران تهديدا جديا لأمن الجنود الأميركيين والمصالح الأميركية في سوريا.

ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن إحصائيات لوسائل إعلام أميركية، أن إيران وحلفاءها في سوريا نفذوا نحو 29 هجوما على منشآت ومصالح أميركية في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها هجمات في سوريا، للفترة بين أكتوبر 2021 وأوائل يونيو الماضي، لكن الإدارة الأميركية لم ترد على تلك الإحصائيات.

ومنتصف يونيو الماضي، نقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤولين عسكريين أن موسكو حذرت القوات الأميركية من أنهم وجّهوا ضربات جوية ضد مسلحي قوات "مغاوير الثورة" المتحالفين مع الولايات المتحدة جنوب شرق سوريا.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول عسكري أميركي قوله إن المسؤولين العسكريين الروس أخطروا الأميركيين بنيّتهم الهجوم قبل 35 دقيقة من بدئه. ورغم وجود قنوات اتصال بين الطرفين لتحذير كل منهما الآخر لتجنّب أي خطأ أو سوء تقدير أو تداخل في العمليات العسكرية، لكن لا تزال هناك تخوفات من الطرفين من احتمالات اشتعال حرب مباشرة أو عبر القوات الحليفة لهما.

ففي الأسبوع الثالث من يونيو، أي بعد نحو أسبوع على الهجوم الجوي الروسي على قاعدة "التنف" التي توجد فيها قوات أميركية وأخرى من دول التحالف وقوات محلية، حلقت مقاتلتان روسيتان في أجواء قريبة من طائرات أميركية مسيّرة كانت تنفذ مهمة قتالية ضد أحد قياديي داعش، ما دفع واشنطن إلى تحذير الطائرتين من خلال استدعاء مقاتلتين أميركيتين إلى المنطقة.

ونقلا عن مسؤولين أميركيين، أشارت "واشنطن بوست" إلى أن مسؤولين عسكريين في سوريا وثّقوا تهديدات عسكرية روسية لمقاتلات أميركية، دون أن يطلب الجانب الروسي موافقة مسبقة من الأميركيين وفق ما هو معمول به ومتفق عليه بين الجانبين.

صراع على الأرض لا يخلو من مناوشات جوية بين القطبين.. المكان سوريا
صراع على الأرض لا يخلو من مناوشات جوية بين القطبين.. المكان سوريا 

ومنذ التدخل العسكري الروسي في سوريا في سبتمبر 2015، اتفقت موسكو وواشنطن على وضع آليات مشتركة عبر قنوات اتصال، يقوم من خلالها أي جانب منهما بإخطار الجانب الآخر بالعمليات العسكرية والأنشطة الأخرى لتجنب أي سوء تقدير من أحدهما. وعلى مدى سنوات طويلة، قلّما حدثت احتكاكات بين الولايات المتحدة وروسيا، إلا في حالات نادرة.

وفي فبراير 2018، هاجمت طائرات أميركية أرتالا لقوات معظمها من شركة "فاغنر" الروسية ومن قوات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وأخرى حليفة لقوات النظام في ريف دير الزور، لمنعها من الوصول إلى حقل "كونيكو" النفطي الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" الحليفة للولايات المتحدة والمدعومة منها.

وبعد تعيين الجنرال مايكل إريك كوريلا رئيسا جديدا للقيادة المركزية الأميركية أواخر يونيو الماضي، أولى اهتماما إضافيا بالتوترات الأميركية مع كل من إيران وروسيا في سوريا، من خلال عدد من اللقاءات مع قيادات عسكرية من التحالف الدولي في قاعدة "التنف" لبحث سبل تجنّب سوء التقدير أو مجموعة من الإجراءات التي يمكن أن تؤدي إلى صراع غير ضروري.

◙ روسيا تعتقد أن الولايات المتحدة تستخدم قاعدة "التنف" لتدريب وتسليح مقاتلين متطرفين تكلفهم بتنفيذ هجمات إرهابية في سوريا

ولا يستبعد محللون غربيون احتمالات الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث لكليهما تواجد عسكري لدعم أطراف متحاربة. ووفق تقديرات غربية، تحتفظ روسيا بأكثر من خمسة آلاف جندي والعشرات من المقاتلات في قاعدة "حميميم" مركز قيادة القوات الروسية، بينما تنشر الولايات المتحدة أكثر قليلا من 900 جندي معظمهم مدربون واستشاريون، وبينهم جنود قوات متخصصة بالإنزالات الجوية لمطاردة عناصر "داعش" والقبض عليها.

وتدعم الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وهي ميليشيات محلية مرتبطة بمنظمات تصنفها الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب، مثل تنظيم "بي.كي.كي"، وهي على خلاف مع قوات النظام، وسبق أن قاتلا بعضهما في شمال شرق سوريا، بينما تدعم روسيا قوات النظام السوري والقوات المتحالفة معه المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وقوات أخرى محلية تدعمها روسيا.

وتعتقد روسيا بأن الولايات المتحدة تستخدم قاعدة "التنف" لتدريب وتسليح "مقاتلين متطرفين تكلفهم بتنفيذ هجمات إرهابية في سوريا”، وفق تصريحات المبعوث الخاص للرئيس الروسي لسوريا ألكسندر لافرنتيف.

ومنذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، والأحاديث التي تتناقلها وسائل الإعلام المحلية والأجنبية عن تقليص روسيا وجودها العسكري في سوريا، والتدخل الأميركي إلى جانب أوكرانيا ورغبتها في التضييق على الوجود الروسي في سوريا، بدا واضحا أن الملف السوري عاد إلى أولويات اهتمام الإدارة الأميركية.

ويأتي ذلك في محاولة لملء الفراغ الذي قد تخلّفه روسيا في سوريا، لمنع إيران من استغلال ذلك بالتزامن مع تصاعد حدة التوترات بين إسرائيل والأردن من جهة، وإيران من جهة أخرى، في ظل دعوات أردنية إلى تشكيل تحالف أمني إقليمي لمواجهة تهديدات القوات الحليفة لإيران على حدود الأردن الشمالية.

ويرى خبراء أن المزيد من انسحاب القوات الروسية، أو تقليل مستوى الدعم الجوي لقوات النظام السوري، سيدفع القوات المرتبطة بإيران إلى تكثيف تمركزها في مواقع ومناطق كانت تتحاشى الوصول إليها للحفاظ على علاقاتها مع روسيا في سوريا.

7