التطرف السياسي ينمو يمينا ويسارا في الولايات المتحدة

ظل ترامب يسيطر على الحزب الجمهوري وسط تراجع التيار الوسطي.
الأحد 2022/05/22
الترامبية لم تغادر بمغادرة ترامب

الرئيس السابق دونالد ترامب ما يزال مؤثرا في المشهد السياسي الأميركي بالرغم من خسارته في الانتخابات، وبعد مضيّ قرابة العام ونصف العام على تركه البيت الأبيض، فإنه قد تحول إلى رمز بالنسبة إلى اليمين المتشدد الذي يتسع نفوذه في مقابل تشدد مضاد لدى اليسار فيما يتراجع تيار الوسط بشكل لافت داخل الحزب الجمهوري كما الحزب الديمقراطي.

واشنطن - يُشير افتتاح الموسم الانتخابي في الولايات المتحدة، من خلال جدارية عملاقة للرئيس السابق دونالد ترامب في مقطع فيديو لأغنية راب مناهضة لجو بايدن وإعلان تلفزيوني يتعهّد بفعل “كلّ ما يلزم” لإعادة أميركا إلى “مجدها السابق” برعاية المرشّح للانتخابات النصفية جاي. أر. ماجيوسكي، إلى نموّ التطرّف السياسي في البلاد.

يأتي هذا في وقت يقول فيه مراقبون إن ترامب طبع الحياة السياسية الأميركية بطباعه الخاصة، حيث يميل إلى التصعيد، ويضع وراءه كل تقاليد الولايات المتحدة خاصة في التعامل مع المهاجرين وسن قوانين متشددة، وأن الشعبوية ستتمدد أكثر بوجوده أو غيابه، خاصة أنه تحول إلى ما يشبه البطل لدى اليمين.

وتفقد البلاد بالتوازي، التيار السياسي الوسطي المعتدل، إذ يحاول الجمهوريون في شمال غرب أوهايو منع جاي. أر. ماجيوسكي من الفوز في نوفمبر المقبل بمقعد في الكونغرس عن الحزب، من خلال تمويل حملات منافسين له جمهوريين بمئات الآلاف من الدولارات. غير أنهم لا يحرزون نجاحًا كافيًا.

ومنذ مطلع مايو حين بدأت رسميًا الحملات للانتخابات التمهيدية النصفية التي ستحدد توازن القوى السياسية في الولايات المتحدة للسنوات المقبلة، فازت غالبية المرشحين المدعومين من الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، ما أثار استياء المحافظين المعتدلين القلقين على تلاشي الأفكار الوسطية تدريجيًا.

ففي ولاية ساوث كارولينا، تتمتّع مرشّحة يدعمها ترامب كانت قد دعت إلى حلّ وزارة التعليم الأميركية وعزل الرئيس جو بايدن وتوقيف مستشار البيت الأبيض لشؤون كوفيد – 19، بفرص كبيرة لإزاحة النائبة نانسي ميس التي تبرّأ منها ترامب منذ أن اتهمته بالمسؤولية عن الهجوم على مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021.

وفي بنسيلفانيا، حصل الثلاثاء السناتور دوغ ماستريانو الذي لا يزال يقول إن الانتخابات الرئاسية في 2020 تعرضت للتزوير على ترشيح حزب الجمهوريين لمنصب حاكم الولاية في انتخابات نوفمبر.

طيف الحرب الباردة

الشرخ السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين أصبح أكثر اتساعا من أي وقت مضى مع تفكك تدريجي للوسط

 في الجهة المقابلة من الساحة السياسية، تزداد شعبية مفاهيم كانت تُعدّ محظورة حتى الآن، مثل الاشتراكية التي ما زال العديد من الأميركيين يرون فيها طيف الحرب الباردة.

ففي ولاية بنسلفانيا نفسها، تصدّرت سامر لي، وهي ديمقراطيةٌ تصف نفسها بصراحة بأنها “اشتراكية”، سباق الخميس للفوز بترشيح حزبها لمقعد في مجلس النواب.

وحصلت سامر لي خلال حملتها الانتخابية على دعم لجنة العدالة الديمقراطية “جاستس ديموكراتس” التي دعمت ألكسندريا أوكاسيو – كورتيز في 2018 لتصبح نائبة عن نيويورك.

وتقوم أوكاسيو – كورتيز، عبر حسابها على تويتر، بالتنديد بالاسم بالمسؤولين المنتخبين الأكثر وسطية في حزبها وبدعم المرشحين التقدميين ضدهم.

ومن المرجح أن يفوز مرشحو “جاستس ديموكراتس” المنبثقون من الديمقراطيين بمقاعد وبنفوذ في الانتخابات التشريعية في نوفمبر.

ويُظهر تحليل قام به مركز بيو للأبحاث أن الشرخ السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين أصبح أكثر اتسّاعًا من أيّ وقت مضى في السنوات الخمسين الأخيرة، مع تفكّك تدريجي للوسط.

مراقبون يرون أن الشعبوية تحولت إلى مزاج شعبي واسع، وأن الأمر ليس مرتبطا بأسماء من يتقدمون للانتخابات، ولكن بمواصفات معينة بات الناس يبحثون عنها

ففي العام 1972، كان 144 من الجمهوريين في مجلس النواب يُعتبرون أقلّ محافظة من أكثر الديمقراطيين محافظة، فيما 52 ديمقراطيا أقلّ ليبرالية من الجمهوريين الأكثر ليبرالية. وبحسب مركز الأبحاث، بدأت هذه المنطقة الفكرية المشتركة في التقلّص حتى اختفت نهائيًا في العام 2002 بعيد انتخاب جورج بوش الابن.

وتشير منظمة “كومون غراوند كوميتي” التي تدعو إلى تخفيف الممارسات غير الأخلاقية في السياسة، إلى أنها لاحظت تشدّدًا في الخطاب العام بعد أزمة 2008.

ويقول بروس بوند، وهو أحد مؤسسي هذه المجموعة، لوكالة برس “نحن في وضع يزداد مرارة تقف وراءه ذهنية مكافأة الفائز في الكونغرس والتي تثبط بشدّة همة من يحاولون التوصل إلى تسويات بين الأحزاب”.

ويعتبر بوند أن المشهد السياسي يزداد تطرّفًا بسبب قنوات إعلامية “شديدة الاستقطاب”.

ويلعب المال أيضًا دورًا في ذلك بحسب المستشارة السياسية زي كوهين – سانشيز التي تقول “أصبحت انتخاباتنا مكلفة بشكل هائل، إذ أن الناس يسعون إلى جمع المال بسرعة بدلًا من جمعه من الأميركيين العاديين”، وهذا يدفع المرشّحين، بحسب رأيها، إلى اتخاذ مواقف مثيرة للجدل تجذب الاهتمام وتدرّ أموالًا.

ومن ثم “يصبح الوضع خطيرًا”، بحسب قولها.

اتساع الشعبوية

Thumbnail

ويؤكد المراقبون أن الشعبوية تحولت إلى مزاج شعبي واسع، وأن الأمر ليس مرتبطا بأسماء من يتقدمون للانتخابات، ولكن بمواصفات معينة بات الناس يبحثون عنها، مشيرين إلى أن “العناصر التي تغذي هذا التيار الجارف ستتواصل، بما في ذلك عدم المساواة في الدخل، والخوف من تأثير العولمة على الوظائف، والهوية، والتغيرات الديموغرافية، والاستياء الشعبي من المؤسسات السياسية والاقتصادية التقليدية”. وما يزال نفوذ ترامب قويا بما في ذلك داخل الإدارة وليس فقط في الحزب الجمهوري، وقد خلق مشاكل كثيرة أمام إدارة بايدن، فقد منع قاضٍ فيدرالي في لويزيانا الجمعة وقف العمل بإجراء صحّي فرضته إدارة ترامب خلال جائحة كوفيد لتسريع ترحيل المهاجرين الذين يعبرون الحدود البرّية للولايات المتحدة بلا تأشيرات.

وقالت المتحدّثة باسم البيت الأبيض كارين جان – بيار إنّ “الإدارة لا تُوافق على قرار المحكمة، ووزارة العدل أعلنت أنّها ستستأنف”، موضحةً أنّه في الانتظار، سيتواصل العمل بالإجراء المسمّى “تايتِل 42”. وكانت إدارة بايدن تريد أن توقِف في الثالث والعشرين من مايو العمل بهذه الآليّة لأنها تمنع خصوصا طالبي اللجوء من تقديم طلباتهم، لكنّ حكّامًا جمهوريّين في 24 ولاية يُعارضون قرار إدارة بايدن لجأوا إلى القضاء.

وكتب القاضي روبرت سمرهايس في حكمه الجمعة “خلُصت المحكمة إلى أنّ الولايات التي تقدّمت بالشكوى استوفت الشروط” للإبقاء على هذه الآليّة مؤقّتًا.

وتدّعي “الولايات المقدِّمة للشكوى” أنّ وقف العمل بهذا الإجراء سيؤدّي إلى زيادة عدد عابري الحدود وبالتالي زيادة عدد المهاجرين المقيمين بشكل غير قانوني على الأراضي الأميركيّة. و”تايتل 42″ إجراء يتخذ في إطار الصحّة العامّة أقر في 1893 لحماية الولايات المتحدة من العديد من الأوبئة كالكوليرا والحمّى الصفراء في ذلك الوقت. ولم يجر اللجوء إليه إلا نادرًا منذ ذلك الحين.

وفي مارس 2020 عمدت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى تفعيل هذا النظام الصحّي الذي يسمح بالطرد الفوري للمهاجرين الذين ليست في حوزتهم تصاريح إقامة بعد توقيفهم عند الحدود البرّية. وهذا النظام قابل للتطبيق على الفور ولا يسمح بإمكانيّة اللجوء إلى القضاء، حتّى بالنسبة إلى الراغبين في تقديم طلب لجوء. لكنّ هذا النظام يُوفّر استثناءات قليلة لبعض الجنسيّات مثل الأوكرانيّين منذ غزو روسيا لبلادهم، أو للقصّر غير المصحوبين.

وكان الناشطون في مجال الدفاع عن حقوق الانسان يخشون الإبقاء على “تايتل 42” الذي يؤدي برأيهم إلى ارتفاع محاولات العبور غير القانونية للحدود مع المكسيك إذ ما من عواقب قانونية أو قضائية للمهاجرين المطرودين بموجب هذه الآلية ويمكنهم تاليا محاولة العبور قدر ما يشاؤون.

7