التعاون العسكري بين إيران وروسيا يؤسس لجبهة متحدة في الشرق الأوسط

تسعى روسيا إلى ترسيخ تحالفاتها في الشرق الأوسط مع بلدان أخرى ينبذها الغرب بما فيها إيران. ويؤسس التعاون العسكري المطرد بين البلدين لجبهة موحدة تهدد المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
واشنطن - التعاون بين روسيا وإيران ظاهرة سياسية وعسكرية واقتصادية بارزة على الساحة الدولية، حيث تشهد العلاقات بين البلدين تقاربا ملحوظا على مختلف الأصعدة في ظل المتغيرات الدولية الحالية.
ويقول نيكيتا سماجين، الخبير في الشأن الإيراني، في تقرير نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن هناك العديد من الأسباب التي تجعل روسيا وإيران غير حليفتين بشكل رسمي، حيث إن حكامهما لا يثقون في بعضهم البعض ويتنافسون في أسواق الطاقة، كما أن الأيديولوجيا الشيعية الثورية في إيران لا تتفق مع النزعة المحافظة في روسيا.
ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالمسائل العسكرية، فإن البلدين يقتربان أكثر من أي وقت مضى، ويتحدان في معارضتهما للولايات المتحدة.
وتلعب موسكو حاليا دورا محدودا في الصراع المتواصل بالشرق الأوسط بين طهران وواشنطن. ولكن الكرملين أقنع نفسه بأن الولايات المتحدة تستخدم أوكرانيا لشن حرب بالوكالة ضد روسيا، ويعني ذلك أن من المحتمل أن تعتقد روسيا بأن لديها كل الحق في بدء حرب بالوكالة مع الولايات المتحدة في أي مكان في العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط.
وعندما يتعلق الأمر بالطائرات المسيرة، فإن التعاون بين روسيا وإيران معروف جيدا، فقد أشارت تقارير إعلامية متعددة إلى مصنع في جمهورية تتارستان الروسية ينتج الطائرات الإيرانية المسيرة. كما قد تتسلم روسيا قريبا الطائرة الإيرانية الجديدة الهجومية المسيرة شاهد – 101.
تبادل التكنولوجيا بين طهران وموسكو، وتنسيقهما الوثيق في المعركة ضد واشنطن، مفيد للجانبين
ويقول سماجين إنه في حين أن شاهد – 101 أصغر من الطرازات السابقة، مما يحد من حمولتها، إلا أنها يمكن أن تقطع مسافة تصل إلى 600 كيلومتر، وحجمها يعني أن من الصعب جدا تحديدها وإسقاطها، كما أن تلك المسيرات هي أيضا سهلة النقل والإطلاق دون أن يلاحظها أحد.
وفي خضم الهجوم الإسرائيلي على غزة، كان هناك عدد متزايد من الهجمات شنتها جماعات مدعومة من إيران على أهداف أميركية في العراق وسوريا.
وكانت هذه الهجمات في السابق تستخدم صواريخ بدائية، لكنها الآن تنفذ بشكل روتيني باستخدام مسيرات شاهد – 101.
وعندما ضربت مسيرة شاهد – 101 قاعدة أميركية على الحدود بين سوريا والأردن في الثامن والعشرين من يناير، قتل ثلاثة جنود أميركيين وجرح أكثر من ثلاثين آخرين. وردت الولايات المتحدة بضربات على الجماعات المدعومة من إيران في أنحاء العراق وسوريا. لكن مسيرات شاهد – 101 أظهرت قدرتها على التهرب من الدفاعات الجوية الأميركية.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن إيران ستبيع لروسيا عدة آلاف من المسيرات شاهد – 101 وشاهد – 107 الأكثر تقدما. وعلاوة على ذلك، سيبدأ مصنع تتارستان في نهاية المطاف إنتاج هذه الطائرات المسيرة.
العلاقات بين موسكو وطهران تشهد تقاربا ملحوظا على مختلف الأصعدة في ظل المتغيرات الدولية الحالية
وفي حين استخدمت الجماعات المدعومة من إيران طائرتين أو ثلاثا من طراز شاهد – 101 كحد أقصى في أي وقت بالشرق الأوسط، ستكون لدى الجيش الروسي القدرة على شن هجمات جماعية في أوكرانيا، مما يسمح باختبار السلاح وتحسين أدائه.
ويرى سماجين أن كل هذا يعد دليلا على كيفية تشابك الصراعات العسكرية في أوكرانيا والشرق الأوسط بشكل متزايد، مع مشاركة التقنيات العسكرية في الاتجاهين.
وقد دمرت حركة حماس بالفعل دبابات إسرائيلية باستخدام مسيرات رباعية المحركات في غزة، وهو تكتيك طوره الجنود الأوكرانيون والروس.
ووافقت روسيا على تزويد إيران بالطيران العسكري الذي يشمل طائرات مقاتلة ومروحيات. وبعدما أثبتت قدرتها على تفادي الدفاعات الجوية الأميركية في الشرق الأوسط، سيتم اختبار الطائرات الهجومية الإيرانية الآن ضد أنظمة الولايات المتحدة المستخدمة في أوكرانيا.
ولهذا السبب، لا تسارع إسرائيل في مشاركة نظامها للدفاع الجوي “القبة الحديدية” مع الأوكرانيين، إذ تقوم إيران بدراسة أداء طائراتها المسيرة في أوكرانيا، وستكون قادرة على بدء تحديد النقاط الضعيفة في أنظمة الدفاع الجوي التي تواجهها.
ومن الأمور الحاسمة أن موسكو وطهران تعتقدان أن لديهما عدوا مشتركا في واشنطن. وقد أكد المسؤولون الروس مرارا أن القوات الروسية تقاتل الولايات المتحدة في أوكرانيا، أما بالنسبة لإيران، فكانت شعارات “الموت لأميركا” جزءا من الأيديولوجيا الرسمية على مدار عقود. ووفقا للمنطق الإيراني، فإن إسرائيل مجرد موقع تابع للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وفي الوقت الحالي، فإن التعاون الروسي – الإيراني الأكثر وضوحا ضد الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط، هو في سوريا. وبينما تطلق الجماعات الموالية لإيران الصواريخ على أهداف أميركية، تهاجم الطائرات الروسية الأصول الجوية الأميركية، وتقوم بمناورات خطيرة ضد الطائرات الأميركية والطائرات المسيرة.
وهناك الكثير من الفرص لتوسيع هذا التعاون. وغالبا ما تستند السياسة الخارجية الروسية إلى مبدأ “أي شيء يمكن للولايات المتحدة القيام به، نستطيع القيام به أيضا”.
ويقول سماجين إن الكرملين برر اعتراف موسكو بمنطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليتين في جنوب القوقاز، ودعمها للانفصاليين في أوكرانيا، وغزوها الشامل لأوكرانيا الذي بدأ في عام 2022، بأنها خطوات مماثلة لإجراءات أميركية سابقة.
وإذا كان المسؤولون الروس يعتقدون أن الولايات المتحدة تخوض حربا بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا، فإن المنطق يملي على موسكو الحق في بدء حربها بالوكالة ضد الولايات المتحدة في أي مكان في العالم.
وكان تبادل التكنولوجيا والبيانات والخبرات بين طهران وموسكو، وتنسيقهما الوثيق في المعركة ضد واشنطن، مفيدا للجانبين، فكل ضربة توجهها الجماعات المدعومة من إيران لأهداف عسكرية أميركية تراها موسكو نجاحا، وكل طائرة مسيرة تُطلق ضد الدفاعات الجوية الأميركية هي مصدر بيانات يمكن استخدامه لتحديد نقاط الضعف الأميركية. ويبدو أننا نشهد ظهور جبهة متحدة ضد واشنطن، من بحر البلطيق إلى الخليج.
ويوضح سماجين أن في الوقت الحالي، تجري المعركة ضد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط دون تدخل مباشر من روسيا. ويقول “لم نر جماعات مدعومة من إيران تتلقى كميات كبيرة من الأسلحة الروسية. ولكن إذا تجمد الصراع الأوكراني أو أصبح أقل حدة، فإن فرص روسيا في تكثيف مشاركتها في الشرق الأوسط سترتفع”.
ويمكن بسهولة توجيه صناعة الدفاع الروسية المزدهرة والأعداد الكبيرة من القوات الروسية ذات الخبرة في ساحة المعركة إلى الشرق الأوسط. ولن يتم الترحيب بالجنود والأسلحة الروسية إلا من قبل الجماعات الموالية لإيران، الحريصة على تكثيف نضالها ضد “الاستعمار الأميركي الجديد”.