التطورات العسكرية في سوريا تزيد أعباء الأٍردن الأمنية

بالتزامن مع التطورات العسكرية المتسارعة في سوريا تتعزز المخاوف الأمنية في الأردن من اشتعال جبهة درعا الحدودية، ما يستوجب خطة استباقية وتنسيقا مع مختلف الأطراف لتحييد عمان عن تداعيات الصراع السوري الداخلي.
عمان - جددت التطورات المتسارعة في سوريا مخاوف الأردن الأمنية من انتقال تداعياتها إليه، خاصة أن مشاهد اللاجئين الذين تدفقوا على المملكة وتصاعد تهديدات تنظيم داعش الإرهابي خلال سنوات ما بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، لا تزال عالقة في الذاكرة.
ووفق خبراء تعتمد أدوات الأردن في مواجهة هذه التهديدات على التنسيق مع النظام السوري لضبط الحدود، رغم التشكك في فاعلية قوات النظام. ولذلك قد تلجأ المملكة إلى التنسيق مع العشائر المحلية داخل البلد الجار، إضافة إلى التعاون مع القوات الأميركية في قاعدة التنف جنوب شرقي سوريا.
كما يحتاج الأردن، حسب الخبراء، إلى تبني إستراتيجية استباقية تشمل تعزيز الدفاعات الحدودية ومواجهة أي تهديد قبل وقوعه، مع إرسال رسالة واضحة مفادها أن الحدود الأردنية غير قابلة للاستهداف ولن تكون جزءا من الصراعات الإقليمية.
وفي الأيام الأخيرة أعادت سيطرة المعارضة السورية المسلحة على مناطق واسعة بمحافظتي حلب وإدلب شمالا احتمال تجدد المواجهات مع قوات النظام في محافظات أخرى، لاسيما درعا (جنوب) الحدودية مع الأردن، والتي توصف بـ”مهد الثورة السورية”. ويبدو أن هناك إرهاصات لذلك بالفعل، حيث شهدت درعا خلال اليومين الماضيين مظاهرات مناهضة للنظام، وهو ما قابله الأخير بتعزيز قواته على الطريق الذي يربطها بدمشق.
وفي 2018 توصلت المعارضة في درعا إلى اتفاق بوساطة روسية مع النظام لسحب جزئي للأسلحة، لكن النظام أخل بالاتفاق وسعى للسيطرة الكاملة، ما أدى إلى استمرار المواجهات حتى عام 2021 حين فرض حصارا على المدينة وعرقل المفاوضات.
والأردن من أكثر الدول تأثرا بالأزمة السورية المستمرة منذ 2011، ما يبرر جانبا مهما من مخاوفه الراهنة إذ استقبل قرابة 750 ألف لاجئ، توزعوا على مختلف محافظات المملكة ومدنها، فضلا عن وجود عدد مماثل دخلوا قبل بدء الثورة بحكم النسب والمصاهرة والمتاجرة. ومع تزايد التوترات في درعا والقرب الجغرافي من الأردن تواجه المملكة ضغوطا أمنية متزايدة، ما قد يدفعها إلى اتخاذ إجراءات استثنائية لحماية أمنها واستقرار حدودها.
أدوات المواجهة
يعتبر الخبير العسكري الأردني نضال أبوزيد أن التطورات في شمال سوريا، التي شهدت سيطرة فصائل المعارضة على مناطق واسعة منها، لا تزال ضمن سياق يمكن السيطرة عليه. ويلفت أبوزيد إلى أن الأردن يبدو أنه يراقب التحركات الدبلوماسية التي يجريها حاليا وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بشأن التطورات في سوريا، وفي الوقت نفسه يراقب الحدود الجنوبية لسوريا، التي تشكل ما وصفه بـ”تهديد مركب” للمملكة.
وفي توضيحه لطبيعة التهديدات ذكر منها الخبير العسكري “انتشار الميليشيات الشيعية (الداعمة للنظام السوري) من مدينة البوكمال (شرق)، إلى مدينة تدمر (وسط)، والعلاقة المتوترة بين الطائفة الدرزية في مدينة السويداء (جنوب غرب) والنظام السوري، وانتشار فصائل المعارضة المسلحة في محافظة درعا وريفها.”
كما تحدث عن تهديدات أخرى للأردن من الجانب السوري، تشمل “استمرار نشاط جيوب تنظيم داعش الإرهابي بالبادية السورية في محيط جبل البشري بريف محافظة الرقة (شمال شرق)، والرصافة ومناطق أثريا والرهجان المتصلة بريف محافظة حماة الشرقي (وسط)، إضافة إلى بادية السخنة ومدينة تدمر بريف محافظة حمص الشرقي (وسط)، وبادية محافظة دير الزور (شرق).”
وأوضح أن ذلك “يجعل المنطقة الممتدة من المثلث السوري العراقي – الأردني إلى غاية مدينة صلخد السورية، التي تبعد عن حدود المملكة 15 كيلومترا، المنطقة الأكثر انفلاتا أمنيا من الجانب السوري، والتي تشكل أكبر تهديد للأردن.” وعن الأدوات الأردنية لمواجهة هذه التهديدات لفت أبوزيد إلى أن التطورات المتسارعة في شمال سوريا دفعت الأردن إلى اتخاذ موقف رسمي متقارب مع النظام، في خطوة تختلف عن مواقفه السابقة خلال الثورة السورية عام 2011.
واعتبر أن هذا التقارب يشير إلى توجه عمان نحو التنسيق والتعاون مع النظام السوري لضبط الحدود. ومع ذلك، بيّن أبوزيد أن الأردن لن يعتمد بشكل كامل على النظام السوري نظرا لعدم ثقته بقدرة الأخير على ضبط الأمن في جنوب البلاد. وأشار إلى أن “المملكة تمتلك أدوات إضافية لمواجهة التهديدات، بما في ذلك التنسيق مع العشائر المحلية في مناطق درعا والسويداء وصولا إلى عشائر الرقة؛ للتعامل مع أي تصعيد محتمل قد يخرج عن سيطرة النظام السوري.”
وأضاف “خاصة في ظل الأنباء التي تتحدث عن وصول تعزيزات من الميليشيات الشيعية الموجودة في العراق إلى البادية السورية ضمن ما يعرف بالكريدور البري الممتد من البوكمال إلى تدمر وريف حمص الشرقي، وهي مناطق قريبة من الحدود الأردنية نوعا ما.”
ويُنسق الأردن مع القوات الأميركية الموجودة في قاعدة التنف، التي تقع على بعد أقل من 20 كيلومترا من الزاوية الحدودية الأردنية – العراقية – السورية، في إطار الجهود المشتركة لتعزيز الأمن. وأكد أبوزيد أن المملكة تواصل مراقبة نشاط تهريب المخدرات عبر الحدود السورية، معتبرا أن الانفلات الأمني جنوب سوريا لا يزال ضمن نطاق يمكن السيطرة عليه بفضل الرصد الأمني والاستخباري الأردني.
إرسال رسالة
يعتبر المحلل السياسي والخبير الإستراتيجي الأردني عامر السبايلة أن المملكة تواجه معركة حقيقية على مستويين، الداخل الأردني والحدود الخارجية. وأكد أن استقرار الداخل الأردني يُعد أولوية قصوى، إذ لا يمكن السماح بنقل الأزمة السورية إلى أراضي المملكة، محذرا من أن أطرافا لم يسمها قد تسعى إلى تصدير الأزمة لتفريغ تداعياتها في الأردن، ما يجعل الحفاظ على الهدوء الداخلي ضرورة أساسية.
وبخصوص المستوى الثاني من المعركة، أشار السبايلة إلى أن الأوضاع على الحدود الأردنية – السورية تشهد توترات متزايدة، مع احتمال تحرك أطراف متعددة داخل سوريا تسعى لتحقيق مكاسب جغرافية أو الدفاع عن مواقعها. وأوضح أن مناطق مثل درعا وتدمر والبوكمال والقائم والسويداء، القريبة من الحدود الأردنية، معرضة لتحركات قد تمثل تهديدا للمملكة.
وشدد السبايلة على ضرورة أن يرسل الأردن إلى جميع الأطراف رسالة واضحة مفادها أن حدوده غير قابلة للاستهداف ولن تكون جزءا من المواجهات الإقليمية. كما دعا الخبير الإستراتيجي الأردن إلى تبني إستراتيجية أمنية استباقية تشمل تعزيز الإجراءات الدفاعية على الحدود ومواجهة أي تهديد قبل وقوعه. وتوقع أن تشهد الحدود العراقية تصعيدا جديدا، ما سيشكل عبئا إضافيا على الأردن في تأمين مناطقه الحدودية.
وأكد السبايلة أن الأردن بحاجة إلى تعزيز جاهزيته لأي تصعيد محتمل. وأشار إلى أن التهديدات الأمنية على الحدود قد تستمر مدة طويلة، ما يستوجب من الأردن التأقلم مع هذا الواقع، ووضع خطط للتعامل معه على المدى الطويل، بما يضمن حماية حدوده واستقراره الداخلي بشكل مستدام.