التنقيب الأثري يعود إلى الحياة في مهد الحضارات

أستاذ علم الآثار في جامعة القادسية يعتبر أن وضع مجال الآثار دخل مرحلة يمكن وصفها بـ"التحسن" أو "الشفاء" أو "التعافي".
الاثنين 2023/03/06
العراقيون تمكنوا من رؤية آثارهم أخيرا

تتعافى المواقع الأثرية في العراق التي واجهت “موجتين من الدمار”، تبعت أولاهما العقوبات الدولية القاسية التي فُرضت إثر غزو العراق للكويت سنة 1990 والثانية في 2003 بعد الغزو الأميركي عندما “انهار كل شيء”، تدريجيا مع اكتشاف جديد سلط الضوء مرة أخرى على “مهد الحضارات”.

بغداد - اكتشفت بعثة أثرية دولية مؤخرا ما يُعتقد أنه كان مطعما أو حانة قبل 5 آلاف سنة في مدينة لجش القديمة الواقعة جنوب العراق.

وشملت قاعة الطعام القديمة نظام تبريد بدائي والمئات من الأواني المصنوعة من الطين وبقايا متحجرة لأسماك مطهوة. وأدى الاكتشاف الذي أعلن عنه فريق بقيادة جامعة بنسلفانيا في أواخر يناير إلى جذب الاهتمام من خارج حدود العراق. وتزامن مع عودة ظهور علم الآثار في بلد يُشار إليه غالبا بـ”مهد الحضارات”.

وتسببت عقود من الصراع قبل الغزو الأميركي وبعده في توقف هذه الأنشطة. وعرّضت هذه الأحداث مواقع البلاد الثرية بالآثار للناهبين الذين سلبوها عشرات الآلاف من القطع التاريخية.

وقال رئيس هيئة الآثار والتراث العراقي الدكتور ليث مجيد حسين في حديث مع وكالة أسوشيتد برس، إن آثار النهب كانت شديدة على مجال الآثار، وأكّد أن “الحروب وفترات عدم الاستقرار أثرت بشكل كبير على الوضع في البلاد بشكل عام لسوء الحظ”.

لكن أنشطة التنقيب عادت مع استرجاع حالة الهدوء النسبي خلال السنوات القليلة الماضية. وتمكّن العراق من استرجاع الآلاف من القطع الأثرية المسروقة، مما بثّ الأمل في نهضة أثرية.

واعتبر أستاذ علم الآثار في جامعة القادسية جعفر الجوتيري أن وضع مجال الآثار دخل مرحلة يمكن وصفها بـ”التحسن” أو “الشفاء” أو “التعافي”.

يذكر أن العراق هو موطن لستة مواقع مدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، ومن بينها مدينة بابل القديمة التي كانت مهدا لعدد من الإمبراطوريات القديمة التي ازدهرت تحت حكم أمثال حمورابي ونبوخذ نصر.

حح

وحدد أستاذ علم الآثار أن المواقع الأثرية في البلاد واجهت “موجتين من الدمار”، تبعت أولاهما العقوبات الدولية القاسية التي فُرضت إثر غزو العراق للكويت سنة 1990 حيث اعتمد العراقيون اليائسون على نهب القطع الأثرية كمصدر للدخل. وكانت الثانية في 2003 بعد الغزو الأميركي، عندما “انهار كل شيء”.

وأنهى الفراغ الأمني وصعود تنظيم داعش جميع أعمال التنقيب منذ ما يقرب من عقد في جنوب العراق، بينما استمر في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في الشمال. ونُهبت المواقع القديمة وتم تهريب عدد كبير من القطع الأثرية إلى خارج البلاد.

ووصلت أولى الفرق الدولية التي عادت إلى جنوب العراق في 2014، ثم نمت أعداد الوافدين بنسق يعكس ترددا ملحوظا.

وانطلق الحفر في لجش لأول مرة سنة 1968. ثم انقطع بعد 1990، وظل الموقع دون نشاط حتى 2019. لكن عالم الآثار العراقي زيد الراوي، وهو مدير مشروع لجش، قال إن الموقع لم يعان من النهب كغيره. واعتبر أن جهود القبائل التي  تعيش في المنطقة هي السبب الرئيسي في ذلك.

مدير مشروع لجش يؤكد أن الموقع لم يعان من النهب كغيره. واعتبر أن جهود القبائل التي تعيش في المنطقة هي السبب الرئيسي في ذلك

وذكر أن الناهبين المحتملين الذين تواتروا على المنطقة لاقوا مواجهة من “القرويين المحليين الذين يعتبرون هذه المواقع ملكية خاصة بهم”.

وأكّد كشف عمليات حفر سابقة عن مجمع معابد وبقايا مبان مؤسسية، مما جعل علماء الآثار يركزون على المناطق التي من شأنها أن تقدم أدلة على حياة الناس العاديين عندما استأنفوا أنشطتهم في 2019. وعثروا على ما تبيّن أنه ورشة للفخار تحتوي على عدة أفران مكتملة بالتماثيل الصغيرة وحُفر تمر من وجبات العمال الخفيفة التي تناولوها أثناء دوامهم.

ويُعتقد أن الموقع يعود إلى حوالي 2700 عام قبل الميلاد حين كان تناول الجعة منتشرا بين السومريين القدامى الذين سكنوا لجش في ذلك الوقت. ودفع هذا الكثيرين إلى استنتاج أن الموقع كان حانة ومطعما. لكن زيد الراوي يتوقّع أن الموقع كان “كافيتيريا” لإطعام عمال من ورشة الفخار المجاورة. وكان والد الراوي عالم آثار، وكثيرا ما رافقه في زيارة المواقع.

ومع توسع الاستكشافات الأثرية، تدفقت التمويلات الدولية لترميم المواقع التراثية المتضررة مثل جامع النوري الكبير في الموصل. كما تسعى السلطات العراقية لاستعادة القطع الأثرية المسروقة من بلدان قريبة مثل لبنان والولايات المتحدة.

وفتح المتحف الوطني العراقي أبوابه للجمهور مجانا أيام الجمعة انطلاقا من الشهر الماضي، وهذه سابقة في التاريخ الحديث. وتجولت العائلات في قاعات مليئة بالألواح الآشورية وشاهدت لوح جلجامش، وهو لوح صغير من الطين يعود تاريخه إلى 3500 عام ونُهب من متحف عراقي قبل 30 سنة واستُرجع من الولايات المتحدة قبل عامين. وكان من بين 17 ألف قطعة أثرية منهوبة أعيدت إلى العراق من الولايات المتحدة.

وقالت معلمة التاريخ ابتسام خلف التي كانت من زوار المتحف إن “هذه المبادرة جميلة لأنه يمكننا رؤية الأشياء التي كنا نسمع عنها”. وذكرت أن تجربة طلابها كانت تقتصر في الماضي على الاطلاع على صور القطع الأثرية المطبوعة في الكتب، “ولكن أصبح الآن بإمكاننا رؤية هذه القطع الأثرية الجميلة مباشرة”.

18