التمارين الرياضية تعزز فعالية التلقيح ضد كورونا

تتمتع الرياضة بأهمية كبيرة لتعزيز مناعة الجسم وتقويتها ضد الأمراض المعدية والفايروسات. وكشفت أبحاث جديدة أن المواظبة على ممارسة التمارين تزيد في عدد الخلايا التائية المسؤولة عن تنبيه الجهاز المناعي للهجوم على الفايروسات ومقاومتها بشكل سريع.
لندن - بعث توفر اللقاحات الأمل في العالم بقرب نهاية الوباء، ومع ذلك لا تزال الوفيات والإصابات بفايروس كوفيد – 19 في تزايد في جميع أنحاء العالم، ويبدو أن السيناريو الأكثر ترجيحًا للسنوات القليلة القادمة هو أن يكون مثل الأمراض المعدية الأخرى مثل الأنفلونزا ونزلات البرد.
ويعتقد بعض الخبراء أن ممارسة الأنشطة البدنية والرياضية هي إحدى أكثر الطرق فعالية للوقاية من الأمراض المزمنة، إلى جانب اتباع نظام غذائي صحي والإقلاع عن التدخين.
وأظهرت مراجعة منهجية للأدلة العلمية أجراها سيباستيان شاستين أستاذ ديناميكيات السلوك الصحي من جامعة غلاسكو كالدونيان في أسكتلندا وزملاؤه أن النشاط البدني المنتظم يقوي جهاز المناعة البشري، ويقلل من خطر الإصابة بالمرض والوفاة من الأمراض المعدية بأكثر من الثلث ويزيد بشكل كبير من فعالية حملات التطعيم، وهذا له آثار مهمة على الاستجابات المناعية ضد الأوبئة.
وجدت دراسة سابقة أجريت عام 2008 أن الخمول البدني مسؤول عن أكثر من خمسة ملايين حالة وفاة مبكرة كل عام.
وكشفت الدراسة التي قامت بها جامعة غلاسكو كالدونيان بعد جمع ومراجعة العديد من الأدلة المتاحة المتعلقة بتأثير النشاط البدني على خطر الإصابة بالمرض والوفاة من الأمراض المعدية مثل الالتهاب الرئوي (وهو سبب متكرر للوفاة من كوفيد – 19) على دور النشاط البدني في تعزيز أداء جهاز المناعة ونتيجة التطعيم.
50
في المئة من الأجسام المضادة يحصل عليها الشخص النشط بعد أخذ اللقاح ضد كورونا
وأجريت الدراسة في وقت مبكر جدًا من الجائحة، حيث لم يشمل البحث فايروس كوفيد – 19، لكن النتائج كانت وثيقة الصلة بالاستجابة الحالية للوباء، حيث كشفت ست دراسات شملت أكثر من نصف مليون مشارك أن تلبية الإرشادات الموصى بها للنشاط البدني (30 دقيقة من النشاط على مدار خمسة أيام في الأسبوع) يقلل من خطر الإصابة بالأمراض المعدية والموت بنسبة 37 في المئة.
وهذه النتائج تدعم ما توصلت إليه دراسة أخرى أجريت في الولايات المتحدة على فايروس كوفيد – 19 بشكل خاص، على أن النشاط البدني المنتظم يقوي جهاز المناعة البشري. وذلك بعد إجراء 35 تجربة مستقلة تؤكد صحة الأدلة العلمية، بأن ممارسة النشاط البدني بشكل منتظم تؤدي إلى مستويات مرتفعة من الغلوبولين المناعي للأجسام المضادة (IgA).
ويغطي هذا الجسم المضاد الغشاء المخاطي للرئتين وأجزاء أخرى من الجسم، حيث يمكن أن تدخل الفايروسات والبكتيريا.
ويؤدي النشاط البدني المنتظم أيضًا إلى زيادة عدد الخلايا التائية المسؤولة عن تنبيه الجهاز المناعي للهجوم على الفايروسات وتنظيم استجابته.
وكشفت التجارب التي أجراها الباحثون في جامعة غلاسكو كالدونيان أن اللقاحات تكون أكثر فعالية إذا تم إعطاؤها بعد ممارسة برنامج الأنشطة الرياضية، كما يكون الشخص النشط أكثر عرضة بنسبة 50 في المئة للحصول على عدد أكبر من الأجسام المضادة بعد اللقاح مقارنة بشخص غير نشط.
ويمكن أن يكون هذا النشاط وسيلة فعالة من حيث التكلفة وسهلة لتعزيز حملات التطعيم وأيضا خطوة حكيمة لجعل كل جرعة من اللقاح تحقق مفعولها المرجو.
ثلاث آليات
هناك ثلاث آليات تجعل من النشاط البدني دواءً فعالاً ضد الأمراض المعدية.
أولاً ، يحمي من عوامل الخطر للعدوى الشديدة والقاتلة، لأنّ الأشخاص النشطين بدنيًا يكونون أقل عرضة للإصابة بالسمنة والسكري وأمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، وقد أظهرت الدراسات الوبائية أن كوفيد – 19 والأمراض التنفسية المعدية الأخرى تكون أكثر حدة للأشخاص الذين يعانون من هذه الحالات.
وثانيا، يقلل النشاط البدني أيضًا من الإجهاد والالتهابات المزمنة، مما يحد بدوره من احتمالية الإصابة بالعدوى الحادة والقاتلة. وكانت معظم الوفيات الناجمة عن كوفيد – 19 والالتهاب الرئوي نتيجة للاستجابة الالتهابية غير المنضبطة.
وأخيرًا، يكون نظام المناعة لدى الأشخاص أقوى إذا كانوا يمارسون الرياضة ونشيطين بدنيًا، عند تناولهم أغذية صحية تساهم بشكل كبير في تعزيز مناعة الجسم ضد الأمراض، حيث يوصي الخبراء باتباع نظام غذائي صحي يعتمد على الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والدهون الصحية والفيتامينات والمعادن والمركبات الفينولية النشطة مع تجنب الأطعمة المصنعة إضافة إلى ضرورة ممارسة الأنشطة الرياضية بصورة مستمرة والحرص على الحصول على النوم الكافي وتجنب العادات غير الصحية كالتدخين.
الحاجة إلى التحرك
لا يمكن إنكار أن النشاط الرياضي وسيلة مهمة وسهلة لجعل الناس أقل عرضة للأمراض المعدية والأوبئة في المستقبل، ويجب ممارسته بشكل أكثر إلحاحًا وفعالية لمكافحة تفشي وباء كورونا الحالي، ولكن أيضًا كاستثمار طويل الأجل لمنع الآثار الاجتماعية والاقتصادية المدمرة لهذا الوباء على المجتمع.
وشجعت الحكومات الناس على البقاء نشطين في وقت مبكر من الوباء للتعامل مع تدابير الإغلاق. وكان هناك زيادة في الاهتمام بالتمارين الرياضية فور الإغلاق في معظم المجتمعات.
ولكن لسوء الحظ لم يُترجم هذا إلى تغيير إيجابي في مستويات النشاط، وبدلاً من ذلك، لوحظ انخفاض واضح في مستويات النشاط البدني على مستوى العالم في العام الماضي.
وهذا اتجاه خطير يمكن أن يجعل السكان أكثر عرضة للأمراض المعدية والمزمنة على المدى القصير. وإذا تُرك دون تحذيرات، فإنه سيترك أيضًا إرثًا ضارًا طويل الأمد ويزيد من عبء المرض والتكلفة الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة به.
ويمكن أن يؤدي تأثير الخمول البدني إلى تفاقم التفاوتات الصحية غير المستدامة وغير المقبولة التي أبرزها الوباء، وبشكل عام، تكون مستويات النشاط البدني أقل في المجتمعات التي تعاني من تفاوتات اقتصادية أكبر وهذا يؤثر على النساء أكثر من غيرهن.
ومن المهم الآن أكثر من أي وقت مضى أن تحشد الحكومات والمهنيون الصحيون جميع قطاعات المجتمع لتعزيز النشاط البدني.
وكل خطوة صغيرة لها أهمية كبيرة في مكافحة وباء كورونا، وإدارة الأمراض المعدية في المستقبل.