التطبيع مع دمشق: حل للأزمة أم إعادة إدماج للنظام

بيروت - يشهد الملف السوري مؤشرات على تقارب عربي مع نظام بشار الأسد حيث تعيد أغلب الدول العربية صياغة علاقاتها مع النظام، وهو ما يرى فيه محللون إشارات متباينة يشير بعضها إلى تغير في مواقف القادة والتفاتهم إلى مصالح المنطقة.
وعزا الباحث بمركز الدراسات المستقبلية في بيروت عبدالله زغيب ظهور بوادر التطبيع إلى فشل عملية إعادة الهندسة للواقع السوري في مرحلة ما بعد الثورة والصراع الأهلي، فالدول العربية عالية الانخراط في سوريا فقدت العديد من نقاط زخمها، بسبب عدة عوامل أبرزها التأرجح في الموقف الأميركي، والخلاف البيني مع تركيا، وتشرذم المعارضة السورية ثم تشظيها.
في مقابل ذلك، فإن روسيا وإيران "حققتا نجاحا نسبيا (في رقع جغرافية محدودة) بتثبيت الدولة، وتحويلها من عامل إشكالي (نظام) في إدارة الملف السوري إقليميا ودوليا، إلى الجهة الأكثر ثباتا (حكومة) بعد 11 عاما من القتال"، وفق زغيب.
واعتبر زغيب أن المنظومة العربية الحالية "غير قادرة على إعادة التأهيل، إذا ما افترضنا أنها تعني بالمحصلة إعادة دمج لسوريا في مؤسسات المجتمع الدولي"، لأن "التأشيرة هذه لا يملكها سوى الغرب حصرا".
وأوضح أن صعوبة إدماج النظام في المجتمع الدولي "باتت واضحة للدول العربية بفعل الصدام الدولي الأميركي - الروسي - الصيني، في مقابل تخلي واشنطن والغرب عن دعم فكرة إسقاط النظام بالقوة".
زغيب، أشار إلى أن "الأطراف العربية تحاول ضمن هذا الوضع إعادة إحلال أوزانها في الداخل السوري، ومنع تحول البلاد إلى نموذج يمني مرتبط بشكل هيكلي بطهران". وأضاف "لتقارب العربي – السوري لا يمكن أن يكون عملا على هامش الحل النهائي، وقد ينتج حلا، لكن الخلاف البيني بين الأقطاب العربية والنظام لا أكثر، وقد يكون مقدمة، لكنه لن يكون كافيا لإنهاء الصراع وإعادة توحيد سوريا بما يناسب جميع الأطراف الداخلية ورعاتها".
ولفت إلى أن “واشنطن، لن تعطل المسعى العربي للتقارب مع النظام، لكنها لن تسهم فيه ولن ترفعه إلى طاولة أشمل”. وأردف "القراءة الأميركية تتقبل الأمر، بما فيه من مقدمات احتواء لدمشق على حساب طهران، وكذلك تخفيض عملي لأسباب توتر إسرائيل في هذا الملف".
وحول إفلات النظام من العقاب في حال تطبيع العلاقات معه، قال زعيب "في نموذج الانتقال من صراع أهلي إلى منظومة حكم عابرة للأزمات، لا مكان للأخلاقيات".
من جانبه، اعتبر محمد المومني الوزير الأردني الأسبق وعضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الأعيان (الغرفة الثانية للبرلمان)، أن "سوريا جزء من منظومة عربية، ولا يمكن بأيّ حال الحديث عن الدول العربية كوحدة واحدة دون الوجود السوري".
ورأى أن “سوريا جارة للأردن، وامتداد جغرافي وديموغرافي للمملكة، لذا فالمصلحة المشتركة تقتضي سوريا آمنة ومستقرة، وأما النظام فهو خيار شعبي، ودبلوماسيتنا بقيادة الملك عبدالله الثاني قائمة على أساس عدم التدخل في شؤون الغير”. وأضاف المومني “لا يمكن أن نصف أيّ دور عربي لتمكين سوريا وإعادة تأهيلها بمحاولة خرق أو ما شابه ذلك، لأن سوريا هي جزء من منظومة عربية، والحل السلمي هو مصلحة للجميع دون استثناء”.
وأشار إلى أن “كل دولة عربية لديها علاقاتها الخاصة، وإستراتيجيتها المستقلة، وخاصة مع القوى المؤثرة دوليا كالولايات المتحدة وروسيا وغيرها من الدول الأخرى، لذا فأنا أعتقد بأنها ستوظف تلك العلاقات وصولاً إلى حل يُعيد سوريا إلى سابق عهدها، ويعطيها دورا إقليميا، يحول دون المزيد من الأزمات”.
أما جمال الشلبي أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الهاشمية فيستشهد بمقولة رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل، “لا توجد صداقات دائمة، ولا عداوات دائمة، بل مصالح دائمة”.
وأرجع التحولّ في العلاقات بين الدول العربية وسوريا إلى أسباب متعلقة بالبيئة الإقليمية والدولية، ومنها الأزمة الروسية – الأوكرانية، والاتفاق الإيراني – السعودي.
ولفت الشلبي إلى أن “إيجاد حل سلمي ودبلوماسي في سوريا أصبح مطلبا عاما، سواء من جانب الدول العربية أو من جانب الدول المحيطة بها مثل تركيا”.
واستدرك “هذا أمر، إذا ما تم، سيحقق مصالح دول الشرق الأوسط بالاستقرار، وخلق حالة من الهدوء والتنمية والرخاء الاجتماعي، والاستقرار السياسي لكافة دول المنطقة”.
واعتبر الأكاديمي الأردني أنه “كلما كان هناك تقارب عربي مع سوريا وتشابك في المصالح سيعمل بالتأكيد على الدفع بالنظام للتعامل مع مطالب المعارضة المتمثلة في المشاركة السياسية، وفتح أفق سياسي لانتخابات يشارك فيها الجميع، بشكل أكثر جدية وفاعلية وواقعية”.
ولفت إلى أن “الأردن، سيجد الدعم المطلوب للمسير في مبادرته، التي إذا ما حققت أهدافها، ستعطى الأمل في استقرار ليس فقط سوريا بل في الشرق الأوسط برمته، وهذا مطلب إقليمي ودولي”.
ويقول الشلبي مستبعدا أن يكون هناك دور أميركي في وقف التقارب العربي - السوري “من الواضح أن العرب في ظل بروز قوى جديدة مثل الصين وروسيا لم يعودوا يهتمون برأي الولايات المتحدة ونقدها أو حتى فعلها".
وفي هذا السياق، اعتبر أن "واشنطن غير قادرة حاليا على ضبط إيقاع السلوك السياسي للدول العربية سواء إزاء سوريا أو إيران أو تركيا". وبناء على ذلك يرى الشلبي أنه "لا يمكن للعرب أن يتراجعوا عن التقدم نحو دمشق من ناحية، ولا تستطيع الولايات المتحدة في ظل ظروفها الصعبة في الاشتباك السياسي والدبلوماسي في أوكرانيا، وكوريا الشمالية، وإيران، وفنزويلا أن توقف هذا التوجه العربي نحو سوريا العربية من ناحية ثانية".
من جانبه، أفاد الباحث السوري في مركز جسور للدراسات وائل علوان أن التقارب مع النظام السوري يأتي ضمن تفاهمات إقليمية ودولية تجريها الدول العربية مع حليفتي النظام روسيا وإيران.
ويرى أن هذا المسعى لا يعيد تأهيل النظام، ولا يؤدي إلى إعادة إنتاجه وجعله مستقرا، “فالمشكلة في النظام ليس في العلاقات الدبلوماسية الإقليمية أو مع دول الجوار، المشكلة في النظام أساسا داخلية، فأسباب الثورة التي انطلقت في 2011 ما زالت مستمرة".
ويقول علوان إن "النظام تفكك كبنية داخلية وإدارية، وتحول إلى عصابات مسلحة وميليشيات تشكل ما يشبه الدولة ضمن الدولة، لذلك هناك أسباب داخلية تمنع تأهليه”. أما الأسباب الخارجية التي تمنع تأهيل النظام السوري، فهي حسب علوان "العقوبات الغربية، وليس عدم إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول".
وأضاف "روسيا تسعى لإيجاد خرق في العلاقات العربية مع النظام، وإن كان الأخير سيستفيد منه إعلاميا وسياسيا، لكنه لن يتمكن من تحويله إلى المكتسب الأساسي، فكل هذه العلاقات غير قادرة على رفع العقوبات الأميركية وإعادة الإعمار”.