"التنكيش" حرفة جديدة للبنانيين فقدوا وظائفهم

أثّرت الأزمة الاقتصادية على جلّ اللبنانيين، فمنهم من ترك البلاد مُرغما ومنهم من أُطرد من وظيفته وآخرون أغلقوا محلاتهم التجارية مكرهين. ولم يجد هؤلاء بديلا سوى بالبحث في القمامة المتراكمة عن رزق من البلاستيك والخردة (التنكيش). وعلى الرغم من تزايد أعداد هؤلاء، إلا أن أزمة القمامة التي تملأ الشوارع لا تزال قائمة.
بيروت – تفاقمت ظاهرة “النكاشين” في بيروت ومنطقة جبل لبنان مع ارتفاع نسبة البطالة بسبب الأزمة غير المسبوقة التي تعصف بلبنان، وبالرغم من بعض إيجابياتها إلا أنها لا تسهم في حل أزمة النفايات المزمنة.
و”النكاشون” هم أشخاص يبحثون عمّا هو قابل للبيع في أكوام النفايات، فيجمعون بعض الأصناف كالبلاستيك والألمنيوم وغيرها، بهدف بيعها لتكون مصدر رزق لهم.
وفي حين أدت الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ حوالي ثلاث سنوات إلى مستويات عالية من التضخم، وتسببت بفقدان الوظائف وإغلاق مؤسسات الإنتاج، فإن البعض وجد في “التنكيش” بابا جديدا للرزق يمكن أن يقيه شر العوز، غير آبه بالانتقادات الاجتماعية أو المخاطر الصحية التي يمكن أن يسببها هذا النوع من العمل.
وقال محمد بدران الذي يعمل في مجال “التنكيش” في بيروت “كنت أعمل منذ 30 عاماً في تجارة المقتنيات القديمة الأنتيك، لكن الأزمة الاقتصادية في لبنان أقفلت باب هذه التجارة فاضطررت للعمل في مجال النفايات لكي أعيش”. وأضاف “أقوم بجمع قناني المياه البلاستيكية والغازية، كما أجمع التنك، والنيلون والكرتون بشكل يومي”.
"النكاشون" يسهمون جزئيا في عملية فرز النفايات، إلا أنه فرز عشوائي ولا يمكن أن يسهم في حل الأزمة المزمنة
وتابع بدران الذي لا يرتدي قفازات أو قناعا واقيا أثناء القيام بعمله “بعد تجميع النفايات يأتي أحد التجار إلى المكان، ويقوم بوزن أصناف النفايات المجمّعة ويدفع ثمنها ويأخذها”.
وكشف أنه يبيع “كيلو البلاستيك بثلاثة آلاف ليرة لبنانية، وأحياناً يصل سعره إلى سبعة آلاف، وكيلو قناني المياه الغازية المصنوعة من التنك بـ30 ألف ليرة لبنانية، وطنّ الكرتون بـ20 دولارا أميركيا”.
وقال حسين وهبي الذي يعمل أيضا في “التنكيش” في بيروت “كان لدي محل تجاري لبيع الثياب وخياطتها، إلا أن تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية دفعني إلى إغلاق المحل”.
وأضاف “منذ أقل من عام اتجهت للعمل في ‘التنكيش’، ولم يكن أفراد عائلتي ولا أصدقائي راضين عن عملي لكني لا أخجل من هذا العمل”.
وتابع وهبي “أجمع كل ما يمكن بيعه من الحاويات، التنك والبلاستيك والكرتون، والمال الذي أجنيه يؤمن الطعام لعائلتي، وهو أفضل من طلب المساعدة من صديق أو رفيق أو نسيب”.
ويرى مختصون في مجال البيئة أن ظاهرة “النكاشين” تفاقمت بسبب عدم وجود انتظام في جمع ونقل النفايات، وبسبب ارتفاع الجدوى الاقتصادية لعمل هؤلاء. فيما يرى آخرون أن التنكيش يسهم جزئيا في عملية فرز النفايات، إلا أنه فرز عشوائي ولا يمكن أن يسهم في حل أزمة النفايات المزمنة في لبنان.
وقال المهندس البيئي أنور الشامي إن “انتشار ظاهرة ‘النكاشين’ في لبنان ليست حديثة العهد ولقد عاينت هذه الظاهرة في العام 2016 في منطقة البقاع الأوسط وعمرها في بعض المناطق حوالي 30 عاما”.
ورأى أن المستجد بالنسبة إلى هذه الظاهرة “هو انتشارها في العاصمة بيروت ومنطقة جبل لبنان، حيث كانت نسبة ‘النكاشين’ فيها سابقا قليلة جدا”.
وأضاف أن عمل “النكاشين” له وجه “إيجابي على مستوى أزمة النفايات المزمنة في لبنان لكنه لا يسهم في حلّ هذه الأزمة، لأن حلها ينبغي أن يكون مؤسساتيا ابتداءً من الفرز من المنزل والجمع والمعالجة. أما عمل ‘النكاشين’ فيفتقد إلى الإطار التنظيمي ويتمثل بفرز عشوائي لقسم صغير من النفايات”.
وتابع الشامي “ما نشهده اليوم هو انتشار النكاشين في شوارع العاصمة حيث يبحثون في الحاويات عن أصناف من النفايات ويقومون بتجميعها في بعض زوايا الشوارع، ليأتي لاحقاً من يشتريها”، لافتاً إلى “وجود آثار سلبية لهذه الظاهرة على المستوى الاجتماعي والصحي”.
واعتبر أن الظاهرة تفاقمت حاليا لعدة أسباب “أولها الأزمة الاقتصادية التي أسفرت عن ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل، والسبب الثاني هو أن النفايات التي يتم جمعها تباع بالدولار الأميركي، وبسبب انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار، بات المردود المادي لبيعها ذا جدوى مقبولة اقتصاديا”.
وقال المهندس مروان فخر “نجد عند مدخل بعض المكبات مافيات لم تستطع القوى الأمنية أن توقف عملها، وأفراد هذه المافيات هم الذين يسمحون لبعض ‘النكاشين’ بالدخول إلى المكبات ولا يسمحون لآخرين، وذلك خاضع لمبدأ الجدوى الاقتصادية وفرض القوة، ومن يدفع أكثر يحصل على إذن بالدخول”.
وكشف أنه “قبل العام 2019 كان عدد ‘النكاشين’ في لبنان قليلا جداً، وكان بعض هؤلاء يتخصصون بجمع بعض الأصناف كالبلاستيك القاسي مثلاً أو الحديد. أما اليوم فبات عددهم أكبر حيث يقومون يجمع كل ما يمكن بيعه”.
ولفت إلى أن “عملية جمع النفايات تأثرت بالأزمة الاقتصادية والمالية، فكانت الشركات المكلّفة بجمع النفايات ورفعها تقوم بعملها أربع مرات في الأسبوع في شوارع بيروت، أما اليوم فهي تقوم بذلك مرة كل 10 أيام”.
وأوضح فخر أن “فرز النفايات عنصر أساسي من عناصر حل أزمة النفايات ويسهم بحلّ حوالي 20 في المئة من هذه الأزمة، ولكن ما يقوم به ‘النكاشون’ هو سيف ذو حدين، فهم من ناحية يجمعون المواد من الحاويات وهي لا تزال بحالة جيدة قبل أن يؤثر على جودتها عامل الوقت، وهذا أمر إيجابي، إلا أن عملية البحث في النفايات تتم بطريقة عشوائية وتؤدي إلى أضرار بيئية وصعوبة في تنظيف محيط الحاويات بعد رفع النفايات”.