التعليم العالي في مصر لمن يدفع أكثر

تزايد تأثيرات المكون المالي على النظام التعليمي: التخصصات المرموقة للأغنياء فقط.
الأربعاء 2023/09/27
مستقبل أفضل للمال فيه نصيب

يرى محللون أن التعليم في مصر قد تحول إلى تجارة يتمكن خلالها من يدفع أكثر من تحصيل أعلى المراتب العلمية وبالتالي ولوج التخصصات المرموقة، فالجامعات الخاصة توفر لك مقعدا حتى بدون علامات دراسية تؤهلك لذلك.

القاهرة - في مصر، الذكاء ليس شرطا للحصول على شهادات علمية عالية، والعمل الجاد ليس شرطا لتحقيق النجاح من خلال الدراسة الأكاديمية. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يساعدك المال في الحصول على مناصب عليا، بغض النظر عن معايير الجودة والكفاءة. ويقول الكاتب محمود حسن في مقال نشر على موقع ميدل إيست مونيتور إنه بالتجول في الجامعات المصرية وقراءة معايير القبول لخريجي الشهادة الثانوية العامة لعام 2022 – 2023، ستجد أن التعليم الجامعي قد تحول إلى تجارة، أو قد يكون وسيلة غير نظيفة للأثرياء للحصول على أعلى الدرجات العلمية.

ويشير حسن إلى أن المثير للقلق أن نسبة القبول في ما هو معروف في مصر بالكليات العليا، التي تشمل الطب والصيدلة والعلاج الطبيعي والهندسة والاقتصاد واللغات، تراجعت إلى 70 في المئة في بعض الجامعات.

عند الحصول على شهادة الثانوية العامة، يتعين على الطالب المصري أن يختار ما سيدرسه في الجامعة، إذ إن الجدارة العلمية لا تحدد اختياره، ولكن المال هو الذي يحدد اختياره. وتعد سبع وعشرون جامعة خاصة في جميع أنحاء مصر ذات الرسوم الدراسية المرتفعة التي تصل إلى أكثر من 200 ألف جنيه مصري (6470 دولارا) سنويًا، الوجهة الأفضل للطلاب الأثرياء الذين يبحثون عن المكانة الاجتماعية والمهنة السياسية المستقبلية.

وجذبت الأعمال الجامعية اهتمام الحكومة المصرية، فسارعت إلى افتتاح الجامعات غير الحكومية، التي تعتمد على كميات كبيرة من التعليم المدفوع مقدما. ومنذ العام الماضي، بدأت الدراسة في 20 جامعة غير حكومية، تم إنشاء 12 منها تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة في المدن المصرية الكبرى، بما في ذلك القاهرة والإسكندرية.

وتسمح الجامعات الأهلية والخاصة، والبالغ عددها 47 جامعة على مستوى الدولة بحسب وزارة التعليم العالي، بقبول الطلاب الحاصلين على معدلات تصل إلى 75 في المئة في كلية الطب البشري، و70 في المئة في الصيدلة، و65 في المئة في الهندسة و60 في المئة في علوم الكمبيوتر.

اختيارات الأثرياء

الوجهة الأفضل للطلاب الأثرياء الذين يبحثون عن المكانة الاجتماعية والمهنة السياسية المستقبلية
◙ الوجهة الأفضل للطلاب الأثرياء الذين يبحثون عن المكانة الاجتماعية والمهنة السياسية المستقبلية

وفي إجراء غريب يعتبر محاولة لإنعاش هذا السوق، قرر المجلس الأعلى للجامعات الخاصة وغير الحكومية، قبل أشهر، تخفيض معايير القبول في تخصصات التكنولوجيا الحيوية والعلوم الصحية والعلوم الأساسية والتمريض والقانون والإعلام واللغات والعلوم والترجمة والاقتصاد والإدارة والتعليم والفنون التطبيقية والعلوم الاجتماعية والسياحة والفنادق والآثار والعلوم السينمائية بنسبة 53 في المئة.

والحد الأدنى للقبول في جامعات “إدارة الأعمال” أقل بنسبة 30 في المئة عما هو عليه في الجامعات الحكومية. وتقل معايير القبول في كلية الطب بنسبة 16 في المئة عما هي عليه في الجامعات الحكومية، وبنسبة 20 في المئة في الصيدلة والهندسة. ومع ذلك، يتم تعويض ذلك عن طريق الأموال المدفوعة بالدولار الأميركي. وكان نقيب المهندسين المصري طارق النبراوي، قد هاجم وزارة التعليم العالي، معلنا عبر صفحته على فيسبوك رفضه التنسيق في ما يتعلق بالتعليم الهندسي، منتقدا تدني معايير القبول في بعض المعاهد الهندسية الخاصة والتي لا يتجاوز عددها 60 في المئة.

في مصر تجد قوائم أسعار الرسوم الدراسية للجامعات الخاصة وغير الحكومية في الصحف وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وكأنك داخل مول تجاري برسوم إدارية مرتفعة، وأحيانا مع بعض الخصومات لجذب عملاء التخصصات العلمية. وتحصل جامعة الجيزة الجديدة القريبة من القاهرة على 210 آلاف جنيه (46800 دولار) رسوم دخول لكلية الطب البشري بالإضافة إلى 1000 دولار كرسوم إدارية، بينما تحصل كلية طب الأسنان على 195 ألف جنيه (6310 دولارات) بالإضافة إلى 1000 دولار كرسوم إدارية، وتحصل كلية الصيدلة على 123600 جنيه (4000 دولار) بالإضافة إلى 500 دولار كرسوم إدارية.

وتحصل جامعة الإسكندرية الوطنية، شمال مصر، على رسوم دراسية قدرها 145 ألف جنيه (4692 دولارا) لكلية الطب البشري، و130 ألف جنيه (4207 دولارات) لطب الأسنان، و115 ألف جنيه (3721 دولارا) للصيدلة، و85 ألف جنيه (2750 دولارا) للهندسة. وتكسب كل منها 50 ألف جنيه (1618 دولارا) لكليات الاقتصاد والإعلام والعلوم.

وتحصل جامعة الجلالة بمحافظة السويس، شمال شرقي مصر، على 120 ألف جنيه (3883 دولارا) للطب، و107 آلاف جنيه (3462 دولارا) لطب الأسنان، و85 ألف جنيه (2750 دولارا) للصيدلة، و69 ألف جنيه (2233 دولارا) للهندسة وعلوم الكمبيوتر.

وتكرر الجامعات الخاصة فاتورة المصاريف والرسوم الإدارية للطلبة الأجانب وتعتمد زيادة سنوية قد تصل إلى 7 في المئة. وبذلك تتجاوز النفقات السنوية نصف مليون جنيه (16 ألف دولار) وقد تصل إلى 700 ألف جنيه (22 ألف دولار) في الجامعة الأميركية وجامعة مصر الدولية وجامعة 6 أكتوبر الخاصة وغيرها. وتحدث والد طالبة تدرس في إحدى الجامعات الخاصة قائلا “الموضوع تجارة تماما”، مشيرا إلى أن “الطلاب المصريين الحاصلين على شهادة الثانوية العامة من الخارج يدفعون الرسوم الدراسية في وطنهم بالدولار”.

◙ صناعة التدريس في مصر أصبحت عملا تجاريا كبيرا من خلال ملء الفراغ الذي خلّفته المدارس الحكومية

وأضاف “هناك تفاوت كبير بين مستوى الجامعات الخاصة وغير الحكومية. بعضها لديه اتفاقيات توأمة مع جامعات عالمية، وبعضها يتمتع باعتراف دولي، وبعضها ضعيف، ولا يملك الإمكانيات والخبرات اللازمة”. يشتكي الطلاب وأولياء الأمور من عدم توفر مستشفيات في بعض الجامعات الخاصة تسمح بدراسة التخصصات الطبية. وهذا يعني أن هذه الجامعات تضخ طلابا غير مؤهلين إلى سوق العمل، سواء داخل مصر أو خارجها.

الرسوم الدراسية في 27 جامعة حكومية في مصر منخفضة، 2000 جنيه (65 دولارا) سنويا، ومع ذلك، تم جرهم إلى العمل. ومنذ العام الماضي تم استخدام نظام جديد يعتمد على الساعات المعتمدة، ولا يتم قبول الطلاب في الجامعات قبل دفع التكاليف مسبقا. ويدفع الطالب رسوم الدراسة في جامعة حلوان جنوب القاهرة بالنظام الجديد 320 جنيها (10.5 دولار) للساعة المعتمدة في كلية العلوم، و375 جنيها (12 دولارا) للساعة المعتمدة في كلية الاقتصاد المنزلي.

ويرتفع السعر أكثر ليصل إلى 650 جنيها (25 دولارا) للساعة المعتمدة في الكليات الأخرى مثل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، بينما يرتفع سعر الساعة المعتمدة في فصلي الخريف والربيع إلى 1300 جنيه (42 دولارا ) في حين يرتفع السعر في الفصل الصيفي إلى 1625 جنيها (52 دولارا) للساعة في أقسام كليات الهندسة بنفس الجامعة.

ويقول أحمد علي (18 عاما) إنه حصل على 39 من 40 في الدرجة النهائية للغة الألمانية، لكنه لم يتمكن من الالتحاق بقسمه المفضل في جامعة حلوان بعد أن رفعت معايير القبول إلى 40 درجة لاستيفاء متطلبات الاعتماد نظام الساعات، والذي يقبل 30 درجة مقابل رسوم سنوية بقيمة 2000 جنيه (647 دولارا).

تحويل التعليم إلى تجارة

◙ حجر الأساس لتقدم الأثياء إلى واجهة الأعمال
◙ حجر الأساس لتقدم الأثياء إلى واجهة الأعمال 

لم يشمل تصنيف QS البريطاني للجامعات العالمية 2023 أي جامعة مصرية حكومية أو غير حكومية أو خاصة ضمن أفضل 500 جامعة على مستوى العالم، باستثناء الجامعة الأميركية بالقاهرة التي حصلت على المركز 416. ويكمن مصدر الخطر في تزايد أعداد الجامعات والمعاهد غير الحكومية والخاصة، التي تقوم بتسليع التعليم على حساب الجامعات الحكومية. وهذا يهدر حق الحصول على تعليم جامعي حكومي مجاني، وهو ما يراه تنازل الدولة عن دورها كضامن جودة التعليم في الجامعات غير الحكومية والخاصة كما تكفله المادة 21 من الدستور المصري.

وتزداد مخاطر التداعيات المتوقعة مع تزايد تأثيرات المكون المالي على النظام التعليمي، مما يعني أن التعليم في المستقبل سيكون للأغنياء فقط، وأن الكليات والتخصصات المرموقة ستكون لمن يدفع أكثر، في حين سيواجه الفقراء خطر فقدان الحق في التعليم في بلد يعاني من ارتفاع الأسعار وانهيار العملة المحلية وتدهور الأوضاع المعيشية. ويقول مراقبون إن صناعة التدريس في مصر أصبحت عملا تجاريا كبيرا من خلال ملء الفراغ الذي خلّفته المدارس الحكومية، التي كانت ذات يوم حجر الأساس لتقدم الطبقة الوسطى.

◙ التعليم الجامعي قد تحول إلى تجارة أو قد يكون وسيلة غير نظيفة للأثرياء للحصول على أعلى الدرجات العلمية

ويضيف هؤلاء المراقبون أن سوء إدارة الحكومة للاقتصاد، أدى إلى تقلص الطبقة الوسطى التي كانت قوية في السابق، مما أدى إلى دفع الأسر نحو الفقر، ليس فقط من خلال الأزمات الاقتصادية المتكررة وخفض الدعم، ولكن بشكل متزايد بسبب تكلفة الخدمات المجانية المفترضة مثل الرعاية الصحية والتعليم. فمن خلال التوفيق بين عدد السكان المتزايد والاقتصاد الراكد ومشاريع البناء الباهظة، أنفقت مصر منذ فترة طويلة أقل بكثير من الحد الأدنى الدستوري البالغ 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم، حتى مع انزلاق الطلاب بعيدا في التصنيف التعليمي العالمي.

وباتت مراكز الدروس الخصوصية الهادفة إلى الربح هي المكان الذي تحاول فيه الأسر المصرية تجاوز التدهور في بلادها، حيث يعتقد الكثيرون أن الدروس الخاصة هي الطريقة الوحيدة لتأمين مستقبل أفضل لأطفالهم، حتى لو كان ذلك يعني التضحية باللحوم والفواكه والخضراوات وسط تضخم بنسبة 35 في المئة. ويؤكد مختصون وخبراء مصريون أن استمرار خروج مصر من التصنيفات الدولية المعنية بجودة التعليم، سواء الجامعي أو قبل الجامعي، يعكس حالة الفشل التي يواجهها التعليم في مصر.

وفي مصر، لا يمانع الآباء تحمّل المزيد من النفقات من أجل الحصول لأبنائهم على تعليم أفضل نسبيا، بعدما فقد التعليم المجاني الحكومي هيبته وقيمته إثر الانهيار الذي يواجهه منذ عقود طويلة، حيث يرى أولياء الأمور أن أولادهم هم الاستثمار الحقيقي ورأس مالهم في الحياة.

اقرأ أيضا: 

أي تأثير لنمط التعليم الأميركي على القطاع الخاص في العراق

7