التمرد عند رامي شعث بدأ من البيت

بعد إطلاق سراحه من سجن مصري في يناير الماضي تزايدت التساؤلات بشأن الناشط المصري وفلسطيني المولد رامي شعث الذي بدأ تمرده باكراً من البيت حيث تجادل مع والده بشأن حل القضية الفلسطينية إذ يعد شعث الابن راديكاليا في مواقفه من ذلك.
رام الله (فلسطين) - أثار إطلاق سراح رامي شعث الشهر الماضي من سجن مصري تساؤلات عن مسيرة الرجل والاتهامات الموجهة إليه التي قادته إلى هناك حيث يعد شعث معارضا صريحا للدكتاتوريات العربية ومناهضا للحكم الإسرائيلي للفلسطينيين حيث نشأ تمرده من البيت.
ولم يتم إخبار شعث الذي أُطلق سراحه بعد تخليه عن الجنسية المصرية عن سبب احتجاز السلطات المصرية له في زنزانة مكتظة لأكثر من عامين ونصف العام. لكنه يعتقد أن نشاطه الحقوقي يُنظر إليه على أنه تهديد لإسرائيل وهو ما قاده إلى هناك.
كما تُعد مواقفه خروجا كبيرا عن نهج القيادة الفلسطينية، التي تضم والده نبيل شعث، وهو مفاوض سلام مخضرم يبلغ من العمر 83 عاما.

يوسي بيلين: أتفهم الإحباطات لكن بالإمكان إقامة دولة فلسطينية
وشارك شعث (50 عاما) المصري وفلسطيني المولد، في انتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس المصري الراحل حسني مبارك، وهو أمر يذكره في نفس الوقت مثل دوره في تأسيس الفرع المصري بحركة المقاطعة التي يقودها الفلسطينيون ضد إسرائيل. وقال شعث “كل هذا عمل مدني غير عنيف ضد الظلم… وضد الاحتلال وكذلك الدكتاتورية… وسأستمر في ذلك”.
ويعد شعث جزءا من جيل جديد من النشطاء الذي شكله القمع القاسي لانتفاضات 2011 وفشل عملية السلام في الشرق الأوسط، وأكثر تركيزا على حقوق الإنسان من التركيز على النزاعات الأيديولوجية والإقليمية لجيل آبائهم.
وفي مصر، يكون النضال من أجل الحريات الأساسية والإفراج عن عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين بالنسبة إلى الفلسطينيين تبني نهج قائم على الحقوق في مواجهة كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية الاستبدادية بشكل متزايد.
وينحدر النشطاء الأكثر وضوحا من النخبة المثقفة، لكنهم يعبّرون عن إحساس سائد بالظلم يشعر به الناس العاديون في العالم العربي ويتواصلون معه بطرق مختلفة. وقد أشعل هؤلاء الاحتجاجات ضد كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وهي حكومة تتمتع بالحكم الذاتي في جيوب الضفة الغربية، خلال العام الماضي.
وترى حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي تحظى بشبه إجماع بين مجموعات المجتمع المدني الفلسطيني، أن أي حل يجب أن يقوم على أساس منح الفلسطينيين حقوقا متساوية (في دولة واحدة أو دولتين) بدلا من المساومة على الأرض.
وتسعى القيادة الفلسطينية التي لا يزال يسيطر عليها جيل شعث الأكبر لإقامة دولة إلى جانب إسرائيل في القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة، وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967.
وتقل أعمار حوالي 60 في المئة من الفلسطينيين عن 30 عاما، ولا يتذكرون سوى القليل عن عملية السلام التي أطلقتها اتفاقيات أوسلو عام 1993 والمفاوضات التي تعثرت مرارا وتكرارا قبل أن تتوقف قبل أكثر من عشر سنوات.
وشارك شعث الابن في الجولات الأولى من المحادثات لكنه تخلى عن العملية وعاد إلى مصر في 1998 مقتنعا بأن إسرائيل والولايات المتحدة ليستا جادتين وأن القيادة الفلسطينية ليست لديها خطة بديلة.
وقال إنه ووالده “تجادلا بالتأكيد”، لكن ليس من حيث المبدأ. مشددا على ذلك بقوله “أكنّ كل الاحترام لوالدي والإعجاب بعمله طوال حياته. لكن بالنسبة إليّ لا أرى أن هذا سيؤدي إلى أي شيء”.
ولم يتسن الوصول إلى نبيل شعث للتعليق.
ودعّم شعث الابن حركة المقاطعة منذ تأسيسها في 2005، معتقدا أن “نموذج جنوب أفريقيا” للمقاطعات الدولية من شأنه أن يشكّل ضغطا أكثر فاعلية على إسرائيل. وقد أسس الفرع المصري في 2014.
وتقول إسرائيل إن حركة المقاطعة لا علاقة لها بحقوق الإنسان، وبدلا من ذلك، تعتبره بمثابة اعتداء على وجودها ذاته، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنها تدعو إلى عودة الملايين من اللاجئين الفلسطينيين. وتقول إسرائيل إن ذلك سيعني نهاية الدولة اليهودية الوحيدة في العالم، ويحكم مرة أخرى على اليهود بأن يكونوا أقليّة محاصرة في منطقة معادية.
وأقرت إسرائيل قانونا في 2017 يمنع دخول الأجانب الذين يدعون إلى المقاطعة. كما حشدت معارضة مناهضة لحركة المقاطعة في الكونغرس الأميركي والمجالس التشريعية للولايات، وقد طعنت المحاكم في البعض منها.
وقال يوسي بيلين، البالغ من العمر 73 سنة، وهو مسؤول إسرائيلي كبير سابق ومفاوض سلام، إنه يتفهم الإحباطات العميقة لدى الجانبين. لكنه يصرّ على أن إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل هي الطريقة الواقعية الوحيدة لحل النزاع.
وأكد أن “إسرائيل ليست دولة فصل عنصري. إنها محتلّة لفترة طويلة، وهذا سيء بما فيه الكفاية”، ووصف الرؤى اليوتوبية لدولة واحدة للإسرائيليين والفلسطينيين بأنها غير واقعية.
وتظهر استطلاعات الرأي تضاؤل الدعم لحل الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين ، لكن تأييد حلّ الدولة الواحدة أقل من ذلك، وهي فكرة مرفوضة تماما لدى القادة من كلا الجانبين.
كما تخلت إدارة الرئبس الأميركي السابق دونالد ترامب أيضا عن مسار أوسلو وتبنّت بدلا منه نهجا منحازا إلى إسرائيل.
وكان رامي شعث، مثل جميع الفلسطينيين تقريبا، يعارض بشدة خطة ترامب للشرق الأوسط واعتقل في صيف 2019، بعد أسابيع من عقد الولايات المتحدة مؤتمرا في دولة البحرين بهدف حشد الدعم العربي.
وقال “كانت معارضتي الشديدة لـ’صفقة القرن’ لدونالد ترامب في فلسطين، على ما أعتقد، هي العامل الحاسم الذي دفع السلطات المصرية إلى اعتقالي”.
واتهمته مصر بالانتماء إلى جماعة محظورة، دون أن تذكر أيّ مجموعة، ولم توجه إليه قط أي تهمة رسمية. ورفض المسؤولون المصريون التعليق على قضيته.
وتقول تهاني مصطفى المحللة في مجموعة الأزمات، وهي مؤسسة فكرية دولية، إن دعوات حركة المقاطعة من أجل الحرية والمساواة تتجاوز السياق الفلسطيني.
وفي هذه الأثناء، عادت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن نحو نهج أكثر تقليدية وحثت كلا الجانبين على تجنب الخطوات التي من شأنها أن تعرقل حل الدولتين في نهاية المطاف.
وأمضى شعث عامين ونصف العام في زنزانة مليئة بالحشرات وبها أسلاك مكشوفة يتقاسم فيها 18 إلى 32 سجينا مساحة بحجم غرفة المعيشة. وقال إن حمّامهم المشترك يتكون من حفرة في الأرض يعلوها دش بمياه باردة.
ويقول شعث إن المعاناة التي تحملها هو وسجناء آخرون عززت التزامه بالنشاط السياسي.
وأكد أن إحدى أسوأ تجاربه كانت في النهاية، عندما وُضع بمفرده في غرفة بلا نوافذ، مع أضواء وكاميرات على مدار 24 ساعة حيث كان يسمع امرأة وثلاثة أطفال صغار وهي تطلب المساعدة. وقال “كان ذلك مروعا بالنسبة إليّ، وأردت أن أشير إليها بطريقة ما بأنني أعلم أنها هناك”.