التطورات تتحرك لصالح قوات الدعم السريع في السودان

قائد الجيش السوداني الجنرال عبدالفتاح البرهان يخسر الكثير من الحلفاء خاصة الحركات المسلحة التي وقفت إلى جانبه بقوة في البداية ثم وجدت أن اتجاهات الحرب تميل لغريمه الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي بات محل اهتمام داخلي وخارجي بعد المكاسب الميدانية التي حققتها قوات الدعم السريع.
تميل التطورات العسكرية والسياسية في السودان بعد أكثر من سبعة أشهر على الحرب بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع إلى صالح الثانية، وأخذت الأولى تفقد تدريجيا بعض الأماكن التي كانت تحت سيطرتها في الخرطوم، إلى جانب خسائر فادحة في كل من دارفور وكردفان، وتعيد قوى داخلية وخارجية حساباتها من المؤسسة العسكرية التي أكدت عقب اندلاع الصراع أن حسمه لصالحها لن يستغرق وقتا طويلا.
تشير المكاسب التي حققتها قوات الدعم السريع أخيرا في الميادين تدور فيها معارك طاحنة أو على المستوى السياسي بين القوى السودانية المختلفة، إلى توقع حدوث تغييرات كبيرة في الفترة المقبلة على صعيد الحرب، فقد تتمكن من إحكام سيطرتها على كامل إقليم دارفور بعد تفوقها في نيالا وزالنجي والجنينة واقترابها من الفاشر، وتستقطب حركات مسلحة إلى صفها تبنت موقفا محايدا منذ بداية الحرب، لكن إعلانات التأييد للدعم والانشقاقات داخل حركات قريبة من الجيش يؤكدان أن هناك تحولات قريبا.
كما أن الخطاب السياسي لعدد كبير من القوى المدنية والأحزاب المتباينة لم يعد ملتصقا بالجيش تماما أو معوّلا على تحقيق انتصارات فاصلة، وإذا لم يعلن هؤلاء انضماما صريحا لقوات الدعم السريع فإن أيّ ابتعاد أو انفضاض عن الجيش يصب في صالحها ويوحي أن التعامل معها كفصيل متمرد، حسب الخطاب الذي تبناه قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، لم يجد صدى لدى قطاعات سودانية كبيرة حتى الآن.
تأتي مكاسب الدعم الجديدة من عاملين، الأول: امتلاكها رؤية واضحة في التعامل مع البرهان وقادة الجيش المؤيدين للحركة الإسلامية السودانية وحزب المؤتمر الوطني المنحل وعدم خروجها عن سياق ما حدّدته لتصوّراتها عمليا، على الرغم من التشويش الذي مارسه هؤلاء على قوات الدعم السريع والاتهامات التي لاحقتها منذ بداية الحرب.
ويتعلق العامل الثاني بفقدان قوى سودانية عديدة ثقتها في البرهان وقدرته على كسب المعارك المصيرية، وتأكدها من مراوغاته السياسية وحرصه على الاحتفاظ بالسلطة، وعندما خاض الحرب لم يتمكّن من استقطاب هذه القوى إلى جانبه، والتي أعاد عدد كبير منها حساباته تجاه المؤسسة العسكرية كرمز وطني أمين على وحدة الدولة ومنع انفراطها، بدأوا يبتعدون عنها ويتشككون في توجهاتها.
استفاد قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) من تعاظم دور قيادات محسوبة على نظام الرئيس السابق عمر البشير، وعزف على هذا الوتر الذي دعّمته تصرفات كثيرة أقدم عليها البرهان لاحقا، أسهمت في ترسيخ انطباع أنه رضخ لرؤيتهم، وهو ما ظهر في هروب قيادات إسلامية من السجون وانخراطهم في الحرب بجوار الجيش، وتحويل الحرب من الاتجاه الوطني إلى العقائدي، وجذب فئات مدنية ناحية قوات الدعم السريع، والتي لم تفوّت الفرصة على تأكيد سيطرة الفلول على مجريات القرار في المؤسسة العسكرية.
لم تكذب بعض ممارسات قائد الجيش هذه المسألة، وعلى العكس تبنّى إجراءات عززت غلبة التيار الإسلامي في مركز صناعة القرار، ما أرخى بظلال سلبية على من خاضوا المعارك دفاعا عن الدولة وشرف المؤسسة العسكرية، ومنهم من ابتعد أو انضم إلى قوات الدعم السريع، أو فقد حماسه في خوض حرب تسعى إلى فرض الأمن والاستقرار في الدولة، وربما تفضي إلى المزيد من تمزيقها.
استثمرت قوات الدعم السريع عسكريا في كل الفجوات التي تركها قائد الجيش تتسع ولم يعمل على رتقها، وضاعفت من تحركاتها في ميادين المعارك غربا وجنوبا وشمالا، وحققت انتصارات ساعدتها على تحسين موقفها التفاوضي في منبر جدة، والذي أسهمت تصورات وفد الجيش المرتبكة والخاضعة لرؤية فلول البشير في عرقلته، الأمر الذي استشعرته جهات متابعة، محليا وإقليميا ودوليا، وبدأت تعيد النظر في تأييدها أو حياد موقفها من الجيش، حيث اكتشفوا إخفاقه في تحقيق تقدم عسكري، والفشل في الحفاظ على دعم نسبة كبيرة ممّن وقفوا إلى جواره.
يعلم المراقبون أن كل ابتعاد عن الجيش من داخله أو خارجه يصب في صالح قوات الدعم السريع، والتي تبنت خطابا دعّم تسليم السلطة من الجيش لقيادة مدنية وأيّد التحول الديمقراطي وانتقد هيمنة فلول البشير، وبصرف النظر عن مدى مصداقية أو مراوغة هذا الخطاب يظل عالقا في أذهان قوى كثيرة أنه لم يتبدل، بينما شهد خطاب الجيش تذبذبا ومراوغة وصعودا وهبوطا، أثّر على قناعات من راهنوا عليه في نطاق رؤيتهم للدور المحوري لمؤسسة الجيش الوطنية وابتعادها عن انحيازات ضيقة.
♦ خطاب عدد كبير من القوى المدنية والأحزاب المتباينة لم يعد ملتصقا بالجيش أو معولا على تحقيق انتصارات فاصلة
خسر الجنرال البرهان الكثير من الأصدقاء والحلفاء، بينما كسب غريمه حميدتي المزيد من هؤلاء وهؤلاء، لأنه بات ينظر إليه على أنه الحصان الذي اقترب من كسب المعركة العسكرية والسياسية من خلال تسجيل النقاط في مناطق مختلفة، ويملك يدا طولى في كليهما، سوف تساعده على دعم موقفه التفاوضي إذا مضى منبر جدة في وساطته، أو انتقلت المحادثات إلى رعاية الاتحاد الأفريقي وهيئة “إيغاد”، وهما ليسا في حاجة إلى إعادة قراءة المشهد، فلديهما من المعرفة والدراية والخبرة ما يمكنهما من إطلاق ضربة البداية بلا تضييع للقوت، وقوام رؤيتهما وقف الحرب لمنع تمدد الصراع، وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية، والعودة إلى القواعد التي أرسيت أثناء دورهما السابق عقب سقوط نظام البشير، ولعل تحسين البرهان لعلاقاته مع كل من كينيا وإثيوبيا يعزز التوجه نحو هذا المسار الأيام المقبلة.
وتصب غالبية التطورات في صالح قوات الدعم السريع، وتؤكد بعض التحركات أن الدولة مقبلة على تغييرات حقيقية عندما تسكت المدافع وتهدأ المعارك، ومن مصلحة حميدتي أن يبدأ في إجراءات عملية لبناء الثقة مع الحركات المسلحة التي انحاز بعضها إليه، وفضل البعض الآخر البقاء في كنف الجيش، ومع القوى السياسية، خاصة تلك التي بدأت تنظيم صفوفها ويساور بعضها قلق مع كل تقدم تحرزه قواته في إقليم دارفور، والترويج إلى رغبته السيطرة عليه للانفصال به.
وتمثل عملية بناء الثقة خطوة مهمة استعدادا لمرحلة يتطلع فيها سودانيون إلى وضع دولتهم على مسار صحيح بعد أن أنهكتها الحروب، وآخرها الحرب الراهنة التي أعادتها عقودا طويلة إلى الوراء، وتحتاج إلى تكاتف الجهود ليتمكن الشعب من تعويض خسائره وتأسيس دولة تتعايش فيها جميع طوائفه على قاعدة المواطنة والحكم المدني، وسد المنافذ أمام الحركة الإسلامية التي تسعى لإطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة. إذا كانت التطورات الأخيرة تصب في صالح الدعم السريع وتدعم رؤيتها لمستقبل السودان، فعلى قائدها العمل سريعا على تفويت الفرصة على من يريدون حشره في زاوية "التمرد" من خلال تغليب الشق المؤسساتي في الجيش، والعمل على مصالحة شاملة تذيب الهوة التي عمّقتها الحرب وروافدها المركبة، وشقت الكثير من الصفوف، وتركت آثارا قاتمة على صورة الدولة المتسامحة.