التوترات بين بغداد وأربيل تضعف حماس المستثمرين في قطاع النفط

القضاء يلغي عقودا بين إقليم كردستان وشركات كندية وأميركية وبريطانية ونرويجية.
الثلاثاء 2022/07/19
النفط نفطنا نحن نحرسه ونحن نجني عائداته

شركات أجنبية تستثمر في قطاع النفط في إقليم كردستان العراق تضطر إلى تصفية وإغلاق المناقصات والعقود القائمة، مؤكدة أنها لن تقدم على مشاريع جديدة في الإقليم استجابة لقرار المحكمة الاتحادية، وهو ما ينظر إليه مراقبون على أنه بداية لنفور المستثمرين من العراق، بسبب الخلاف المستمر بين بغداد وأربيل.

بغداد - عاد النفط وإيراداته ليشكّلا موضع خلاف بين الحكومة الاتحادية العراقية وإقليم كردستان، فيما تهدد هذه التوترات الحالية الناجمة عن مناوشات سياسية لا متناهية، بإضعاف رغبة المستثمرين الأجانب في التوجه إلى العراق.

ومنذ مطلع العام، تجلى توتر العلاقات بين إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي وبغداد في القضاء.

وترى أربيل أن الحكومة المركزية تسعى إلى وضع يدها على ثروات الإقليم النفطية، فيما تطالب بغداد بأن تكون لها كلمتها في إدارة الموارد النفطية التي تستخرج من كردستان.

ويعدّ العراق ثاني أكبر الدول النفطية في منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك”، وهو يصدّر ما معدّله 3.3 مليون برميل من النفط الخام في اليوم. أما كردستان فتنتج في اليوم أكثر من 450 ألف برميل.

أربيل ترى أن الحكومة المركزية تسعى إلى وضع يدها على ثروات الإقليم النفطية، فيما تطالب بغداد بأن تكون لها كلمتها في إدارة الموارد النفطية التي تستخرج من كردستان

ويتعذر فهم هذا الخلاف بين الطرفين من دون العودة إلى الأزمة السياسية التي تشلّ العراق منذ الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2021. ويعجز الزعماء السياسيون في الإقليم كما في بغداد عن الاتفاق على اسم رئيس جديد للحكومة ورئيس للجمهورية.

ويرى الباحث بلال وهاب، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن “بالنسبة لملف النفط، فإنّ كل طرف من الطرفين يستخدم أسلوب الجزرة والعصا، وذلك يعتمد على الجو السياسي السائد”.

ويضيف “حينما كان هناك اتفاق سياسي، لزمت المحاكم الصمت. والعكس حدث حينما بدأت الخلافات”.

وفي فبراير، أمرت المحكمة الاتحادية العليا في بغداد إقليم كردستان بتسليم النفط المنتج على أراضيه إلى الحكومة المركزية، مانحة بغداد الحقّ في مراجعة العقود النفطية مع الإقليم وإلغائها.

واعتبرت المحكمة الاتحادية أن قانونا أقر في كردستان العام 2007 لتنظيم قطاع النفط والغاز، مخالف للدستور. ومنذ ذلك الحين، تحاول الحكومة العراقية تطبيق هذا القرار.

وبناء على دعوة مقدّمة من وزارة النفط العراقية، ألغت محكمة في بغداد مطلع يوليو أربعة عقود بين إقليم كردستان وشركات كندية وأميركية وبريطانية ونرويجية.

ويحتمل كذلك أن يطول الإلغاء ثلاث شركات أجنبية أخرى، ويتوقّع أن تحسم القرار بشأنها المحكمة نفسها، كما حذّر مسؤول كبير في قطاع النفط في بغداد في حديث مع وكالة فرانس برس، مفضّلا عدم الكشف عن هويته.

ويعتبر الخبير في المسح الاقتصادي للشرق الأوسط يسار المالكي أن “حينما تقوم بغداد بطرد الشركات النفطية الأجنبية من كردستان العراق، فإن ذلك لا يعطي العراق صورة البلد المنتج الهام للنفط، المرحّب بالاستثمارات الأجنبية”.

الحلّ الأمثل لإنهاء الخلافات عقد اتفاق سياسي يضمن اعتماد بغداد قانونا مرنا ينظم إدارة ملف النفط
الحلّ الأمثل لإنهاء الخلافات عقد اتفاق سياسي يضمن اعتماد بغداد قانونا مرنا ينظم إدارة ملف النفط

ويريد إقليم كردستان فتح الباب أمام التفاوض من أجل أن يحافظ على استقلاليته في مجال النفط. ويعمل على إنشاء شركتين معنيتين باستكشاف النفط وتسويقه، تعملان بالشراكة مع بغداد، وتم عرض هذا المقترح على الحكومة الاتحادية وفق متحدّث باسم الحكومة المحلية في أربيل.

لكن الإقليم باشر مطلع يونيو تحركّين في القضاء، إحداهما يستهدف وزير النفط العراقي إحسان إسماعيل، الذي تتهمه أربيل بمحاولة “ترهيب” الشركات الأجنبية العاملة في كردستان، وفق بيان.

ويرى بلال وهاب أن الطرفين لا يدركان إلى أي مدى “يضرّان بالسمعة العامة لقطاع الطاقة العراقي”.

ويضيف أن “وضع حرمة العقود محطّ تساؤل… يضيف مخاطر قانونية على مخاطر تنظيمية وأخرى متعلّقة بالحوكمة يعاني منها العراق”، معتبرا أن الخلاف بين الطرفين “ينفّر استثمارات أجنبية يحتاج إليها العراق بشدّة”.

وفي انتصار لبغداد، أعلنت شركات شلمبرجيه وبيكرهيوز وهاليبرتون بأنها لن تقدم “على مشاريع جديدة في إقليم كردستان امتثالا لقرار المحكمة الاتحادية”. وأضافت أنها “الآن في طور تصفية وإغلاق المناقصات والعقود القائمة”.

وتشهد العلاقات بين بغداد وإقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ العام 1991، تقلّبا مستمرا.

إقليم كردستان يريد فتح الباب أمام التفاوض من أجل أن يحافظ على استقلاليته في مجال النفط

ونظريا، كان يفترض على إقليم كردستان أن يسلّم 250 ألف برميل من النفط في اليوم ليتمّ تصديرها من بغداد، مقابل حصة من الموازنة العامة تدفع كرواتب للموظفين الحكوميين ونفقات أخرى. لكن أربيل لم تسلّم النفط قط، والمدفوعات من بغداد لم تكن منتظمة.

واستهدفت هجمات صاروخية، لم تتبنّها أي جهة، في الأسابيع الأخيرة مواقع نفطية أو غازية في الإقليم. ويرى خبراء في ذلك محاولة لوضع المزيد من الضغط على الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتولّى السلطة في أربيل، على اعتبار أن الخلاف في ملفّ النفط مرتبط ارتباطا وثيقا بالأزمة السياسية.

ويسعى الحزب الديمقراطي الكردستاني، المتحالف مع رجل الدين الشيعي النافذ في العراق مقتدى الصدر، إلى أن يحصل على منصب رئاسة الجمهورية الذي يتولّاه عادة خصومه السياسيون من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.

ويشرح يسار المالكي أن “تسلسل الأحداث يظهر أن هذه الأزمة بدأت حينما تقرّب الحزب الديمقراطي الكردستاني من التيار الصدري، بمواجهة الإطار التنسيقي المدعوم من إيران”، في إشارة إلى تحالف يجمع عدة أحزاب شيعية.

لكن “العراق بلد قائم على التسويات”، وفق المالكي. ومن أجل إنهاء الخلاف النفطي مع أربيل، يرى المالكي أن الحلّ الأمثل هو “اتفاق سياسي” يضمن اعتماد بغداد قانونا “مرنا” ينظم إدارة ملف النفط.

ويضيف الخبير أن “بانتظار تحقق ذلك، سيبقى قرار المحكمة الاتحادية العليا بمثابة سيف مسلط بالنسبة لكردستان”.

7