التطورات المحلية والدولية تدفع روسيا إلى إعادة ترتيب أوراقها في ليبيا

موسكو تحاول فك تطويقها دوليا بتقوية علاقاتها مع الدول الأفريقية وتشكيل عالم متعدد الأقطاب.
السبت 2022/09/24
مصالح موسكو تقربها مجددا من حكومة الدبيبة

موسكو - تبدي روسيا توجها متسارعا نحو إعادة ترتيب أوراقها في ليبيا، وتسعى حاليا لفتح سفارتها بطرابلس، في ذروة حربها التي شنتها على أوكرانيا، والتصادم المتنامي بينها وبين الولايات المتحدة وأوروبا.

وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن بلاده “تعتزم استئناف عمل سفارتها في طرابلس في المستقبل القريب”، وأنه سيتم “تعيين سفير روسي هناك، سيعلن عنه قريبا”.

وفي 20 سبتمبر الجاري قبِل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتماد السفير الليبي امحمد المغراوي، بعد نحو عشرة أشهر من تعيينه في هذا المنصب. ففي 28 نوفمبر 2021 أدى المغراوي اليمين القانونية أمام رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي في العاصمة طرابلس، استعدادًا لمغادرته إلى موسكو لمباشرة مهامه.

وما يشكّل مفارقة أن روسيا تعترف بحكومة فتحي باشاغا منذ اليوم الأول من اعتمادها من قبل مجلس النواب بطبرق في مارس الماضي، إلا أن إعادة فتح سفارتها في طرابلس تعني ضمنيا اعترافها بحكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة.

ولا يمكن لروسيا الاعتراف بحكومتين في بلد واحد، إلا إذا كان “وراء الأكمة ما وراءها”. ولا يوجد أي تطور ملحوظ بشأن تحسين علاقاتها مع حكومة الوحدة في طرابلس؛ فلا تبادل للزيارات بين المسؤولين في الحكومة الروسية ونظرائهم في حكومة الوحدة الليبية، ولا حتى اتصالات هاتفية بين بوتين والدبيبة، أو على الأقل بين وزيري خارجية البلدين، فالعلاقات السياسية منذ وقت قريب كانت باردة إلى متوترة.

فلاديمير بوتين: روسيا مهتمة بحل الصراع الذي طال أمده في ليبيا، وتعول على استئناف عملها بها في جميع المجالات

ولم يسبق أن قطعت روسيا جميع حبالها مع طرابلس، مثلما يجري اليوم، حتى في أوج خلافاتها مع الغرب الليبي عندما دعمت هجوم قوات الشرق بقيادة خليفة حفتر على طرابلس في 2019، وكانت هناك اتصالات مع حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج الذي زار موسكو خلال يناير 2020 في أوج الحرب.

وفي حين يسعى الغرب لعزل روسيا عن المجتمع الدولي تحاول موسكو فك تطويقها دوليا من خلال تقوية علاقاتها مع الدول الأفريقية، وتشكيل عالم متعدد الأقطاب، وليبيا جزء من هذه الإستراتيجية.

وفي هذا السياق قال بوتين، لدى قبوله أوراق اعتماد السفير الليبي، إن “روسيا مهتمة بحل الصراع الذي طال أمده في ليبيا، وتعول على استئناف عملها بها في جميع المجالات، فالنظام العالمي يتغير حاليا، والعالم يتجه نحو التعددية القطبية”.

وتسعى روسيا لتحييد حكومة الوحدة الليبية عن صراعها مع الغرب، وفتح قنوات تواصل معها، لأنها تتحكم في إيرادات النفط، حيث ارتفعت صادرات النفط الليبية إلى نحو 1.2 مليون برميل يوميا، ما وضعها كثاني أكبر مصدر للنفط في أفريقيا بعد تراجع إنتاج نيجيريا.

كما تحتل ليبيا المرتبة الرابعة أفريقيًّا في تصدير الغاز الطبيعي، بعد كل من الجزائر ونيجيريا ومصر. وبذلك تشكل ليبيا رقما له ثقله في أزمة الطاقة العالمية والصراع بين روسيا والاتحاد الأوروبي حول إمدادات الغاز والنفط، خاصة في الشتاء المقبل. وموسكو حريصة على أن تكون لها سفارة في منطقة آمنة بطرابلس على غرار المنطقة الخضراء في بغداد، أو مجمع للسفارات يتم فيه تشييد مقر سفارتها وفق معايير تأخذ بعين الاعتبار سلامة العاملين فيها، خاصة وأنها اضطرت إلى غلق مقر سفارتها في 2014 بسبب تدهور الوضع الأمني. وليبيا على الرغم من خلافاتها مع روسيا تتفاوض معها لاستيراد كميات من القمح.

وفي مايو الماضي قال السفير الليبي لدى روسيا المغراوي إنّ بلاده “مهتمة بشراء المنتجات الزراعية من روسيا، وسيتم شحن أول دفعة تجريبية من الدقيق إليها بحجم 100 ألف طن”.

ورغم النفوذ القوي لروسيا في شرق وجنوب ليبيا إلا أن استمرار عدم تمكن حكومة باشاغا من دخول طرابلس وإسقاط الحكومة المنافسة خلق أمرا واقعا لا مفر منه.

هذا الواقع الميداني أظهر أنه من الصعب إسقاط حكومة الدبيبة عسكريا، ناهيك عن إسقاطها سياسيا. وتجلى ذلك من خلال تمكن وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش من رئاسة مجلس وزراء الجامعة العربية في القاهرة رغم اعتراض مصر وانسحاب وفدها من الاجتماع.

وأصبحت حكومة الدبيبة تحظى بالتفاف كتائب المنطقة الغربية، وتأييد عربي ودولي، خاصة من الجزائر حليفة روسيا. لذلك صارت موسكو مضطرة إلى التعامل مع المعطيات الحالية في طرابلس، دون أن يعني ذلك تخليها عن دعم حكومة باشاغا، وهذا ما تجلى في تأكيد موسكو أنها ستفتتح قنصلية لها أيضا في مدينة بنغازي (شرق).

وما يدفع روسيا أيضا إلى فتح سفارتها في طرابلس سعيها للعب أدوار سياسية في حل الأزمة الليبية أو على الأقل إدارتها بالشكل الذي يخدم مصالحها وإستراتيجيتها في المنطقة.

فطرابلس شهدت في السنوات الأخيرة عدة حكومات، تغيرت إما بتفاهمات سياسية أو عبر القتال؛ ذلك أن الاستقرار الحكومي ليس صفة تتمتع بها طرابلس، لذلك تعول روسيا على حدوث تغيير ما، تساهم فيه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لتولي شخصية قريبة منها رئاسة الحكومة أو رئاسة المجلس الرئاسي.

وفي هذا الصدد يُتَداول إعلاميا على لسان نواب في البرلمان الليبي أن عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب في طبرق، ماض في خطة جديدة، يتولى خلالها رئاسة المجلس الرئاسي مقابل إجراء الانتخابات البرلمانية وتأجيل الانتخابات الرئاسية ثلاث سنوات.

ورغم نفي مجلس النواب هذه الادعاءات فإن لا أحد ينكر أن صالح ترشح لرئاسة المجلس الرئاسي في فبراير الماضي ضمن قائمة تضم أيضا باشاغا مرشحا لرئاسة الحكومة.

وليس من المستبعد أن تبحث زيارة صالح إلى موسكو، والتي لم يحدد بعد تاريخها، خيارات الحل السياسي بين الشرق والغرب الليبيين، وأن يسعى إلى حشد دعم روسيا والدول المؤثرة لمشروع جديد، يتم التحضير له بتكتم شديد.

7