التعليم الخاص: الجودة العالية تعني الكلفة الباهظة

في تقرير لمجلة نيوزويك الشرق الأوسط،، ترصد مجدولين حاطوم، تطور قطاع التعليم الخاص في إمارة دبي، الذي يدرس فيه حوالي 90 بالمئة من الطلبة، والنسبة الكبيرة منهم من أبناء الأجانب المقيمين في الإمارة، والذين تشكل عندهم رسوم المدارس المرتفعة هاجسا مقلقا، فمقابل جودة التعليم والمرافق الترفيهية المصاحبة التي توفرها هذه المدارس، على الأولياء دفع تكاليف عالية، فيما تضطلع هيئة المعرفة والتنمية البشرية بدور الرقيب وتعمل على ضمان جودة التعليم وتسيير هذه السوق التي توسعت رقعتها بما يجعلها مقرونة، دوما، بمعايير لا يمكن تجاوزها.
الثلاثاء 2016/11/01
مدارس "تحصل على كل شيء"

دبي – في إمارة تضج بالحركة، مثل إمارة دبي التي أصبحت دون منازع مركز الأعمال الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط في غضون العقدين الماضيين، تزايد عدد المستثمرين الخواص الذين يعملون في قطاع التعليم، وهو تحول بات سيفا ذا حدين بالنسبة إلى الأولياء.

وتُعلّق على هذا الموضوع فرح فرحات، وهي أم لثلاثة أبناء وتقيم في دبي منذ مدة طويلة، حيث تقول في تصريحات لمجلة نيوزويك الشرق الأوسط “من جهة، يعني ظهور المزيد من المدارس المزيد من الخيارات الأفضل بالنسبة إلينا نحن الأولياء، ويعني أداء أفضل من قبل هذه المدارس بما أن التنافس سيدفع أصحاب المدارس في نهاية المطاف إلى إعطاء أفضل ما عندهم. لكن من جهة أخرى، هذه الزيادة في الاستثمار تؤدي إلى ارتفاع مشط لرسوم الدراسة في أغلب المدارس الجديدة، مما يثقل كاهل الكثير من الأولياء ماليا ما لم تكن شركة هي التي تدفع الفاتورة”.

في السنة الدراسية الماضية كان ابن فرح فرحات الأكبر مسجلا في مدرسة موجودة في منطقة الجميرا حيث تتراوح الرسوم الدراسية بين خمسين ألفَا وثمانين ألفَ درهم إماراتي في السنة (أي ما يعادل 13620 و21800 دولار أميركي)، لذلك قررت الرجوع إلى بلدها لبنان هذه السنة. وتقول “صحيح أن الرسوم الدراسية لم تكن السبب الوحيد وراء قرارنا بالرجوع، لكنها لعبت بالتأكيد دورا مهما جدا في تسهيل ذلك القرار”.

وبينما لم تكن الرسوم الدراسية السبب الرئيس الذي جعل فرح فرحات تقرر حزم أدباشها وتغادر، فقد كانت السبب المباشر بالنسبة إلى عائلات أخرى بمن في ذلك عائلة طومسون، ففي حوار عبر البريد الإلكتروني مع ماط طومسون، وهو أب كندي لثلاثة أطفال رجع إلى بلده بداية هذا العام، قال إن ارتفاع رسوم الدراسة لعب “دورا كبيرا” في قرار عائلته للمغادرة. ويوضح “هذه التكاليف تجعلنا غير قادرين على تدبر أمرنا”.

وشهدت دبي في العشرية الماضية نموا سكانيا قويا، حيث زاد عدد سكانها من قرابة 1.5 مليون في سنة 2007 إلى قرابة 2.5 مليون في سنة 2016. ونظرا لأن غالبية سكانها أجانب (الكثير منهم لديهم أطفال) فقد أصبحت زيادة الطلب على التعليم الجيد المعترف به دوليا مسألة أكثر إلحاحا، مما قدم فرصة مربحة للمستثمرين الذين يسارعون من أجل الاستجابة لهذه الزيادة في الطلب.

6.1 مليار درهم إماراتي تقديرات مداخيل المدارس الخاصة في دبي السنة الماضية، ما يمثل 1.7 بالمئة من الناتج الوطني الخام لدبي

ونتيجة لذلك قفز عدد المدارس الدولية الخاصة في دبي من 148 مدرسة بين سنتي 2011 و2012 إلى قرابة 185 مدرسة هذه السنة الدراسية. وحسب تقرير حديث صدر عن هيئة دبي للمعرفة والتنمية البشرية، يبدو هذا القطاع مربحا كثيرا. وفي السنة الماضية جمعت المدارس الخاصة مداخيل تقدر بقرابة 6.1 مليار درهم إماراتي، وهو ما يمثل 1.7 بالمئة من الناتج الوطني الخام لدبي.

التكلفة العالية مقابل الجودة

تقول سامينا أحمد، مديرة في شركة الاستشارة المالية آلبن كابيتال “في آخر اليوم هناك دخل متوفر عال، والكثير من الناس مستعدون لدفع رسوم عالية”. وتضيف أنه “في حين قد لا يحتمل البعض ارتفاع الرسوم الدراسية فإن غالبية المقيمين في دبي أبدوا في الواقع زيادة في الطلب على التعليم ذي الجودة العالية، وهو ما يفسر قدوم المدارس المرموقة إلى السوق”.

ساهمت سامينا أحمد في كتابة تقرير حديث عن التعليم في دول مجلس التعاون الخليجي بالاشتراك مع المدير العام لشركة آلبن كابيتال، محبوب مرشد، الذي لاحظ أنه إضافة إلى زيادة الطلب على مقاعد الدراسة فإن دبي تجتذب المستثمرين لأسباب تشغيلية، و”يرجع ذلك في معظمه إلى كون المدارس الدولية تجد سهولة أكبر في جذب المدرسين إلى دبي من أي مكان آخر في مجلس التعاون الخليجي”.

بيد أن تأسيس مدارس دولية توفر تعليما ذا جودة عالية له تكلفة باهظة، وذلك حسب الكثير من مشغلي المدارس الذين يشيرون إلى أن هذا هو السبب الأساس وراء ارتفاع الرسوم الدراسية. وفي هذا السياق يقول مايكل أمبلي، المدير العام الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في مدرسة نورد أنغليا “يوجد كمّ هائل من الاستثمار في استجلاب المدرسين من الخارج ومنحهم رواتب جيدة وتوفير السكن لهم وأخذ القرار بجعل حجم الأقسام صغيرا والحصول على المعدات المناسبة”.

والتدفق الجاري للاستثمارات قلب موازين العرض والطلب مؤخرا وجعل السوق تنتقل من نقص في العرض إلى ما يشبه الزيادة في العرض، وحسب سامينا أحمد من شركة آلبن كابيتال سيؤدي ذلك إلى غربلة في هذا المجال حيث لن تبقى في النهاية إلا أفضل المدارس. وتقول أحمد “ستأتي الزيادة في العرض. لأول مرة في دبي تجد توازنا بين العرض والطلب، وربما سنكون في اتجاه وضعية زيادة في الطلب في وقت قريب”. وتضيف “لكن ماذا يحدث عند وجود زيادة في العرض؟ سيصبح الناس أكثر انتقائية وسيرغبون في الذهاب إلى أحسن قيمة مقابل مالهم، وستبقى من بين المدارس أفضلها”.

تدخل الرقيب

هنا يبرز الدور الأكثر أهمية لهيئة دبي للمعرفة والتنمية البشرية، بما أن المناخ التنظيمي سيحدد المقاييس لتشغيل المدارس. وحاليا تستعمل هذه الهيئة، المسؤولة عن نمو التعليم الخاص في دبي وجودته، وسائل متنوعة لمراقبة المدارس والقطاع وتنظيمهما، غالبا عن طريق جهاز الرقابة المدرسية في دبي.

جهاز الرقابة يقدم معلومات شاملة عن مستوى التعليم في المدارس الخاصة في دبي

وتقول كلثوم البلوشي، المديرة التنفيذية لتطوير التعليم التابعة لهيئة دبي للمعرفة والتنمية البشرية “يقدم جهاز الرقابة معلومات شاملة عن مستوى التعليم في المدارس الخاصة في دبي”. ومن خلال الرقابة ومشاركة المدارس في التقييمات، تقدم الهيئة “نظرة دقيقة ومفصلة عن جودة التعليم المدرسي في دبي مقارنة بالبلدان الأفضل أداء في العالم”.

ويكتسب ذلك أهمية خاصة في مكان مثل دبي حيث توجد أكثر من عشرة مناهج مختلفة، وهذا هو السبب لتمثيل الهيئة المسؤولة عن الجودة لدى شركاء هيئة المعرفة والتنمية البشرية في البلد الأصلي لضمان أن تكون الجودة الممنوحة في دبي في مستوى الجودة في البلد الأصلي. وحسب المحللين يكتسب الدور الصغير الذي تلعبه هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي أهمية بالغة في مساعدة القطاع على النضج. ويعلق مرشد من شركة آلبن كابيتال بالقول “السوق في دبي ليست ناضجة بعد”، ويضيف أن “المرء يمكنه مقارنة دبي بسنغافورة حيث تقدم أحد الأنظمة التعليمية الدولية الأفضل في العالم في المدارس”.

ولمزيد التوضيح يقول “قبل بضع سنوات كان هناك الكثير من الاستثمار في المدارس في سنغافورة، وكان العرض يفوق الطلب بسبب قلة عدد السكان. لكن عندما تدخلت الحكومة من خلال نظام تقييم حدثت عملية غربلة وتم ملء المدارس بالاعتماد على تصنيف الحكومة”، مضيفا أن ذلك دفع الكثير من الفاعلين الذين لم يكونوا يقدمون تعليما جيدا إلى الخروج من المجال. وإضافة إلى دور الهيئة تحتاج مدارس دبي إلى إيجاد طريقة للاحتفاظ بالمدرسين الجيدين إذا كانت تعتزم بلوغ نضج السوق.

لكن مع تطور السوق، وبغض النظر عن مسألة الرسوم العالية، بدأ الأولياء في دبي يشعرون بالجانب الإيجابي لمجيء هؤلاء القادمين الجدد للقطاع، خاصة بتوسع خياراتهم بشكل كبير خلافا للسنوات السابقة. وفي هذا السياق تقول رشال وود، وهي أم لثلاثة أطفال تخرّج إبناها الأكبرا سنا من مدارس في دبي “لقد تغير التعليم في دبي بشكل تام في السنوات العشر الماضية”. وتشير وود التي مازالت لديها طفلة في المدرسة الابتدائية إلى أنه مقارنة بالزمن الذي ذهب فيه ابناها إلى المدرسة، قطعت دبي أشواطا كبيرة.

وتقول “الآن لدينا الخيار، وليس فقط الخيار في توفر المزيد من المدارس التي تلبي حاجيات الأولياء، بل كذلك القدرة على البحث عن هذه المدارس في الإعلام الاجتماعي”. وتضيف بقولها “أصبحت المجموعات الحوارية كثيرة وواسعة وهي كلها تتحدّث وتقارن… كل هذه العوامل لها أثر عميق على المدارس. الشيء الإيجابي الآخر لتواصل الاستثمار هو وجود اتجاه جديد لاحظته هيئة المعرفة والتنمية البشرية بين البعض من المدارس.

17