التعديلات الوزارية لا تعالج جوهر الأزمة الأمنية في الصومال

مقديشو - يعيش الصومال على وقع اختبارات أمنية متكررة، غالبًا ما تكون الردود عليها محكومة بمنطق الترقيع السياسي أكثر من المعالجة البنيوية. وبينما لا تزال البلاد تخوض حربًا مريرة ضد تمرد مسلح تقوده حركة الشباب منذ أكثر من عقد ونصف، يختار القادة السياسيون إجراء تغييرات على مستوى الوجوه الوزارية، في محاولة لإعطاء الانطباع بوجود ديناميكية في الأداء الحكومي. إلا أن هذا النهج، الذي يراهن على التعديلات الشكلية أكثر من مراجعة المسارات الإستراتيجية، يثير تساؤلات عميقة حول قدرة الدولة على بناء أدوات فعالة لمواجهة تهديد يزداد تعقيدًا واتساعًا.
وأجرى رئيس وزراء الصومال حمزة عبدي بري أمس الأحد تعديلا وزاريا محدودا شمل تعيين وزير جديد للدفاع في إطار مساعي حكومته للقضاء على تمرد إسلامي. لكن محللين يشككون في نجاعة مثل هذه التعديلات.
ويشير التعديل الوزاري إلى إعادة ترتيب في الأدوار داخل الحكومة، لكنه لا يمس جوهر المعضلة الأمنية التي تواجه البلاد، وهي ليست في الأشخاص بقدر ما هي في الإستراتيجيات المعتمدة لمواجهة التمرد المسلح المستمر منذ أكثر من 15 عامًا.
وقد يعكس تعيين أحمد معلم فقي وزيرًا للدفاع، وهو صاحب خبرة واسعة في شؤون الأمن والاستخبارات، رغبة في ضخ دماء جديدة، لكن مثل هذه الخطوة تكررت كثيرًا في الحكومات الصومالية المتعاقبة دون أن تحدث تحولًا جوهريًا في مسار المعركة ضد حركة الشباب.
حركة الشباب، التي تتبنى أجندة جهادية، تواصل تنفيذ هجمات واسعة النطاق في العاصمة مقديشو وغيرها من المناطق الصومالية
ويرى محللون أن الخلل لا يكمن في هوية الوزير أو خلفيته، بل في غياب إستراتيجية شاملة ومتكاملة تتعامل مع حركة الشباب كتهديد متعدد الأوجه: أمني، اجتماعي، واقتصادي.
ولا تصمد العمليات العسكرية التي تتركز في استعادة القرى والمناطق لفترات قصيرة أمام هجمات الحركة المتكررة، بسبب ضعف السيطرة المؤسسية على المناطق المحررة، وغياب الخدمات الأساسية، وتردد الدعم الدولي الذي لا يزال مشروطًا ومحدود النطاق. كما أن القوات الحكومية، رغم شجاعتها، تفتقر إلى التماسك، وتعاني من تحديات هيكلية مثل قلة التنسيق بين الوحدات، وتعدد الولاءات، وتباطؤ برامج التدريب والتسليح.
ويتفاقم المشكل حين تفتقر الإستراتيجية لمقاربة أوسع، تربط بين العمليات العسكرية والسياسات التنموية والاجتماعية، وتضع أولوية لإعادة بناء ثقة المجتمعات المحلية في الدولة، بدل تركها عرضة لاختراق أيديولوجي أو مصلحي من قبل الجماعة المسلحة.
ولا تعتمد حركة الشباب فقط على السلاح، بل تستخدم شبكات دعاية، وتفرض أنظمة حكم موازية في بعض المناطق، ما يجعلها فاعلًا سياسيًا واجتماعيًا بقدر ما هي قوة عسكرية.
وقد يكون تغيير الوزراء ضروريا في بعض الأحيان، لكنه يبقى شكليًا إذا لم يترافق مع مراجعة عميقة لطريقة إدارة الحرب على الإرهاب في البلاد.
ويؤكد خبراء أن المطلوب ليس فقط قادة جددا، بل رؤية جديدة تعترف بتعقيد التحدي، وتتعامل مع حركة الشباب ليس فقط كعدو عسكري، بل كنتاج فراغات متراكمة في بنية الدولة، وهو ما لم تقترب منه السياسات الحالية، سواء على المستوى المحلي أو في تنسيقها مع الشركاء الدوليين.
ومنذ الإطاحة بنظام الرئيس سياد بري في عام 1991، دخل الصومال في مرحلة من الفوضى وعدم الاستقرار، حيث تفككت الدولة إلى كيانات متناحرة، وأصبحت عرضة للتدخلات الأجنبية.
وعانت البلاد خلال هذه السنوات من صراع داخلي طويل الأمد، مما جعل الحكومة المركزية ضعيفة وغير قادرة على السيطرة على معظم الأراضي الصومالية. وفي هذا السياق، نشأت حركة الشباب عام 2006 كجماعة متمردة متطرفة تهدف إلى فرض تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية على الصومال.
ورغم الجهود المحلية والدولية المبذولة لمحاربتها، فإن التحديات الأمنية ما زالت قائمة. فحركة الشباب، التي تتبنى أجندة جهادية، تواصل تنفيذ هجمات واسعة النطاق في العاصمة مقديشو وغيرها من المناطق الصومالية. و تمكنت أيضًا من فرض سلطتها في العديد من المناطق الريفية، ما يعزز من قوتها السياسية والاجتماعية، إلى جانب قدرتها العسكرية.
أزمة الصومال الأمنية ليست في الأشخاص بقدر ما هي في الإستراتيجيات المعتمدة لمواجهة التمرد المسلح لحركة الشباب
وعلى الرغم من الدعم العسكري الدولي، وخاصة من قوات الاتحاد الأفريقي (أميصوم) التي تدعم الحكومة الصومالية، لا تزال البلاد تواجه صعوبات كبيرة في تطهير المناطق من مسلحي حركة الشباب، بالإضافة إلى استعادة الخدمات الأساسية التي من شأنها أن تساهم في استقرار تلك المناطق.
ورغم التضحيات التي تقدمها القوات المسلحة الصومالية، فإن هناك شكاوى مستمرة من ضعف التنسيق بين الوحدات العسكرية وصعوبة تسليح وتدريب القوات بشكل فعّال.
وبالإضافة إلى ذلك، يعاني الصومال من انعدام التنمية المستدامة في العديد من مناطقه، وهو ما يجعلها أرضًا خصبة لنمو الجماعات المتشددة التي تستغل غياب الحكومة في تقديم الخدمات الأساسية لبناء شبكات من الدعم الشعبي.
ويتم استقطاب الكثير من الشباب إلى صفوف حركة الشباب نتيجة لفرص العمل المحدودة، والظروف الاقتصادية الصعبة، وفقدان الثقة في الحكومة.
وباتت التساؤلات تدور حول نجاعة التعديلات الوزارية التي تقتصر على تغييرات شكلية، في وقت يبدو أن الحكومة بحاجة إلى إستراتيجية شاملة تعالج التحديات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
ويشير خبراء إلى أن هذه الإستراتيجية يجب أن تجمع بين القوة العسكرية، وإعادة بناء المؤسسات الحكومية، وتوفير الخدمات الأساسية، وتعزيز تنمية المجتمعات المحلية، بهدف بناء الثقة بين الدولة والشعب وتقليل الأرضية الخصبة التي تنمو عليها الحركات المتطرفة.