التغيرات المناخية قد تضرّ السياحة المنتعشة في الشرق الأوسط

عمّان – يتوقع المجلس العالمي للسفر والسياحة “دبليو تي.تي.سي” أن تنمو مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي بأكثر من 36 في المئة في عام 2022 في منطقة الشرق الأوسط، بعد توقف دام عامين، ومع رفع البلدان لقيود السفر المفروضة بسبب جائحة كوفيد – 19 والطلب على عائدات السفر، يمكن أن يحقق عائدات تصل إلى أكثر من 256 مليار دولار، كما ترى سها المعايه، الكاتبة في دورية “فورين بوليسي”.
إلا أن هناك تهديدا وجوديا لذلك الانتعاش السياحي، قادمة من التغيرات المناخية، فالبلدان الأكثر اعتمادا على السياحة هي أيضا البلدان الأكثر تأثرا بتغيرات الطقس.
وتعد السياحة في الأردن أحد أكبر مصادر الدخل من العملات الأجنبية، وثاني أكبر موظف في القطاع الخاص، فهذا القطاع كان يوفر 7.3 في المئة من الوظائف قبل الجائحة، لكن يؤدي الجفاف إلى تفاقم ندرة المياه في واحدة من أكثر دول العالم شحا في المخزون المائي.
وتهدّد الحرارة الحارقة والنقص غير المسبوق في الأمطار الوجهات السياحية في جميع أنحاء الأردن. فالبحر الميت، على سبيل المثال، ينكمش بأكثر من متر سنويا، ومع انحسار الخط الساحلي ونمو الحفر الأرضية، فليس من المبالغة القول إن البحر الميت، الذي يواجه تدفقا منخفضا من رافده، يحتضر بسرعة.
وتساهم التغيرات المناخية أيضا في انخفاض مستويات المياه في نهر الأردن، وهو المكان الذي تم فيه تعميد المسيح. واليوم، تحول النهر إلى مياه موحلة بفضل التحويلات الكثيرة من المنبع، مما أثار استياء الحجاج المسيحيين.
كما أن مياه الأمطار الغزيرة النادرة غمرت البتراء في شهر نوفمبر 2018، في المنطقة التي تعتبر أحد أهم معالم الجذب السياحي الثمين في الأردن، وأحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، مما أجبر على إجلاء ما يقرب من 4000 سائح. وفي حين لم ترد أنباء عن وقوع وفيات في البتراء، لكن توفي 13 شخصا، من بينهم فتاتان صغيرتان وغواص إنقاذ، في أجزاء أخرى من البلاد. وقبل أسبوعين، قتلت الفيضانات بالقرب من البحر الميت 21 شخصا، معظمهم من الأطفال، عندما جرفت حافلتهم بعيدا.
الأمم المتحدة تتوقع زيادة بنسبة 40 في المئة في عدد الكوارث المرتبطة بالطقس على مستوى العالم خلال العقد المقبل
من جهة ثانية، أدى ارتفاع درجات الحرارة في مصر إلى إلحاق الضرر ببعض المعالم الشهيرة في الأقصر وتغيير لون الأحجار الأثرية. والسياحة هي العمود الفقري للاقتصاد المصري وهي أكبر قطاع للسفر والسياحة في أفريقيا.
ولحسن الحظ، نجت الشعاب المرجانية في مصر، التي تحظى بشعبية لدى الغواصين، حتى الآن من هجوم التغيرات المناخية. لكن من المتوقع أن تزداد الظروف الجوية القاسية سوءا مع ارتفاع درجات الحرارة، وسوف تهدد المزيد من الحرارة حياة الناس والنباتات والحيوانات.
ويتوقع مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث “يو.أن.دي.آر.آر” زيادة بنسبة 40 في المئة في عدد الكوارث المرتبطة بالطقس على مستوى العالم خلال العقد المقبل. وفي منتدى “عالم للسفر” الذي عقد الشهر الماضي في نيم بفرنسا، قدرت باولا ألبريتو، المديرة الجديدة لصندوق الأمم المتحدة للحد من الكوارث، أنه سيكون هناك حوالي 560 كارثة سنويا بحلول عام 2030، وستكون كل منها “أكبر وأكثر تكلفة” مما نشهده الآن.
ولن تؤدي هذه الكوارث إلى قلب حياة الملايين رأسا على عقب فحسب، بل إنها ستدمر أيضا البنية التحتية السياحية.
وتتباين الجهود الحالية للتخفيف من تأثير تغير المناخ على قطاع السياحة في المنطقة، إذ التزمت البلدان بالتغيير من خلال عدة خطط وإستراتيجيات للتعامل مع النمو الأخضر والاستدامة الاجتماعية والبيئية في قطاع السياحة.
فالأردن، على سبيل المثال، لديه خطة عمل وطنية للنمو الأخضر مدتها خمس سنوات لقطاع السياحة، وتطالب تلك الخطة بمشاريع واستثمارات أكثر اخضرارا، وترتبط الخطة بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لمكافحة تغيرات المناخ.
وقد حققت البلاد مكاسب مرتبطة بالمناخ في مجالات أخرى أيضا، حيث لعبت دورا رائدا في إستراتيجية الطاقة لـ10 سنوات للنمو الاقتصادي طويل الأجل ومنخفض الكربون، وأصبح الأردن في شهر مايو الماضي، أول دولة نامية تبني أدوات رقمية لتتبع ورصد الانبعاثات في مجالات الطاقة والنقل والزراعة، وفقا للبنك الدولي. ويأمل الأردن في خفض إجمالي الانبعاثات بنسبة 31 في المئة بحلول عام 2030.
الجهود الحالية للتخفيف من تأثير تغير المناخ على قطاع السياحة تتباين في المنطقة، إذ التزمت البلدان بالتغيير من خلال عدة خطط وإستراتيجيات
وفي محادثات الأمم المتحدة الأخيرة حول المناخ في مصر، ناقش القادة الإقليميون حاجة الصناعة نفسها إلى الحد من بصمتها الكربونية إذا أريد تحقيق أهداف الانبعاثات العالمية، حيث قالت خالدة بوزار، وهي المديرة الإقليمية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية إن “قطاع السياحة يتطلب إعادة ضبط”.
ولكن لا يزال التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها عنصرا ثانويا في الشرق الأوسط، وتجربة الأردن خير مثال على ذلك، والتنفيذ يتوقف على دعم المانحين النادر. ولا تشير الإستراتيجية الوطنية الحالية للسياحة في الأردن حتى إلى تغير المناخ باعتباره تحديا رئيسيا.
في الواقع، يضع الأردن الأولويات الاقتصادية قبل المخاوف البيئية، ومثال على ذلك هو خطة الحكومة للسماح بتعدين النحاس في المحيط الحيوي لمحمية دانا، وهي أكبر منطقة محمية في البلاد وموطن لـ894 نوعا من النباتات و190 نوعا من الطيور و37 نوعا من الثدييات و36 نوعا من الزواحف.
في الوقت الحالي، لم تمنع التغيرات المناخية السياح من زيارة المنطقة، حيث من المتوقع أن تجتذب بطولة العالم لكرة القدم التي بدأت في قطر هذا الأسبوع أكثر من مليون زائر إلى منطقة الخليج.
ومن المتوقع أن يتجاوز قطاع السياحة في المملكة العربية السعودية مستويات ما قبل الجائحة العام المقبل، ويتوقع مركز التجارة العالمي أن تنمو السياحة بمعدل 11 في المئة سنويا بحلول عام 2030، مما يجعله القطاع الأسرع نموا في الشرق الأوسط.
غير أن انتعاش القطاع السياحي بعد كوفيد، لا يجب أن يمنع الحكومات من أن تربط بين تغيرات المناخ وبقاء الاقتصاد واقفا على قدميه.