التقارب بين الرباط ونواكشوط والأزمة مع مالي يستنفران الجزائر

الرئيس الجزائري يبدي دعمه لنظيره الموريتاني لاختياره مرشحا لمنطقة شمال أفريقيا لرئاسة القمة القادمة للاتحاد الأفريقي.
الثلاثاء 2024/02/13
تحركات جزائرية لافتة باتجاه موريتانيا

الجزائر – كثفت الجزائر اتصالاتها على مستويات عليا مع جارتها الجنوبية الغربية موريتانيا مباشرة بعد إعلان جارتهما المملكة المغربية عن مبادرة تتيح لدول الساحل فرصة الولوج إلى المحيط الأطلسي واضعة بنياتها التحتية من سكك حديدية وموانئ كاملة التجهيز تحت تصرفها، وذلك في محاولة لكسر عزلتها تحسبا من توترات إقليمية إثر الأزمة السياسية مع دولة مالي.

وعارضت الجزائر بشدة المبادرة المغربية التي من شأن تطبيقها على أرض الواقع وانضمام موريتانيا إليها، القضاء على آخر أمل لها بفصل إقليم الصحراء عن المغرب.  

وقال بيان نشرته الرئاسة الجزائرية عبر صفحتها على فيسبوك "أجرى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الاثنين اتصالا هاتفيا مع نظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني تطرقا خلاله إلى قضايا تهم البلدين وكذا الزيارة المرتقبة لولد الشيخ الغزواني إلى الجزائر"

وأضاف البيان أن تبون هنأ بهذه المناسبة نظيره الموريتاني لاختياره مرشحا لمنطقة شمال أفريقيا لرئاسة القمة القادمة للاتحاد الإفريقي، مؤكدا أن هذا الاختيار يُشرّف دول وشعوب المنطقة ككل، وأنه سيجد الجزائر دائما إلى جانبه للقيام بمهامه النبيلة.

وتطمح موريتانيا إلى تولي رئاسة الاتحاد الأفريقي، بدعم من الدول العربية في شمال القارة السمراء، عند انعقاد القمة السابعة والثلاثين لرؤساء دول الاتحاد، المقررة في 17 و18 فبراير الجاري بأديس أبابا، الأمر الذي يترجم النشاط الدبلوماسي والحركية المتصاعدة بين الطرفين في الآونة الأخيرة.

ووفق وكالة الأنباء الموريتانية فقد بحث الرئيسان في اتصال هاتفي تعزيز العلاقات الثنائية وتطويرها بما يخدم مصالح البلدين.

وأضافت الوكالة "ثمن الرئيسان خلال الاتصال الهاتفي التشاور والتنسيق المنتظم بينهما على جميع الأصعدة، وخصوصا حول القضايا ذات الاهتمام المشترك".

ووفق المصدر نفسه أكد الرئيسان في ختام الاتصال الهاتفي عزمهما العمل سويا على تنمية وتنويع علاقاتهما الثنائية بما يخدم مصالح البلدين.

ويأتي هذا الاتصال الهاتفي بعد ثلاثة أيام فقط من زيارة قام بها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف إلى نواكشوط وسلم الرئيس الموريتاني رسالة خطية من الرئيس تبون، لم يكشف عن فحواها.

وتزامنت تلك الزيارة مع إعلان وزير الصيد البحري الجزائري أحمد بداني، الخميس الماضي خلال مؤتمر صحفي على هامش انعقاد الدورة التاسعة للصالون الدولي للصيد البحري في مدينة وهران أن بلاده تجري حاليا مفاوضات مع موريتانيا من أجل الحصول على حصص للصيد في أعالي البحار داخل سواحلها الأطلسية، وهو الأمر الذي يأتي بعد ما يزيد عن نصف قرن من محاولاتها الحصول على هذا المنفذ الاستراتيجي عبر الأقاليم الصحراوية المغربية، من خلال دعم وتمويل جبهة "البوليساريو" الانفصالية.

ومسارعة تبون بتهنئة ولد الشيخ الغزواني وزيارة عطاف تندرج في سياق تحسين العلاقات مع دول الجوار وكسر ما بدا أنه مسار للعزلة تعيشه الجزائر بسبب توتر علاقاتها الإقليمية.

ويبدو أن الجزائر المنزعجة من حملة مناهضة لها، بقيادة المجلس العسكري الحاكم في مالي، خاصة بعد إعلان المجلس إنهاء العمل باتفاق السلم والمصالحة، واتهام الجزائر بـ"رعاية الإرهاب والتدخل في شؤون بلدهم الداخلية"، تريد تطويق الأزمة في إطار محدود، وبلورة مقاربة بين دول الجوار، قياسا بما تراه "مغامرة تهدد أمن مالي ووحدتها والمنطقة عموما".

ويقول مراقبون إن رهان الجزائر على موريتانيا هدفه تأمين الطريق إلى غرب أفريقيا ومنافسة المغرب، وهو ما يفسر حرص الجزائر على الاستمرار في إنجاز طريق برية بمسافة تقارب 800 كيلومتر، ويهدف إلى تقليص التباسات حركة الأفراد والمركبات التي كانت تضطر إلى قطع جزء من رحلاتها في إقليم الصحراء.

لكن تشير التحركات الجزائرية المكثفة خلال الفترة الأخيرة باتجاه موريتانيا إلى توجس جزائري كبير من مبادرة الأطلسي التي أعلن عنها العاهل المغربي الملك محمد السادس، في السادس من نوفمبر، بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء، والتي ستفتح أفق تنمية واسعا للدول التي ستنخرط في المبادرة وقد بدأت دول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، في الانضمام للمبادرة.

وتعززت الحركية الاقتصادية بين الجزائر وموريتانيا بعدة مشاريع تكاملية كبعث خطوط تجارية بحرية وجوية وبنوك، والاستعداد لفتح أول معبرين بريين ثابتين، وإطلاق منطقة للتبادل التجاري الحر، وتشييد طريق بري بطول نحو 800 كلم، إلى جانب تنفيذ مذكرات تفاهم في مجالات التعليم العالي والتدريب والطاقة.

وتولي الجزائر أهمية كبيرة لتطوير علاقاتها مع موريتانيا، حيث تم الاتفاق على تأسيس آلية مشتركة للتشاور السياسي وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والأمني، خاصة في ظل التوترات التي تعيشها المنطقة.