التقليد والإهمال يغيبان الفن التقليدي الإيراني عن الحياة اليومية

في كل ركن من إيران، نجد مكانا يذكرنا بأن الفنانين كانوا في السابق يملأون المدينة ويأتون من كل البلدات والمدن، كانت إيران أرضا تعيش على وقع الأعمال الفنية في الأطباق، على الجدران، في المنحوتات الإسلامية الدقيقة، على الأواني النحاسية المستخدمة في صب الماء في الحمامات العامة. لكن ماذا تبقى من كل هذا اليوم؟
الاثنين 2015/09/14
التحضر واقتصاد الاستهلاك أبعدا الإيرانيين عن جمالية فنونهم الأصلية

طهران - صحيح، أن طهران ما تزال تبدو وكأنها مدينة يزدهر فيها الفن حيث تأتي القبائل العربية من خوزستان للغناء في إحدى القاعات الصغيرة وعلى المسارح، حيث يقدم الفنانون قصصا جديدة عن الحياة.

لكن الأشياء المستعملة في الحياة اليومية كالأطباق والقمصان والأحذية، فقدت منذ فترة طويلة هذا الامتياز وغاب عنها الحضور الفني المكثف قديما لأن الاقتصاد الاستهلاكي المنتشر في المدن اليوم أدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات اليدوية فغيبها عن الاستعمالات اليومية.

الأوعية والمنسوجات التي كانت تزين في السابق معظم المنازل المتواضعة بخصوصيتها الفنية نجدها الآن تعرض في المتاحف، وحلت مكانها في الأسواق السلع الرخيصة المتأتية من الصين والهند وبنغلاداش. فورش صنع الفخار مثلا في ميبد، من محافظة يزد، التي كانت تعرف في السابق باسم المراكز الأولية لصناعة الفخار الإيراني، تعيش الآن حالة يرثى لها وضعفت تجارتها.

وفي معظم المدن الإيرانية، اندثرت الأعمال الحرفية ولم يبق منها إلى جانب الفخار إلا بعض المطرزات والسجاد وهي الأشياء التي يقدر فقط الأثرياء من سكان المدن على شرائها.

وبعد أن كان شارع کلیسا سرکیس في طهران مركزا الأعمال الحرفية الإيرانية في العاصمة، أصبح الآن مكانا تعرض فيه الكثير من المنتجات الصينية والتركية، وهو ما يدل على غياب عمليات إحياء للأعمال الفنية الإيرانية.

وعلى غرار الأعمال الفنية اليدوية في معظم المناطق الحضرية، والتي ينتمي إليها الأغنياء، تجد الأعمال الحرفية التقليدية موطأ قدم لها، خاصة في طهران، حيث تجد الصناعات الحرفية في مجال تصميم الأزياء رواجا خاصة في قطاع ملابس النساء، وقد توسعت الأعمال الحرفية أكثر لتشمل الفخار، والمجوهرات وغيرها من الصناعات اليدوية.

ويظل الحرفيون في مختلف أنحاء إيران في حاجة ماسة لمثل هذه المنافذ من معارض ودور للعرض تمكنهم من تسويق منتوجاتهم الفني التقليدي؛ وقال أحد الخزافين من همدان في حديث له مع صحيفة الغارديان البريطانية خلال المعرض السنوي للحرف اليدوية “إننا في حاجة إلى مكان دائم حتى نتمكن من بيع منتجاتنا في طهران. هذا المعرض هو فرصة جيّدة بالنسبة لنا، ولكنه للا يدوم أكثر من 5 أيام”.

وفي المدن الصغيرة يجد الفنانون التقليديون صعوبة في تسويق منتجاتهم عبر الإنترنت لأنهم أقل قدرة على النفاذ إلى شبكة الإنترنت عالية السرعة. أما رواد صناعة الفخار في مدينة ميبد فلا يستخدمون الإنترنت، في حين يحسن حرفيو الجيل الأصغر سنا ترويج منتجاتهم على الإنترنت.

بعض الحرفيين أعادوا اهتمام الناس بالصناعات التقليدية لأنهم خلقوا أعمالا فنية بلمسات عصرية، بطريقة تقليدية

وفي الوقت الذي لاقت فيه الأعمال الفنية الصالحة للاستعمال المحلي ترحيبا لدى المستهلك، ظهرت عمليات النسخ والتقليد، حيث انتشرت الوسائد والأوشحة والأواني غير الأصلية. فالوشاح المصغر الذي يعود إلى العصر الصفوي، والأقراط التي كانت تتزين بها الفتيات، والوسائد التي تحمل صورة بلاط من كلستان، ولوحات الرمان، كلها تعتبر أنماطا حرفية تقليدية أصبحت الآن تمتاز بشعبية كبيرة في إيران رغم المخاوف من المنتجات المقلدة.

توكتام وبهرام وباريسا حيدري هم من الحرفيين الذين وسعوا أعمالهم رغم العقوبات الاقتصادية، التي تقضي بعدم بيع الفنانين لمنتجاتهم في الأسواق الخارجية، إلا عند سفرهم إلى الخارج. حيدري وزوجها وحيد الأنصاري يعملان في فريق يتكون من خمسة فنانين في غرب طهران. منحت باريسا لمنتجاتها اسم العلامة التجارية المميزة وهي المدير الفني لها، في حين يقوم زوجها بدور العقل المدبر لمنتجاتهم الفنية. كلاهما من أصيلي مدينة تبريز، وهي واحدة من مراكز صناعة الفخار الإيراني، حيث تتم صناعة الأوعية ذات الألوان الزرقاء الهادئة الشبيهة بلون المحيط، إلى جانب اللوحات، والمزهريات، وحاملات الشموع.

وقد تم عرض أعمالهما في موسكو وميلانو والجزائر، بعم أن كانت انطللاقتهما من ورشات في تبريز، على أيدي فنانين مشهورين. وحصلت ورشة عملهما على العديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة الفخار في طهران التي تمنحها منظمة التراث الإيراني. أما بهرام فاضل فمهنته الأصلية هي الهندسة في الاتصالات، وهو أصيل عبادان جنوب إيران، وقال إنه جاء إلى طهران خلال الحرب بين إيران والعراق اكتشف الرسم الإيراني التقلدي “نيغار غاري” وفنون الخط.

أما في مجال المجوهرات، فهناك مجموعة واسعة من مصممي المجوهرات في طهران: معظمهم يستخدم الأنماط الفضية المألوفة والأشكال الفنية القديمة في حين يستلهم آخرون منتجاتهم من الحياة اليومية ومن الشعر والعمارة والفنون التقليدية.

وعن عودة المستهلك الإيراني لمنتجات الحرف اليدوية الآن تقول حيدري إنه خلال العقد الماضي كان هناك المزيد من الطلب على الفن الإيراني لتزيين المنازل، بينما في السابق، كان الناس يريدون القطع التي تستعمل في الفضاء الخارجي من المنزل كالحدائق. كما أن الفنانين الإيرانيين في مجال الفخار اكتسبوا المزيد من التدريب الأكاديمي، وتعلموا أساليب وطرق جديدة، ورافق ذلك لمساتهم الإبداعية.

وتمكن حرفيون على غرار باريسا حيدري من إعادة اهتمام الناس بالصناعات التقليدية لأنهم خلقوا أعمالا فنية بلمسات عصرية، وقاموا بذلك بالطريقة التقليدية اليدوية ولم يستعملوا تقنيات طباعة الأشكال والرموز المتوفرة حاليا.

12