التهم الأخلاقية تحاصر لباس المرأة غير الملائم لبيئة العمل

لا تفرق النساء أحيانا بين لباس العمل ولباس البيت ولباس السهرات والاحتفالات وكذلك ما يتلاءم معها جميعا من تسريحات وماكياج. هذا بدوره ما يحدث خلطا لدى كل من يقاسمهن الفضاء العام فلا يقدر على التمييز بين المرأة التي تقصد عملها وتلك التي تذهب في نزهة أو تستعد لحضور احتفال ما. تقول الحكمة لكل مقام مقال، إذن فلكل مكان ما يناسبه في المظهر الخارجي. ورغم ما للمظهر الخارجي من أهمية في الحياة الاجتماعية فإن نساء كثيرات يقعن في سوء الاختيار بين ما يفرضه مكان العمل على الموظفين من مظهر أنيق ولائق يتناسب مع طبيعته وبين الإفراط في التجمل والتأنق إلى درجة الوقوع في استفزاز الآخر بشكلهن فتجذبن الأنظار وتتعرضن لانتقادات هن في غنى عنها. الخيط الفاصل بين الأناقة في العمل والتبرج أو ارتداء ملابس لا تتماشى وقداسة العمل رفيع ودقيق لكن تأثيراته كبيرة.
الأحد 2016/05/15
ضوابط العمل لها قواعدها

ترتبط مسألة التمييز بين الهيئة واللباس المناسب للعمل وبين الهيئة التي تتماشى مع البيت والشارع والمناسبات بأنواعها بالمرأة أكثر من الرجل وليس ذلك من باب التمييز بل لأن التنوع ومجال الاختيار أوسع بالنسبة إلى مظهر المرأة فهي المعنية بالملابس الشفافة والكاشفة والتنانير القصيرة والملابس الضيقة وهي من لا تجد حرجا في ارتداء جميع الألوان وهي من تضع الماكياج والزينة بأنواعها وهي أيضا من تعنى بالتسريحات الخ… هذا المجال الواسع من الاختيار ومساحة الحرية التي ينتجها تجعل مسائل الشكل والمظهر والموضة مقترنة في أغلب الأحيان بالأنثى. فسوء التعامل مع هذه الحرية وسوء تقديرها يضع المرأة في مواجهة نظرة الآخر المزدرية أو الساخرة من مظهرها.

الأماكن العامة بما فيها المؤسسات والشركات الحكومية والخاصة التي يمكن أن تعمل فيها المرأة، إما كموظفة في جميع الرتب أو كعاملة والتي تكون فيها في اتصال مباشر بالمحيط الخارجي للشركة من عملاء وزبائن وغيرهم، هي فضاء للاختلاط بين الجنسين من جميع الأعمار وجميع الأوساط والفئات الاجتماعية وهي التي تقدم صورة عن ثقافة اللباس في المجتمع وعن تعامل النساء تحديدا مع مفاهيم الجمال والأناقة. وهي بخلاف الأعمال الحرة أو الأعمال غير المنتظمة في شكل مؤسساتي مثل الزراعة والفنون وغيرها تخضع لضوابط مؤسساتية ولقانون الشغل وللتوجهات العامة في المجتمعات التي ترتبط بثقافة اللباس والمظهر الخارجي. في هذا الإطار تحديدا يكون مطلوبا من المرأة العاملة كغيرها من الموظفين والعمال الالتزام بهيئة تكون مقبولة في الفضاء التي تعمل فيه حيث لا توقعها في إشكاليات وخلافات في التواصل والتعاون مع الزملاء والمدراء وكذلك مع جميع الأطراف التي تتعامل مع المؤسسة ومعها بشكل مباشر.

وفي العديد من الدول العربية والشرق أوسطية التي تسمح بما يسمى بـ”حرية اللباس” (أي التي لا تفرض نمطا معينا من اللباس على مواطنيها مثل الشادور في إيران والحجاب وغطاء الرأس في بعض الدول العربية المسلمة) ومن بينها تونس مثلا، نرى نساء في الشوارع وفي وسائل النقل العمومية وفي المحلات وأحيانا في مواقع العمل في هيئات تجعل الناظر لهن يتصور أنهن ذاهبات لحضور احتفال أو سهرة أو موعد غرامي لأن الملابس “المغرية” سواء كانت قصيرة أو ضيقة أو كاشفة والتبرج بالزينة والتسريحات المعقدة ترتبط في الوعي الجماعي بالمناسبات الخاصة والسعيدة والحميمية ولا تمت لبيئة العمل بصلة.

يفترض مكان العمل احتراما للمؤسسة وللمهنة وللمديرين ولمحيط العمل بجلّ مكوناته وهذا مبدأ لا يخص الدول العربية فحسب، ويحكم الجميع على من يحترم عمله ومؤسسته بأنه شخص جيد مهنيا لأنه احترم قداسة العمل كقيمة وقدّر مكانها واحترم ذاته قبل كل شيء، وقد أصبح مثل هذا الحكم من المسلمات في ثقافة العمل. ومن بين المقاييس التي تعتمد في تقييم مهنية العامل والموظف وجديته نجد هيئته أثناء حضوره في المؤسسة وطريقته في اختيار اللباس الذي ينسجم مع طبيعة دوره في المؤسسة وهو من بين المعايير المعتمدة أيضا عند التوظيف، لكن ذلك لا يعني أن للمظهر أولوية مقارنة بمقاييس الكفاءة والمؤهلات.

وتشترط المؤسسات باختلافها في أغلب الأحيان مستوى معينا في المظهر اللائق وإن لم يكن لديها أزياء موحدة يلتزم بها الموظفون والعمال أوقات الدوام فإنها تضع حدودا للهندام ولاحترام المؤسسة وهذه الحدود سواء كانت رسمية ومدونة في عقد العمل أو هي متفق عليها بصفة ضمنية وأخلاقية.

مسألة التمييز بين الهيئة واللباس المناسب للعمل وبين الهيئة التي تتماشى مع البيت والشارع والمناسبات بأنواعها ترتبط بالمرأة أكثر من الرجل وليس ذلك من باب التمييز بل لأن التنوع ومجال الاختيار أوسع بالنسبة إلى مظهر المرأة
ويسعى الموظفون للانضباط لهذه القواعد في الهندام مثل انضباطهم بباقي قواعد العمل غير أن حالات عدم الالتزام سواء كانت بملابس كاشفة أو بارتداء أزياء لم تكن منتشرة بشكل لافت في المؤسسات مثل الحجاب والنقاب مثلما انتشرت في السنوات الأخيرة موجودة إلى درجة ملحوظة وهي خاصة في الدول العربية لا يمكن أن تروج إلا لنظرية أن ثقافة العمل لدى بعض الفئات الاجتماعية مازالت ضعيفة، كما أن ثقافة وعادات الفصل بين الموضة والزيّ اللائق بالعمل وغيره من الأزياء لباقي المناسبات والأماكن تحتاج دعما وتوعية الموظفات بها بل وتدريبهن عليها وإدخالها ضمن منظومة العمل بأكملها.

ولا تقصد المرأة في المجتمعات الأوروبية عملها إلا وهي تضع ماكياجا بارزا للعيان وترتدي الملابس الأكثر أناقة والتي تتناسب مع روح عملها ومؤسستها وقد بات هذا الأمر معتادا وجزءا من ثقافة العمل لدى الأوروبيات وهو توجه عام يواكبه العامل ويراعيه مثلما تحرص على استمراريته المؤسسات، بل إنها تعتبره ضرورة مهنية لحسن سير العمل في شركات تعتبر نفسها مرموقة ولها مكانة محترمة لدى العامل وفي محيطها. ورغم اهتمام الطرفين بالمظهر الخارجي وباللباس في نطاق المؤسسة إلا أن هناك حدودا مضبوطة في هذا التوجه العام لأنه ليس مسموحا للموظفات والعاملات أن تكون زينتهن مبالغا فيها ولا أن تكون ملابسهن كاشفة لمفاتنهنّ.

ولا يمكن استثناء الدول العربية والمؤسسات العربية بشكل شمولي من بلوغ توازن فعلي بين ما تشترطه المؤسسة فيما يخص الهندام واللباس الملائم للعمل وبين ما يرتديه العمال والموظفون تجاوبا معها، وبمفعول الانفتاح على المجتمعات التي تمتلك ثقافة تقدس العمل والمؤسسة فإن ثقافة التمييز بين المظهر المناسب للعمل وبين المظهر الذي يصلح لأماكن أخرى تسللت للعقلية العربية وبدأت تترسخ شيئا فشيئا بحسب درجة الوعي العام بضرورة التمييز وبحسب القوانين المتبعة في العمل وصرامتها تجاه تجاوب العامل مع مقتضيات وشروط العمل والانتماء لمؤسسة معينة. كما أن نشأة هذه الثقافة يرجع كذلك لما تروّجه وسائل الإعلام والاتصال من صور لنساء تستجبن لقواعد العمل دون أن تهملن جمالهن وأناقتهن وكذلك لما تشتغل عليه آخر صيحات الموضة التي أصبحت تنظم عروضها وتصاميمها بحسب المحاور أو المواضيع فتجد أزياء للعمل وللفضاء العام، وزينة خاصة بالنهار وبالعمل وأخرى مخصصة لليل وللسهرات من زينة وألبسة.

ويبقى منوطا بعهدة المرأة وخاصة العاملة أن تحرص على ترسيخ ثقافة عمل تأخذ بعين الاعتبار التوفيق بين جمالها وأنوثتها ومواكبتها للموضة وبين ما يفترضه مقر العمل من لباس أنيق ولائق في آن، وتكون في هيئة منزهة عن السعي لجذب أنظار الرجال في محيطها المهني والتأثير على المسؤولين منهم بأساليب بعيدة عن المهنية مستغلة فيها شكلها وأناقتها وأنوثتها للوصول لتحقيق النجاح في العمل والترقي بمؤهلاتها البدنية بدل مؤهلاتها العلمية، وهو في الآن ذاته ما يعرضها للمضايقات والمعاكسة وأحيانا التحرش في الشارع وفي الفضاء المؤسساتي. ومثل هذه الحالات رغم قلتها يستشهد بها جانب من المجتمعات العربية وخاصة الرجال عند محاولتهم إثبات أن النساء لا يجب أن يعملن ولا يقبلون أن تكون المرأة في مناصب أفضل من مناصبهم أو أن تكون رئيستهم في العمل فيوجهون لها دوما تهما أخلاقية من قبيل أنها استعملت جسدها ولباسها وأنوثتها للوصول إلى منصب قيادي في المؤسسة.

صحافية من تونس

20