التغيير المناخي يُوسع خطر الإصابة بالإيدز في صفوف الأفريقيات

درجة الحرارة المرتفعة والفيضانات والجفاف عوامل تقطع سبل العيش في القارة.
السبت 2024/06/08
مخاطر الجنس مقابل الغذاء

يواجه كل العالم مخاطر التغيرات المناخية دون استثناء، لكن الأكثر تضررا في الوقت الحالي مناطق عديدة في أفريقيا التي تواجه بدورها موجات الحر والفيضانات وحتى الجفاف، ويبقى الفقراء هم الذين يدفعون الثمن باهظا، خاصة النساء والفتيات اللاتي أجبرتهن الظروف المادية على بيع أجسادهن لمواجهة الجوع فيهاجمهن غول مرض نقص المناعة القاتل.

نيتا بهالا

نيروبي - تعيش بائعة الخضر الكينية بيفرلي في حيكاوانجوير في نيروبي وتواجه واقعا مريرا إثر تدمير منزلها المبني من الحديد المموج المكون من غرفة واحدة وخسارتها كل ما تملكه في أسوأ فيضانات شهدتها البلاد منذ سنوات.

وغمرت الأمطار الغزيرة الناتجة عن تغير المناخ أجزاء من شرق أفريقيا منذ مارس. ودمّرت المنازل، وقوّضت سبل العيش، وشرّدت مئات الآلاف من الناس.

وتفكر بيفرلي، وهي أمّ لطفلين، في عرض الجنس مقابل الطعام، وقالت المرأة البالغة من العمر 23 عاما، والتي لم ترغب في الكشف عن اسمها الكامل، “أعرف أخريات اضطررن لهذا، وأعلم بوجود مخاطر مثل الإيدز، لكن عليّ إطعام أطفالي، بعد أن خسرت كل شيء أدعو الله أن يساعدني”.

ويحذر خبراء الصحة وعمال الإغاثة من أن تهديدا غير مرئي ينتج عن أزمة المناخ في أفريقيا، حيث يدفع الجوع النساء والفتيات إلى براثن الاستغلال الجنسي ويزيد من خطر الإصابة بفايروس نقص المناعة البشرية (الإيدز). وتبقى القارة على خط المواجهة مع آثار تغير المناخ، فقد شهد شرق أفريقيا خلال السنة الحالية فيضانات، بينما شهد الغرب موجات حر، والجنوب جفافا.

ويسبب الحرّ أحداثا مناخية أكثر كثافة وتواترا، وأصبحت المجتمعات التي كانت على حافة الهاوية بالفعل الأكثر تضررا، فهي تخسر سبل عيشها، حيث يعتمد الكثيرون على الزراعة ويضطرون إلى الهجرة للنجاة من الموت جوعا.

pp

ويعرّض هذا الفتيات والنساء للاستغلال عبر العنف والاتجار الجنسيين، مما يزيد من خطر إصابتهن بالإيدز. ويدق خبراء الصحة ناقوس الخطر، ويحذرون من أن هذه الأزمة التي يتواصل تجاهلها قد تعكس سنوات من التقدم في مكافحة بالإيدز، مما قد يُفقدهم المكاسب التي تحققت بصعوبة.

ووجدت الأبحاث التي أجرتها منظمة فرونت لاين إيدز في 2023 أن أفريقيا جنوب الصحراء قد تشهد 16 مليون حالة إضافية من مصابي الإيدز بحلول2050 إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع كما هو متوقع.

وقال ديفيد كلارك، رئيس البرامج في فرونت لاين إيدز، وهي شبكة عالمية تضم 60 جمعية خيرية تتصدى للفايروس، “صدمتنا نتائج الدراسة.. نخشى أن تمحو آثار تغير المناخ عقودا من التقدم في مجال مكافحة الإيدز”.

منطقة جنوب الصحراء قد تشهد 16 مليون حالة إضافية من مصابي الإيدز بحلول 2050 إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع كما هو متوقع

واتخذت أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى خطوات كبيرة في التصدي لفايروس الإيدز منذ اكتشافه قبل أكثر من 40 عاما، وانخفضت الإصابات الجديدة في شرق أفريقيا وجنوبها مثلا بنسبة 57 في المئة منذ 2010.

لكن المنطقة لا تزال الأكثر تضررا، وحدد برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز أن بالقارة 25.6 مليون شخص مصابون بالفايروس من أصل 39 مليونا على مستوى العالم.

وتشكل المراهقات والشابات أكثر من 77 في المئة من الإصابات الجديدة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ويزيد احتمال إصابتهن بالفايروس ثلاث مرات عن أقرانهن الذكور.

وقالت باسكين أوغونسانيا، المديرة التنفيذية لجمعية ألايف ميديكال سيرفيس الخيرية التي تتخذ من العاصمة كمبالا مقرا لها، إن “العديد من الشابات معرضات للخطر، وهن يفتقرن للقوة الاقتصادية أو التعليم المناسب مما يصعّب عليهن حتى التفاوض لطلب اعتماد الواقي الذكري”.

وحددت بيانات برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز، أن حوالي 42 في المئة فقط من المناطق التي ترتفع فيها معدلات الإصابة بالفايروس في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى خصصت برامج للوقاية من فايروس نقص المناعة البشرية للمراهقات والشابات.

يُذكر أن درجة حرارة أفريقيا ترتفع في الأثناء بمعدل أسرع من بقية العالم، وتواجه القارة كوارث أكثر حدة وتواترا مثل الجفاف والفيضانات وموجات الحر والعواصف، فقد تعرضت في 2022 إلى 80 حدثا مناخيا متطرفا.

tt
عدد الضحايا يرتفع

وشملت الكوارث أسوأ جفاف في القرن الأفريقي منذ 40 سنة وحرائق الغابات في الجزائر، مما أسفر عن مقتل 5 آلاف شخص إضافة إلى خسائر اقتصادية تزيد عن 8.5 مليار دولار.

وقال عمال إغاثة إن مثل هذه الكوارث أبعدت الفتيات عن المدارس ودفعتهن للبحث عن عمل، أو إلى الزواج المبكر، أو إلى الاستغلال الجنسي حيث يضطررن إلى مقايضة الجنس بالمال أو الطعام أو الماء.

وقال زفيدزاي مابو روتسي، المدير القُطري لمنظمة أوكسفام في زيمبابوي، “خلال أوقات الجفاف وانعدام الأمن الغذائي، رأينا النساء والفتيات يلجأن إلى سلوكيات محفوفة بالمخاطر لوضع الطعام على المائدة. وتشمل الممارسات زيارة الحانات للاتجار بالجنس، أو الانتشار حول الآبار حيث يعرض الرجال مساعدة الشابات على تخطي الطوابير الطويلة أو على استخدام مضخة المياه مقابل الخدمات الجنسية”.

وقال مابو روتسي إن النساء يواجهن خطر عنف جنسي متزايد حيث يضطررن إلى المشي لمسافات أطول لجلب المياه أو العثور على الطعام. ويكون غالبا هذا في المساء عندما يكون الجو أكثر برودة. وأكّد أن هذه الأوضاع تعرضهن لخطر الإصابة بفايروس الإيدز. ويتفق الباحثون معه.

ووجدت دراسة أجرتها جامعة بريستول في فبراير أن الجفاف الذي تسبب في انعدام الأمن الغذائي والفقر في ليسوتو وإسواتيني وزامبيا وتنزانيا وأوغندا يدفع النساء الريفيات إلى الإتجار بالجنس ويزيد من خطر انتقال فايروس نقص المناعة البشرية.

ودقق الباحثون في بيانات مسحية شملت أكثر من 100 ألف شخص في البلدان الخمسة، وربطوها ببيانات الأمطار لتحديد مناطق الجفاف. واعتمدوا نماذج إحصائية لتحديد ما إذا كان الأشخاص المعرضون للجفاف أكثر عرضة للإصابة بفايروس الإيدز.

قال خبراء الصحة إن الإصابات الجديدة التي تُسجّل خلال الكوارث المناخية قد ترتفع حين لا يتمكن الأشخاص المصابون بالفايروس من الحصول على أدويتهم. وغالبا ما يكون ذلك بسبب الهجرة. وأضافوا أن الافتقار إلى الدواء يعني أن للمصابين نسبة أعلى من الحمل الفايروسي مما يزيد من خطر نقل المرض إلى الآخرين.

pp

وأكد خبراء في مجال الصحة وعمال إغاثة تجاهل الاستجابة للإيدز من حيث الوقاية والاختبار والعلاج خلال الأزمات المرتبطة بالطقس، حيث لم تتطرق الخطط الوطنية للحد من مخاطر الكوارث في معظم البلدان إلى هذا الأمر.

وتحتاج المنظمات التي تركز على التصدي لهذا الفايروس إلى الشراكة مع المنظمات الإنسانية أثناء الكوارث والتركيز على الدعم مثل التحويلات النقدية وتوفير الغذاء والمياه النظيفة للفتيات والنساء ضمن سبل الوقاية.

وذكر الخبراء أن على الحكومة ووكالات الإغاثة أن تنظر في إنشاء مرافق اختبار ونشر مخزون من أدوية الفايروس لضمان حصول السكان المهاجرين على العلاج أثناء الأزمات. وأكدت شاليلوي تشونغو، رئيس برامج خدمات الإغاثة الكاثوليكية في زامبيا، الحاجة إلى زيادة الدعم للغذاء والتغذية والخدمات الصحية للمجتمعات الضعيفة أثناء الكوارث.

وقالت “تبقى الروابط مع فايروس نقص المناعة البشرية موضوعا لا يريد معظم الناس الخوض فيه بسبب مستوى الاستثمارات والالتزامات المطلوبة لمعالجة قضايا تغير المناخ. ولكن يوجد ما يكفي من الأدلة لإبراز أن تغير المناخ قد يعكس المكاسب التي حققناها ضدّ الإيدز. يجب علينا التحرك الآن وحماية تلك المكاسب قبل فوات الأوان”.

16