التفاهم الروسي - التركي يحول دون فتح جبهة في الشمال السوري

حدوث أي تطورات ميدانية مرتبط بالتفاهمات الإقليمية والدولية وليس بقوة الفصائل العسكرية أو بضعف النظام السوري.
الاثنين 2024/11/04
حسابات الإقليم تتعارض مع رغبات الداخل

إدلب (سوريا) - تشهد جبهة الشمال السوري حالة من الترقب، في ظل الحشد الدعائي من الفصائل في المنطقة، ومن الحكومة السورية، والحديث المتواتر عن استعدادات لكلا الطرفين لفتح جبهة الشمال، لكن محللين يشككون في إمكانية حدوث أي تطورات دراماتيكية هناك، في ظل تفاهم روسي – تركي على أن أي تصعيد ستكون له ارتدادات عكسية وقد تقود إلى خلط للأوراق بشكل لا يصب في صالحهما.

وسلط تحقيق أعده موقع “عنب بلدي” الذي يرصد الأوضاع في منطقة شمال غرب سوريا الضوء على التفاعلات الجارية في المنطقة، والحسابات المعقدة التي تحول عمليا دون فتح الجبهة. الحديث عن عمل عسكري في الشمال السوري جرى تداوله على فترتين، الأولى مطلع نوفمبر الماضي، وذكرت صحيفة “الوطن” القريبة من الحكومة السورية حينها، إن الجيش رفع الجاهزية العسكرية على جبهاته في منطقة “خفض التصعيد” بأرياف إدلب وما حولها، تحسبًا لهجوم من “الإرهابيين”.

ووثق فريق منسقي الاستجابة نزوح 4280 شخصًا من مناطق في إدلب وريف حلب شمال غربي سوريا. وقال الفريق عبر بيان، نشر في الثالث من نوفمبر الماضي، إن حركات النزوح تأتي "وسط مؤشرات عن احتمالية عملية عسكرية في المنطقة". أما الفترة الثانية فكانت نهاية الشهر نفسه، حيث تناقلت قنوات على "تلغرام" ومجموعات على "واتساب" معلومات عن تحضيرات لفصائل المعارضة لشن عمل عسكري باتجاه ريفي إدلب الشرقي وحلب الغربي.

في المقابل شهدت الأيام الماضية تحركات عسكرية لقوات النظام شمال غربي سوريا، ما أسهم في تعزيز تلك الأنباء. وقال المشرف على “المرصد 80” المتخصص برصد التحركات العسكرية، “أبوأمين”، إنه جرى رصد إرسال النظام معدات عسكرية، تشمل قذائف مدفعية وصاروخية، إضافة إلى حركة كثيفة لطيران الاستطلاع والمسيّرات الانتحارية، مشيرًا إلى أنه لم يجرِ رصد إرسال قوات مشاة جديدة للجيش السوري.

وأضاف مشرف المرصد أن الجيش أرسل المعدات العسكرية باتجاه ريفي إدلب الشرقي والجنوبي على محاور سراقب ومعرة النعمان، إضافة إلى رصد تعزيزات باتجاه قرى وبلدات عنجارة وعاجل وعويجل وكفرناها وإيكاردا والطلحية والكسيبية والبوابية، وكفر حلب في ريفي حلب الجنوبي والغربي. ولفت إلى أن تلك التعزيزات وصلت إلى “الفوج 46″ و”الفرقة 25″ و”الحرس الجمهوري” و”لواء القدس” بريف حلب.

من جهته، قال الباحث في مركز “حرمون للدراسات” نوار شعبان، إن مصادر عسكرية على الأرض، أكدت رصد تحركات للجيش لم يقم بها منذ ستة أشهر، وتحديدًا على جبهات سراقب والأتارب والأبزمو، مشيرًا إلى أن تلك التعزيزات هدفها رفع الجاهزية لدى النظام في حال فُرض عليه عمل عسكري، وبنفس الوقت هناك تجهيزات عسكرية لفصائل المعارضة.

◙ تحركات الجيش السوري تأتي استباقا لأي هجوم من فصائل المعارضة خصوصا في ظل ما يسجل من ضغط في داخل مناطق خفض التصعيد

وأضاف شعبان، لـ”عنب بلدي”، أن النظام أرسل، قبل شهر، تعزيزات عسكرية لتأمين خطوط التماس، وسد الفراغ الناجم عن انسحاب ميليشيات إيران وحزب الله باتجاه لبنان أو الحدود السورية، لكن قبل أيام “بدأنا نلاحظ على حسابات النظام والمواقع الموالية نشر صور وفيديوهات لحشود عسكرية”. وتابع أن القوات الحكومية قامت بردم بعض الخنادق لتتيح لها التقدم البري، ما يعني أن النظام غيّر خطط تعزيزاته من الحالة الدفاعية إلى الهجومية.

ويعتقد محللون أن تحركات الجيش السوري تأتي استباقا لأي هجوم من فصائل المعارضة، خصوصا في ظل ما يسجل من ضغط في داخل مناطق خفض التصعيد لاستغلال الظرف الإقليمي والتحرك عسكريا ضد القوات الحكومية. ويشير المحللون إلى أنه من غير المرجح أن يجري اختراق حقيقي في المشهد حيث أن روسيا لن تسمح بذلك وكانت قد شنت الشهر الماضي، غارات هي الأعنف في إدلب وبعض أرياف حلب، في رسالة موجهة للفصائل من خطورة فتح جبهة.

كما أن تركيا لا تريد في هذا الظرف أي هزة، خشية أن تدخل أطراف أخرى على الخط، بما يصعب عليها ضبط إيقاع الوضع كما كانت تفعل في السابق. وفي مارس 2020، توصلت روسيا وتركيا إلى اتفاق جديد لـ”خفض التصعيد” في الشمال السوري، نص على وقف إطلاق النار على طول خط المواجهة بين النظام والمعارضة.

تضمن الاتفاق حينها إقامة ممر أمني على بعد ستة كيلومترات شمال الطريق الدولي السريع الرئيس في إدلب (أم 4) وستة كيلومترات جنوبه، وهو الطريق الذي يربط المدن التي يسيطر عليها النظام السوري في حلب واللاذقية، إضافة إلى نشر دوريات روسية- تركية مشتركة على طول الطريق، ابتداء من 15 من آذار من العام نفسه.

سبق هذا اتفاق آخر وقعته روسيا وتركيا ضمن اتفاقية “أستانة” عام 2017، لـ”خفض التصعيد”، تبعته اتفاقية “سوتشي” في أيلول 2018، ونصت على وقف إطلاق النار في محيط إدلب، لكن هذه الاتفاقيات تُنتهك بشكل متكرر. ويرى الباحث السياسي والعسكري في مركز “جسور للدراسات” عبدالوهاب عاصي، أن مسار أستانة نجح في إرساء تهدئة طويلة الأمد، وبناء نظام لوقف إطلاق النار وعرقلة أي عمل عسكري، وهو ما تعثّرت به سابقًا جميع التفاهمات الدولية السابقة.

وأكد عاصي، أن هذه التهدئة لم تنجح إلا بعد توقيع اتفاق موسكو في مارس 2020، أي بعد أكثر من محاولة لتعزيز نظام وقف إطلاق النار بتفاهمات ثنائية بين تركيا وروسيا دون إيران، ثم إلحاق هذه التفاهمات بمذكرة “خفض التصعيد” التي تعد من المخرجات الرئيسة للمسار.

وأوضح عبدالجبار العكيدي، إنه لم يطرأ أي تغيّر بحسب المعلن على التفاهمات الروسية- التركية في أستانة وسوتشي، وبالتالي بقاء تلك الاتفاقيات على حالها يمنع أي عمل عسكري، إذ إن حدوث ذلك مرتبط بالتفاهمات الإقليمية والدولية وليس بقوة الفصائل العسكرية أو بضعف النظام السوري.

وأضاف العكيدي أن الطرف الروسي ما زال حاضرًا بقوة في سوريا، وهو يعتبر أحد العراقيل التي تحد من قدرة فصائل المعارضة على تنفيذ عمل عسكري، وبالتالي فإن بدء تلك المعركة من طرف الفصائل يتطلب حصول اتفاق تركي- روسي، يُفضي إلى تحييد الطيران الروسي عن تأمين الغطاء الجوي للنظام، لأن أي عمل عسكري تشارك فيه روسيا ستكون له نتائج قاسية على المدنيين.

7