التمييز الجمركي الأميركي يعكس شراكة إستراتيجية أعمق مع المغرب

رسوم بـ10 في المئة فقط: الرباط تحصد ثمار علاقاتها المتميزة مع واشنطن.
الجمعة 2025/04/11
الرسوم المنخفضة تتجاوز التبادل التجاري إلى مفاتيح الجغرافيا والسياسة

في عالم الاقتصاد السياسي لا تكون الرسوم الجمركية مجرد أداة مالية، بل تعتبر مؤشرا دقيقًا على درجة القرب أو البعد في العلاقات الإستراتيجية. وبهذا المنطق، فإن نسبة 10 في المئة التي فُرضت على المغرب ليست مجرد رقم عابر، بل شيفرة دبلوماسية تُترجم حجم الثقة التي توليها واشنطن للرباط.

الرباط - بينما فرضت الولايات المتحدة رسوما جمركية على دول شمال أفريقيا وصلت إلى 30 في المئة على الجزائر و28 في المئة على تونس، اكتفت إدارة الرئيس دونالد ترامب بفرض 10في المئة فقط على المغرب.

ولا يبدو هذا التمييز مجرد صدفة أو استثناء اقتصادي، بل يعكس – وفق مراقبين – مستوى أعمق من الشراكة الإستراتيجية التي تربط الرباط بواشنطن، والتي تتجاوز لغة التبادل التجاري إلى مفاتيح الجغرافيا والاصطفاف السياسي.

ويرى هؤلاء المراقبون أن واشنطن اختارت عن قصد ألا تُحمّل المغرب عبء الرسوم الجمركية الجديدة، ليس فقط حفاظًا على شريك إستراتيجي نادر في القارة، بل أيضا كتعبير غير مباشر عن مكافأة سياسية على دور الرباط في الاستقرار الإقليمي ومحاربة الإرهاب.

ويرتبط المغرب والولايات المتحدة باتفاق تبادل حر منذ عام 2006، وهو الوحيد من نوعه في القارة الأفريقية. ورغم أن الميزان التجاري يميل بشكل واضح لصالح واشنطن – حيث بلغت صادراتها إلى المغرب في 2024 أكثر من 5.3 مليار دولار، مقابل واردات بقيمة 1.9 مليار دولار فقط – فإن المعاملة التفضيلية التي حظي بها المغرب في هذه السياسات الحمائية الأميركية تعكس ما هو أبعد من حسابات العجز أو الفائض.

النسبة المنخفضة للرسوم الجمركية على المغرب ليست فقط نتاج اتفاقات اقتصادية، بل تجسيد لعلاقة إستراتيجية ممتدة تعززت في السنوات الأخيرة بمواقف سياسية واضحة

ويقول المحلل الاقتصادي محمد الشرقي إن “النسبة المنخفضة للرسوم الجمركية على المغرب ليست فقط نتاج اتفاقات اقتصادية، بل تجسيد لعلاقة إستراتيجية ممتدة تعززت في السنوات الأخيرة بمواقف سياسية واضحة.”

ومنذ تصنيفه كـ”حليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي” عام 2004، حافظ المغرب على موقعه كأحد شركاء واشنطن الموثوقين في المنطقة.

وقد تعزز هذا الموقع أكثر بعد اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على صحرائه في 2020، وتكرار هذا الموقف في أكثر من مناسبة، آخرها تصريحات وزارة الخارجية الأميركية هذا الأسبوع بعد لقاء وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره الأميركي ماركو روبيو في واشنطن.

ويشير هذا الاعتراف، الذي جاء ضمن حزمة سياسية أشمل، إلى دور المغرب في هندسة التوازنات الإقليمية الجديدة التي ترعاها واشنطن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ويعزز الموقع الجغرافي للمغرب، الواقع على بوابة أوروبا وغرب أفريقيا، من أهميته الجيوسياسية. وتشير تقارير إلى أن واشنطن تنظر إلى المغرب كمنصة محتملة للاستثمارات الأميركية في القارتين، لاسيما في ظل تصاعد التوترات مع الصين ومع عدد من الدول الأوروبية حول الرسوم التجارية والهيمنة الصناعية.

وهذا البُعد تعكسه تصريحات المتحدث باسم الحكومة المغربية مصطفى بايتاس الذي قال مؤخرًا إن “المغرب مستعد دائمًا لتعزيز اتفاق التبادل الحر، بما يخدم دوره كبوابة اقتصادية واستثمارية نحو أفريقيا والعالم العربي.”

ومع الاهتمام الأميركي المتزايد لدخول الأسواق الأفريقية يمثل المغرب فرصة حاسمة للشركات الأميركية، ليس فقط لديناميكيته الاقتصادية، بل أيضا لموقعه الإستراتيجي.

ووصفت وزارة الزراعة الأميركية السوق المغربية بأنها “مستقرة ومتنامية”، كما اعتبرتها مركز توزيع مهم لأفريقيا، مبرزة أن البلد يستورد كميات كبيرة من السلع الغذائية.

ويتزامن ذلك مع تسجيل نمو مطرد في قطاع الصناعات الغذائية بفعل ارتفاع الطلب الاستهلاكي، ما يعكس التقدم الكبير في العلاقات الاقتصادية الثنائية التي ترغب الولايات المتحدة في زيادتها.

وتعد الشراكة الأمنية بين البلدين أحد أعمدة العلاقات الثنائية. فقد شارك المغرب في تدريبات “الأسد الأفريقي”، التي تشرف عليها القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، بشكل سنوي، وهو من بين الدول القليلة في المنطقة التي تتعاون بانتظام مع أجهزة الأمن والدفاع الأميركية في ملفات مكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتصدي للجريمة العابرة للحدود.

وينعكس هذا التعاون الأمني بشكل غير مباشر في السياسة التجارية، حيث تميل واشنطن إلى حماية الشركاء في أولوياتها العسكرية والأمنية.

ويشير محللون إلى أنه يمكن للمغرب استثمار هذا التمييز الجمركي كنجاح دبلوماسي جديد يعزز روايته كشريك إستراتيجي موثوق غربًا وجنوبًا.

التمييز الجمركي الأميركي نجاح دبلوماسي جديد يعزز دور المغرب كشريك إستراتيجي موثوق غربًا وجنوبًا
التمييز الجمركي الأميركي نجاح دبلوماسي جديد يعزز دور المغرب كشريك إستراتيجي موثوق غربًا وجنوبًا

وتمثل الرسوم المنخفضة فرصة لجعل صادراته أكثر تنافسية في السوق الأميركية، خاصة في مجالات النسيج، والفوسفات، والصناعات الغذائية.

ولكي تحافظ الولايات المتحدة على مصالحها الأمنية الوطنية في أفريقيا، فمن الأهمية بمكان أن تظل منخرطة في إيجاد حلول مستدامة للقضايا المتأصلة في العجز الأمني المزمن في هذه المنطقة المتقلّبة. وهذا يتطلب التفكير في وسائل بديلة لنهج القوة الصارمة الذي يتم نشره بشكل منهجي لمواجهة عدم الاستقرار المتزايد في مثل هذا السياق الجيوسياسي المعقد في أفريقيا.

وتتضمن الإستراتيجية العملية للتعامل مع هذه الحقائق الجديدة على الأرض إشراك شركاء جديرين بالثقة وقادرين ولديهم سجل مثبت في تقديم حلول قابلة للتطبيق للخلل طويل الأمد في أفريقيا، وذلك من خلال استهداف العجز الأمني، وتعزيز التنمية الاقتصادية واقتراح أطر تعاونية وشاملة مربحة للجميع.

ويرى الدكتور الحسين غزوي، مدير إدارة الشؤون الثقافية بالأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، أن المغرب يبرز كواحد من أقدم وأكثر حلفاء الولايات المتحدة موثوقية في أفريقيا، حيث يتمتع بسجل حافل كمروّج قوي لنسخته الخاصة من التعاون بين بلدان الجنوب ومؤيد قوي للنهج الذي يفضل الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية، وهو مدعوم في ذلك بالاقتناع بأن أفريقيا يجب أن تثق بإمكاناتها لمواجهة التحديات المتعددة التي تعيق تنميتها مثل الإرهاب المحلي، والاتجار بالبشر، وتأثيرات تغير المناخ، وتراجع الديمقراطية، وسوء إدارة الموارد، والفساد المستشري والمحاولات المتكررة لاستخدام العنف لإثارة التغيير السياسي.

وتستفيد السياسة الأفريقية للمغرب من عدد من الأصول بما في ذلك دبلوماسيتها العامة المتجددة ومبادراتها المستمرة، وخاصة دبلوماسيتها الدينية المعاد اختراعها والتي تهدف إلى تعميق علاقات المملكة مع قارتها التي تنتمي إليها والحفاظ على علاقاتها الإستراتيجية مع الشركاء الرئيسيين.

ويعتبر تقديم الدعم الكامل للسياسة الأفريقية متعددة الأشكال للمغرب على أساس القناعة الراسخة بأن الشراكة القوية والمربحة للطرفين مطلوبة لإعطاء زخم جديد لمجموعة الأطر التعاونية القائمة، والمكرسة لإنشاء جبهة موحدة ضد البيئة الأمنية الفوضوية والمتدهورة في منطقة الساحل. ويبدو أن السعي للحصول على شريك قادر وجدير بالثقة وريادي مثل المغرب هو الاستثمار الصحيح في خضم تدهور الوضع الأمني في مختلف أنحاء القارة واندلاع التوترات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأوسع نطاقا.

6