التغير المناخي يهدد جاذبية منطقة المتوسط للسياحة

في الوقت الذي يتوقع فيه خبراء أن التغير المناخي سيعيد رسم الخارطة السياحية، ذلك أن الحرارة المرتفعة قد تثني الزوار خلال الصيف عن المجيء إلى مناطق معينة، إضافة إلى بعض التحذيرات من أطراف ناشطة في القطاع، يرى آخرون أن الحر ليس مشكلة بالنسبة إلى بلدان مثل تركيا أو تونس، إذ أن السياح الأوروبيين يأتون من أجل التمتع بأشعة الشمس والطقس الجميل، ولا يحلمون بوجهة باردة لتمضية عطلاتهم.
باريس - تعد البيئة الطبيعية والمناخ والأمان من بين العوامل الرئيسية التي تؤثر على اختيار الوجهة السياحية، إلا أن توقع استمرار ظاهرة تغير المناخ طوال القرن الحادي والعشرين وما بعده مع تداعياته الخطيرة، سيمتد تأثيرها أيضا إلى الوجهات السياحية الشهيرة حول العالم، حيث يمكن أن تتعرض الشواطئ للفيضانات، وانتشار حرائق الغابات بكثرة، بالإضافة إلى اشتداد الظواهر المناخية مثل العواصف واحترار المحيطات والجفاف وذوبان الأنهار الجليدية.
تداعيات
موجات القيظ قد تخفض من جاذبية جنوب أوروبا أو تخفض الطلب على الأقل خلال الصيف، مع تداعيات اقتصادية سلبية
ويتساءل الخبراء هل يعيد التغير المناخي مع ما يحمله من موجات حر وحرارة تتجاوز الأربعين درجة مئوية وحرائق مدمرة وإجلاء سياح، رسم الخارطة السياحية، لاسيما في منطقة المتوسط؟
تعد أكثر المناطق جذبا للسياح تلك الأكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي. فقد أجلي الآلاف من السياح في اليونان من جزيرتي رودوس وكورفو اللتين اجتاحتهما حرائق ناجمة عن القيظ. واستحال مطار رودوس الدولي مركز تخييم مؤقتا بعدما انتشر في قاعاته الآلاف من المصطافين المصدومين على غرار السائح الألماني دانييل كلادن – شميد الذي قال لوكالة فرانس برس “نحن منهكون ومصدومون. لا ندرك كثيرا ما حصل”.
وتشمل هذه الظاهرة دولا متوسطية أخرى. ففي إسبانيا تجاوزت الحرارة أحيانا بـ15 درجة مئوية المعدلات الموسمية. وعرفت إيطاليا موجات حر مع اقتراب الحرارة في سردينيا من 48 درجة مئوية. الاثنين بلغت الحرارة في تونس 49 درجة مئوية. وتشكل السياحة جزءا كبيرا من اقتصاد المنطقة، ولاسيما في اليونان وإسبانيا حيث تشكل تواليا ربع إجمالي النتاج المحلي و12 في المئة منه.
قد تثني الحرارة المرتفعة خلال مواسم الصيف الزوار عن المجيء إلى مناطق معينة على ما تحذر أطراف ناشطة في القطاع. ويرى رئيس مجلس إدارة شركة “فواياجور دو موند” جان فرنسوا ريال أن “الاحترار المناخي سيجعل هذه الوجهات أقل جاذبية. منطقة المتوسط برمتها معنية في حين أنها الوجهة الرئيسية للأوروبيين”.
يقول الأستاذ في كلية “البزنس سكول” في مدريد خوانتشو يانتادا إن في إسبانيا “بدأ السياح يتساءلون” عما إذا كانت مناسبة تمضية الصيف على شواطئ المتوسط.
وأشارت مذكرة أخيرة لوكالة موديز إلى أن موجات القيظ قد تخفض من جاذبية جنوب أوروبا “أو تخفض الطلب على الأقل خلال الصيف، مع تداعيات اقتصادية سلبية”. يقول حميد كوك رئيس جمعية وكالات السفر التركية “الحر لا يطرح مشكلة بالنسبة لمنطقة أنتاليا، فالسياح الأوروبيون يأتون من أجل التمتع بأشعة الشمس”.
ويتجلى الموقف نفسه في تونس، حيث تقول درة ميلاد، رئيسة الجامعة التونسية للنُزل لوكالة فرانس برس، “لا تداعيات للحر على السياحة. لم نستعد بعد مستوى النشاط الذي كان قائما في 2019… لكن ذلك عائد في المقام الأول لكلفة الطيران العالية”.
وجهات أخرى
يؤكد ديدييه أرينو، مدير شركة الاستشارات “بروتوريسك” في فرنسا، “لا يحلم السياح بوجهة باردة لتمضية العطلة بل يريدون طقسا جميلا”.
حتى في اليونان من غير المؤكد أن تثني الحرائق السياح عن المجيء. يقول كوستاس خريسوهويديس، نائب رئيس إدارة منطقة دوديكانيز، إن “24 ألف مصطاف وصلوا إلى جزيرة رودوس” يومي الأحد والاثنين، مشيرا إلى “إلغاء حجوزات قليلة”.
عندما تستحيل مدينة أتونا قد يختار السياح وجهات أخرى، فيشير جان – فرنسوا ريال إلى أنه منذ نحو عشر سنوات “تشهد وجهات الشمال (في أوروبا) ارتفاعا”، ويرى كذلك أن إنجلترا قد تستفيد وإيرلندا أيضا.
في بلجيكا يقول بيار كونغراختس من هيئة السياحة في منطقة فالونيا إن البحث عن أماكن أكثر برودة “يرد بانتظام في طلبات الزوار”، ما ينعكس في زيادة عدد السياح الأسبان والإيطاليين.
ثمة نقطة يتفق عليها الفاعلون في القطاع ومفادها أن السياحة ستتغير. ويتوقعون مثلا أن المتوسط قد يجذب المزيد من الزوار في مواسم أخرى غير الصيف وهي ظاهرة ناجمة عن أن جزءا لا يستهان به من السياح من المتقاعدين.
ويرى حميد كوك “في حال استمرت الاضطرابات المناخية العالمية بالتنامي تجب إعادة النظر بالمواسم… قد نحتاج إلى ضم نوفمبر إلى موسم الصيف وأبريل إلى موسم الشتاء”.
ويعتبر جان – فرنسوا ريال “قد يشكل ذلك فرصة لخفض السياحة المفرطة من خلال تراجع عدد السياح صيفا وارتفاعه في الأشهر التسعة الأخرى”. ويؤكد ديدييه أرينو أن العرض السياحي سيضطر إلى التكيف مع المناخ “يجب تصميم مدننا بطريقة مختلفة وكذلك المنتجعات السياحية والنشاطات المقترحة”.
ويتمتع السياح بقدرة أكثر على التكيف مع آثار تغير المناخ، حيث يمكنهم تجنب الوجهات التي تعاني من الآثار السلبية لتغير المناخ، أو تغيير توقيت السفر لتجنب الظروف المناخية غير المؤاتية، وبالتالي، فإن استجابة السياح لتأثير تغير المناخ على الوجهات وغيرها من عوامل الجذب ستعيد تشكيل أنماط الطلب وقطاع السياحة ككل.
ولا يتوقف تأثير تغير المناخ عند الوجهات السياحية الدولية وإنما يشمل السياحة الداخلية أيضا، حيث يواجه السياح تزايد الفيضانات في الأنهار والبحار في بلدانهم، وزيادة فترات الطقس الحار غير المعتاد، بالإضافة إلى هطول الأمطار بغزارة وهبوب العواصف الشديدة وانتشار حرائق الغابات.
وتؤثر ظواهر الطقس السيء على البنية التحتية في الوجهات السياحية الشهيرة مثل الشواطئ ومسارات التجول، فإذا تم تدمير هذه المنشآت بسبب الظواهر الجوية، فإنها ستتكلف أموالا باهظة لإعادة بنائها.
ولا تقتصر عواقب تغير المناخ على الوجهات السياحية في المناطق الحارة فحسب، إنها تمتد أيضا إلى المناطق الجبلية والمناطق المغطاة بالثلوج، حيث يؤدي ارتفاع درجة الحرارة إلى ذوبان الأنهار الجليدية، وتغيرات في هطول الأمطار، وزيادة الآفات، وتحول المواسم، وقد بدأ بالفعل ذوبان الجليد في جبال الألب والقطب الشمالي، وهو ما يسميه العلماء “الذوبان الجليدي الأبدي”.
ومن ضمن النتائج المباشرة للاحتباس الحراري، انتظار عشاق الرياضات الشتوية لفترة من الوقت حتى تتراكم كمية كافية من الثلوج، وهناك العديد من منتجعات التزلج بدأت تعتمد على الثلج الاصطناعي.
ومع ذلك، قد يجلب تغير المناخ المزيد من الفرص في بعض المناطق، على سبيل المثال، قد يوفر قصر فترة الشتاء وطول فترة الصيف فرصا لأنشطة خارجية أخرى مثل المشي لمسافات طويلة والتخييم وركوب الدراجات في الجبال، أي إنه يمكن التعامل مع آثار تغير المناخ في المناطق الجبلية إذا قام العاملون في القطاع بتحفيز المنتج والتنويع الموسمي، ويمكن أن يشمل التنويع إنشاء منتجعات صحية، واستخدام الثلج الصناعي، وتهيئة منحدرات التزلج لتقليل الحاجة إلى الثلوج العميقة، وتحسين الاستعداد للطوارئ.
